فلاح المشعل
انشغلت الأقلام وقبلها الأرواح والعقول بإطلاق آهات الأسى لغياب رمز فكري واسلامي عربي اسمه هاني فحص ، رحل فحص في وقت أشد مايحتاج اليه الفضاء الثقافي العربي في خضم هذا التصارع الطائفي المنحط معرفياَ وانسانياَ .
كلماتي ليست لتشييع فحص بعد هذا الموكب الرثائي الذي سيستمر في العديد من أروقة الإعلام والثقافة ومراكز الإصلاح الديني ، ولعله اقل استحقاق لهذا الأنموذج المميز بحريته وافكاره وعناقه الدائم للشمس ، فحص رجل الدين اللبناني ، والمقاومة والفكر والشعر والإندماج الحضاري والصوت النقدي الذي اشتغل على نحو مايفعل الباحثون عن الذهب ، يعزل مفاهيم الدين وتعاليمه ، عن غرين وتكلسات المدارس والمذاهب وماتحمل من تشويهات وتزييف لنقاء الإسلام .
هاني فحص مخضب بالإحساس والرقة ، والإستغراق باكتشاف الجمال ومعاييره في ظل أزمنة تستمطر القبح ، وتجترح أسبابا للجفاف والتصحر الإنساني ، وهو ما يعيد الذاكرة لإستحضار شخصية لبنانية اخرى استطاعت ان ترسم السكة لرجل الدين العصري والفاعل مجتمعياَ، واقصد به السيد محمد حسين فضل الله .
الكبيران الحاضران فضل الله وفحص تربيا في مدارس النجف الدينية وحوزتها ومنتدياتها الفكرية والأدبية ، وعاشا في بلدهما لبنان ، واعطيا له ماعجزت عن تقديمه العديد من الشخصيات السياسية اوالأكاديمية والثقافية ، واصبح كل منهم ماركة إسلامية مميزة في بعدها التوجيهي والثقافي والتربوي المنفتح ،والمتحرر من قيود الأصوليات المتزمتة وقانون السمع والطاعة .
السؤال الذي يشغلني وغيري ايضا ؛ لماذا تفتقد أجوائنا العراقية وجود شخصيات تماثل محمد حسين فضل الله وهاني فحص .؟
ان تاريخ الإبادة والتغريب والنهش الذي عاشه الشيعة في العراق وماأورثهم من حمولة باهضة ترسّمها تعاليم الدولتين العثمانية والصفوية ، ومااحدثته من آثار لدى رموزهم الدينية ، ربما هذا التاريخ المرّ ، جعلهم يندرجون في مدارات الصرامة والإنغلاق والسرية ..؟
أم ان أجواء لبنان وجبالها وبحرها المنفتح على حضارات الكون ،اعطى له هذا الترف والاحساس بالجمال والربيع الفكري االدائم .؟
رجل الدين العراقي يعيش حالة من غياب الحقوق والإستلاب النفسي الإضافي، حين يتحرج من سماع فيروزأوالموسيقى ، ويمتنع عن حضور المسرح وسماع شعر الغزل ، وهذا سلوك مغاير تماما لما كان يفعله المرجع الكبير فضل الله والفقيه المميز هاني فحص .