البرلمان العراقي مفرخة الفاسدين وإعادة إنتاج نفس القوى المتنفذة

البرلمان العراقي مفرخة الفاسدين وإعادة إنتاج نفس القوى المتنفذة
آخر تحديث:

بقلم: سعد الكناني

البرلمان العراقي لم يكن سوى انعكاس لنظام محاصصة طائفية حزبية فاسدة، حيث جرى تفريغ مفهوم “التمثيل الشعبي” من محتواه الديمقراطي، وتحويله إلى أداة لإعادة إنتاج ذات الطبقة السياسية التي تمسك بمفاصل الدولة منذ 2003.

أما عن الانتخابات المقبلة، فكل المؤشرات الواقعية تقول إن الوجوه الكالحة ذاتها ستعود بشكلٍ أو بآخر، وذلك لأسباب واضحة:

  1. سيطرة الأحزاب المتنفذة على المفوضية والتمويل والإعلام والدوائر الانتخابية.

  2. عزوف الجماهير الواعية عن المشاركة بعد أن فقدت الثقة بالعملية الانتخابية.

  3. القوة المالية والميليشياوية التي تضمن فوز ممثلي النظام القائم.

  4. غياب المعارضة الوطنية المنظمة القادرة على خوض معركة سياسية متكاملة.

بمعنى آخر، الانتخابات في ظل النظام الحالي ليست آلية للتغيير، بل أداة لتدوير الفساد والخيبة. ولا يمكن أن تُنتج وجوهاً وطنية إلا إذا جرى تغيير القواعد نفسها: قانون انتخابي عادل، إشراف دولي فعّال، ومناخ حرّ غير مرتهن للنفوذ الإيراني والسلاح المنفلت.

لقد فشلت البرلمانات العراقية المتعاقبة في أداء دورها الدستوري كممثلٍ حقيقيٍ للشعب، لأن نشأتها ارتبطت منذ البداية ببيئة سياسية ملوّثة بالهيمنة الحزبية والتدخلات الخارجية. فقد أُنتجت هذه المجالس وفق معادلة “الولاء قبل الكفاءة”، حيث احتكرت الأحزاب المهيمنة الترشيح والتمويل والإعلام، ما جعل البرلمان انعكاساً لمصالحها وليس لتطلعات المواطنين. كما ساهم القانون الانتخابي المفصّل على مقاس الكتل الكبرى في إقصاء القوى المدنية والمستقلين، وتحويل العملية الانتخابية إلى سباقٍ بين شبكات النفوذ المالي والميليشياوي، لا بين البرامج والمشاريع الوطنية. وفوق ذلك، أدى غياب الوعي الانتخابي لدى شريحة واسعة من الناخبين، واستشراء شراء الأصوات واستغلال الفقر والطائفية، إلى تثبيت منظومة السلطة الفاسدة. وهكذا تحوّل البرلمان من مؤسسة تشريعية ورقابية إلى سوق للمساومات السياسية وصفقات الوزارات والمناصب، مما رسّخ عزلة الشعب عن ممثليه وأجهض أي أمل بإصلاح حقيقي من داخل النظام نفسه.

تبدو الانتخابات المقبلة في العراق وفق المعطيات الراهنة أقرب إلى تجديدٍ للخيبة منها إلى فرصةٍ للتغيير. فالنظام السياسي القائم لم يُبدِ أي استعداد لإجراء إصلاحات جوهرية في بنية الدولة أو في آلية إدارة الانتخابات، بل على العكس، جرى إعادة إنتاج ذات البيئة الفاسدة التي أفرزت البرلمانات السابقة. ما زالت الأحزاب المتنفذة تمسك بمفوضية الانتخابات وتتحكم بالتمويل الإعلامي والسياسي، فيما تستمر الميليشيات في فرض إرادتها بالقوة على الشارع والمرشحين المستقلين.

أما الجماهير الواعية التي كانت تُراهن عليها قوى التغيير، فقد أصابها اليأس والإحباط بعد سلسلة من التجارب الانتخابية التي انتهت إلى لا شيء. فكيف يمكن لانتخابات تُدار من داخل منظومة فاسدة أن تنتج وجوهاً وطنية جديدة؟، إن التغيير لا يأتي عبر صناديقٍ محاصَرة بالسلاح والمال الحرام، بل من خلال إرادة شعبية منظّمة تفرض قواعد جديدة للّعبة السياسية.

ومع ذلك، فإنّ هذه اللحظة التاريخية رغم قتامتها يمكن أن تتحول إلى فرصة لإعادة الوعي الوطني، إذا ما توحّدت القوى المدنية والنخب المستقلة حول مشروع إنقاذٍ وطني، يتجاوز شعارات الإصلاح الجزئي إلى مشروع لتفكيك بنية الفساد والتبعية. عندها فقط يمكن أن تكون الانتخابات خطوة أولى نحو استعادة الدولة من براثن الأحزاب والولاءات الخارجية.

إنّ بناء برلمان وطني حرّ في العراق لن يتحقق عبر التمنّي أو الخطابات الإصلاحية، بل من خلال إعادة تأسيس النظام السياسي على أسس مدنية ودستورية سليمة. أولى خطوات هذا الطريق هي إلغاء منظومة المحاصصة التي دمّرت روح الدولة وحوّلت البرلمان إلى ميدان لتقاسم الغنائم. يجب أن يكون قانون الانتخابات عادلاً وشفافاً، يمنح الفرصة المتكافئة للمستقلين والكفاءات الوطنية، ويمنع سطوة المال السياسي والسلاح المنفلت. كما يتطلب الإصلاح الحقيقي مفوضية انتخابات مستقلة فعلاً، خاضعة لرقابة قضائية ودولية، لا لإرادة الكتل المتنفذة. ولا بدّ من تنمية الوعي الشعبي كي يتحول الناخب من تابعٍ مذهبي أو قبلي إلى مواطنٍ حرّ يصوّت وفق البرنامج الوطني لا الولاء الحزبي.

إنّ الطريق نحو برلمان وطني حرّ يبدأ من تحرير الإرادة العراقية من النفوذ الإيراني ومن وصاية الأحزاب الدينية، ويمرّ عبر مشروع وطني شامل يقوده المثقفون والنشطاء وقوى المجتمع المدني. فالديمقراطية ليست أوراق اقتراعٍ تُرمى في الصناديق، بل هي ثقافةُ سيادةٍ وكرامةٍ ووعيٍ جمعيّ يؤمن بأنّ الوطن أكبر من الأحزاب والطوائف.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *