أسئلة من الواقع العراقي تبحث عن إجابة

أسئلة من الواقع العراقي تبحث عن إجابة
آخر تحديث:

بقلم: سميرداود حنوش

تصريح رئيس الوزراء العراقي بأن الحكومة المقبلة ستكون مضطرة إلى اللجوء للاقتراض في ظل عجز مالي يشهده العراق ونقص في السيولة، يهدد بلدا يُعتبر من أغنى البلدان النفطية التي تُصدّر ما يقارب أربعة ملايين برميل من النفط يوميا، وموازنات “انفجارية” ظلت الحكومات السابقة تتحدث عنها، ربما جاء متأخرا.اعتراف رئيس الحكومة بالعجز المالي جاء بعد أسابيع من إجراء الانتخابات البرلمانية التي جرت في الحادي عشر من تشرين الثاني – نوفمبر، ويبدو أن الاعتراف الحكومي قد تأجل لما بعد هذه الانتخابات خوفا من النفور الجماهيري أو عزوف الناخبين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع.

واقع مؤلم ولغز يصعب حله، يتمثل في النزيف المستمر من الفساد والهدر في أموال العراقيين النفطية وغيرها، دون أي حلول ناجعة، حتى وصل التهديد إلى قلق مزمن يجتاح عقول الموظفين والمتقاعدين بعد أن أصبحت رواتبهم الشهرية مُهددة بالاستقطاع أو التأخير.الأسواق العراقية تعتمد في حقيقتها على راتب الموظف في تحريكها وتنشيطها، وتتّكئ عليه كل الفعاليات الاقتصادية. ذلك الراتب الذي يعتمد على واردات النفط وبحبوحة سعر البرميل، مما يعني أن أي انخفاض مفاجئ في أسعار النفط يعني عجز الدولة عن تسديد تلك الرواتب. وهذا الأمر متوقع تماما، خصوصا بعد التوقعات بانخفاض أسعار النفط إلى ما دون ستين أو خمسين دولارا في العام 2026.

اقتصاد ريعي يعتمد على بيع النفط وصرف مستحقاته، يذهب جزء منها إلى رواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية، في وقت ظلت فيه المعامل والمصانع التي أُقفلت بعد عام 2003 ودخول الأمريكان إلى العراق مغلقة دون أي بادرة لتنشيطها أو إعادة العمل بها. ويقال إن بعض دول الجوار لا ترغب في تنشيط الصناعة والزراعة في العراق لأغراض سياسية واقتصادية، قد يكون من أهمها أن يظل العراق سوقا رائجا لمنتجات تلك الدول.

اعتراف رئيس الحكومة بالعجز المالي جاء بعد أسابيع من إجراء الانتخابات البرلمانية، ويبدو أن الاعتراف الحكومي تأجل خوفا من النفور أو عزوف الناخبين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع ذلك الواقع السوداوي يفرض على الاقتصاد العراقي شروطا تقشفية صعبة في المستقبل، قد تمتد إلى الحالة المعيشية للمواطن العراقي الذي يعاني أصلاً من أزمات متلاحقة: غلاء المعيشة، ارتفاع سعر الدولار، تذبذب الكهرباء، وصعوبة إيجاد فرص عمل للشباب. لذلك يلجأ الكثير من الشباب العراقي إلى البحث عن فرصة عمل في القطاع الحكومي، ظنا منهم أن ذلك يوفر الطمأنينة لعائلاتهم من خلال الراتب الذي يقبضونه من الدولة.

في مدينة مثل بغداد، التي تضم أكثر من ثمانية ملايين نسمة ويدخلها آلاف الشباب القادمين من المحافظات، لا يمكن إلا أن تقف عاجزة أو حائرة في إيجاد الحلول لتشغيل هذه الحشود في فرص عمل تكاد تكون غير متكافئة.يمكن تلخيص الحياة الاقتصادية في العراق بكلمة واحدة: “استهلاكية” لا تنتج سوى الإنفاق.أخيرا جاء التحذير الحكومي بأن العراق لن يكون قادرا على الإنفاق الحكومي أو حتى تسديد رواتب الموظفين سوى بالاقتراض. لكن إلى متى سيبقى ذلك الاقتراض؟ ومتى يتوقف؟

الفوضى السياسية التي رافقت هذا البلد طوال عقدين أنتجت وضعا اقتصاديا مرتبكا يوشك على الانهيار في أي لحظة، معتمدا على أسعار النفط ومشاكل العالم الثالث التي تزيد من تقلباته، وحلولاً من السماء قد تؤجل الانهيار إلى حين من الوقت.غاب عن تفكير من يُسيّر العملية السياسية في العراق أن استقرار الوضع السياسي مرهون تماما باستقرار الواقع الاقتصادي للبلد، وأن أي هزّة في الاقتصاد قد تُزلزل الوضع السياسي. فأسلحة الحروب الناعمة التي بدأت الدول تستخدمها ضد بعضها البعض لا تتضمن أسلحة دمار شامل أو احتلالاً عسكريا، بل ضغوطا اقتصادية تُؤزم الموقف الداخلي وتخلق حالة من التذمر والفوضى التي تؤدي إلى اختلال في الوضع العام للبلد.العراق، ذلك البلد الغني بموارده، مقبل على أيام صعبة ربما ستتجلى صعوبتها بعد تشكيل الحكومة القادمة التي ستتخذ سياسة “شدّ البطون”، وقد تؤثر على الحالة المعيشية للمواطن البسيط الذي لا ذنب له سوى أنه يدفع فاتورة الفساد الذي نخر بلده، ويرفع القبعات للفاسدين الذين اتخمت جيوبهم، وتلك هي المصيبة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *