الثقافة بوصفها درساً

الثقافة بوصفها درساً
آخر تحديث:

أ.د. باسم الاعسم

يعد المثقفون ذخائر وطنية وإبداعية تتخطى الزمكان، على الصعيد الإنساني، تكريساً لشمولية الرؤية الإنسانية، ولذلك، فلا عقد تحول من دون تدريس الآداب العالمية أو الاطلاع على سيّر وإبداع الأدباء والكتاب، بسبب تداخل المشتركات الثقافية والفنية والإنسانية، التي تضفي على الثقافة والمثقفين أبعاداً قيمية ورمزية وجمالية، تجعلها مصدر فخر واعتزاز ورفعة لدى كل الشعوب،التي تقيم وزناً لرموزها الفنية والثقافية، من أدباء وكتاب وفنانين وإعلاميين ومفكرين في صنوف المعرفة كافة.

وعند الحديث عن الثقافة والمثقفين تستوقفنا استفهامات عدة، لعل أبرزها:

هل ان الثقافة ضرورة؟

وهل بإمكان الشعوب ان تحيا بلا ثقافة؟

وما النتائج الايجابية المتوخاة التي يفرزها الحراك الثقافي؟

هل تصلح ان تكون الثقافة درساً تخبره الأجيال؟

ما المعطيات التي تمخضت عنها البنى الفوقية في المجتمعات المتحضرة؟

قطعاً، أن الإجابة بجدية تقتضي معاينة المعطيات الواقعية المتحققة في المجتمعات المتقدمة، بفعل التقدم الثقافي، مقارنة مع المجتمعات المتخلفة، من جراء تهميش الثقافة وإقصاء المثقفين، إذا ما أدركنا ان الثقافة من أخص المنجزات الإنسانية التي تتصل بالتنمية والبناء والهوية والتحضر، وانها نتاج الوعي والحرية والدعم اللامحدود، أو هكذا يفترض.

فضلاً عن كونها تشكل القوة الروحية (الذهنية والفكرية، والنفسية) الدافعة لحركة المجتمع والسلوك الايجابي للإفراد، باتجاه البناء والإعمار ومجابهة مواضع الذل والإحباط والتخلف والهوان، لذلك، لا كرامة لشعب من دون ثقافة حرة وتقدمية وإنسانية، فالثقافة ليست قصص وروايات، أو أشعار، ومسرحيات، بل هي تلك الأرواح، أو الذوات الإنسانية المسكونة بالخلق والابتكار والتجدد والإضافة، والتي تمثل روح الأمة ونبض الشعب وداينمو التغيير في كل مراحل التاريخ ولجميع الأمم الغابرة والحاضرة ومن ثم، فالثقافة إنتاج حضاري تفرزه حركية المجتمع وأحداث التاريخ، ولذا لا يصح إطلاقاً ان ينأى المجتمع بنفسه بعيداً عن مقومات نهضته، التي تشكل الثقافة فيها عنصراً فاعلاً في صناعة الرأي العام، ومن مجابهة قوى الظلام والتطرف والاستسلام.

إن المجتمع الذي تكون فيه الثقافة ليست من الأولويات ينحدر باتجاه إثارة النزعات القبلية والصراعات الطائفية والعنصرية، وتغدو الهوية في خبر كان.

وطالما أن العراق عريق بمكتسباته الحضارية والفكرية فنحن أولى من سوانا في تعزيز نهجنا الثقافي، عبر إدامة الحراك الفكري وانجاز البنى الثقافية التحتية، وتفعيل دور المؤسسات الفنية والثقافية كما الحال لدى أغلبية الشعوب التي تعي عن وعي مسبق أهمية الثقافة والفن في بناء الشخصية الإنسانية وتنمية مداركها وتقويم سلوكها وتوجيه رأيها، فلا يكفي التغني بالماضي الحضاري عبر مقولات نظرية تمجد ولا تجدد، تؤله ولا تنقد، مع يقيننا الجازم ان الثقافة لا تؤثر ولا تغير، ما لم يكن لها ضمن الدستور قرارات تعزز سلطة الثقافة والمثقفين.

وأكاد أجزم وأقول: يتفرد العراق من دون بلدان العالم بحضاراته المتعددة، وفنانيه الكبار، وكتابه الكثار، وشعرائه الذين بعدد النخيل، وهذا امتياز حضاري، 

وماركة ثقافية خاصة تفرد بها العراق، تشير إلى فرادة العقل العراقي المبدع رغم الأزمات والاحباطات.

أفلا يدعونا هذا التميز وتلك 

الفرادة ان نجعل من الثقافة درساً علمياً وتربوياً وثقافياً في جميع مراحل الدراسة كيَّما 

تطلع الأجيال التي ابتعدت عن القراءة، على المثقفين الذين هم فخر العراق ومصدر ثروته الفكرية الناصعة ورمزه الثمين الذي لا يقدر بثمن.

ولا أحسب أن مواد أو مفردات مادة الأدب التي تدرس تستعيض عن مقترحنا في تخصيص درس (الثقافة والمثقفين)، لما لهذا الدرس من تأثيرات وامتدادات وشيجة الصلة بمناحي الحياة بما يتوافق مع التعريف الشامل للثقافة، وان تكون الثقافة إنسانية ذات خصوصة عراقية بمفردات شاملة، فلقد أحزنني عدد غير قليل من الناس والطلبة من انهم لا يعرفون أبرز الشعراء والقصاصين والأدباء والكتاب، ففي روسيا يدرس تلاميذ المرحلة الابتدائية حياة الروائيين والشعراء أمثال دوستويفسكي وشولوخوف وبوشكين وهكذا أغلبية المناهج الدراسية في الدول الأوروبية، مما ينعكس ذلك بنحو ايجابي على ثقافة الأجيال وسلوكياتهم، إذا ما أدركنا ان 

لدينا من الرموز الثقافية ذات الملامح العالمية، ما يجعلنا نباهي الآخرين بها، وطالما أنجزت رسائل واطاريح جامعية عن منجزاتهم الأدبية.

على ضوء هذا التوصيف أقول: إن على وزارتي التربية والتعليم العالي ان يدرسا مقترح استحداث مادة (الثقافة والمثقفين) تكرس في المرحل الابتدائية للثقافة والمثقفين العراقيين، وفي مرحلة الإعدادية تخصص المواد للثقافة والمثقفين العرب، وفي الجامعة تخصص مفردات المادة بالثقافة العالمية، وأملي كبير في ان يجد هذا المقترح صداه الفعلي خدمة للثقافة والمثقفين وإثراء للعلم والمعرفة والفكر والجدال المثمر. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *