حكايات الفساد في العراق: حكاية أضحكتنا أخيرا

حكايات الفساد في العراق: حكاية أضحكتنا أخيرا
آخر تحديث:

بقلم:سمير داود حنوش

يُحكى في هذا الزمن الذي نعيشه، حين بات نُبكيه ويُبكينا، قصة للكاتب الأميركي مارك توين أن أحدهم كان يخطب أمام الجمهور في إحدى المرات فألقى نُكتة سخيفة، ظل الناس يرمقونه باستغراب دون أي رد فعل، قام الرجل بِتكرار المُحاولة لِيُقابله الناس بالاستغراب نفسه، تكرّر إلقاء الدعابة مرّات عِدّة، أخيرا وجد أن الضحكات بدأت تتعالى حتى انفجر جميع الحضور من الضحك، المُفارقة أن الجالسين لم يضحكوا من الدعابة بقدر ما أضحكهم الإصرار على تلك السخافة، وفي النهاية ضحك الجميع من سخافة النُكتة.ربما تتشابه قصة ذلك الجمهور مع أحوال الشعب العراقي الذي ظل ساكتا على سرقة أكثر من ألف مليار دولار مُنذ عام 2003 ولغاية الآن، ولا يزال النهب مُستمرا، في حين طلبوا منه أن يضحك كثيرا على ما أسموه سَرِقة القرن التي تُقدّر أكثر من خمسة مليارات دولار. لم تُضحِك الجمهور سرقات وزير التجارة الأسبق في عهد حكومة نوري المالكي عبدالفلاح السوداني بملياري دولار، مَرّت أمامه صفقات الأسلحة الفاسدة بِمئات الملايين من الدولارات في وزارة الدفاع، سرقات وصفقات يشيب لها الولدان في مجال الكهرباء والطاقة، تقدّر بأكثر من ثمانين مليار دولار، استقرّت في بطون الفاسدين والسُرّاق، ومليارات منهوبة من قوت الشعب تحت عناوين البطاقة التموينية التي بالكاد تسدّ رمق الفُقراء والجياع وحكايات أخرى ليست لها نهايات لم تُضحك الشعب.

في مشهد تمثيلي لا تقع أحداثه إلا في العراق، تقوم زوجة هيثم الجبوري أحد المُتهمين بِسَرِقة القرن النائب في البرلمان العراقي ومُستشار رئيس وزراء الحكومة السابق مصطفى الكاظمي بتسليم جُزء من المال المنهوب الذي سرقه زوجها أمام أضواء الكاميرات وعيون الفضائيات في صفقة لإطلاق سراح زوجها في بلد يعيش وضعا غير طبيعي ومُشوها، ولو كان عكس ذلك لَتم زَجّ هذه الزوجة مع زوجها في الزنزانة بِتُهمة التواطؤ أو التستّر أو حتى إخفاء معالم السرقة، فهل هُناك حكاية أكثر سُخرية من تلك؟ديمُقراطية الولايات المتحدة الشوهاء التي ألبست ثوبها للعراقيين بِشعارات النعيم والحُريّة والتحرر من الدكتاتوريّة حين رقص على أنغامها البشر، ودخل معهم أيتام الاحتلال كُلٌ حسب اختصاصه ما بين من يدّعي الدِفاع عن المذهب أو الطائفة والقوميّة، وآخرين يدّعون الوطنية والنزاهة عندما صَدّعوا رؤوسنا بِشعارات السيادة وكرامة الوطن.

ظَل العراقيون يتنقلون من ديمُقراطية إلى أخرى وهم غارقون في مَتاعَها، كانت أولى هذه الديمُقراطيات تلك الطائفيّة المقيتة، ثم ديمُقراطية السيارات المُفخخة والعبوات اللاصقة واغتيالات الشوارع، وآخرها الفساد المُشرعن الذي أصبح ثقافة تستحق التدريس في كُليات وجامعات العراق بِفنونه وطرق العمل به، إلى أن حَوّلوا العراق اليوم مُدنا تعجّ بالمُتسولين والجياع وأرضا يكثر بها الجهل والفساد والمرض.كانت ضحكاتنا تتعالى ونحن نراهم يسرِدون ويتصارخون ويُطالبون بالقصاص ممن اشترك في ما أسموه سَرِقة القرن، بينما لا تستحي أو تخجل ضمائرهم من سرقات البلد الملياريّة المنهوبة التي استقرّت في جيوب السُرّاق واللصوص وقُطّاع الطُرق.

طَوال عقدين من تأجير البلد لِحفنة من الأوغاد استباحوا حتى الكرامة والشرف والسيادة لبلد كان مثلا في التاريخ والحضارة.حقا لقد كان كُل ما في الأرض والسماء وأعماق المُحيطات هو للوطن، وأصبح الوطن يملكه بِضعة من اللصوص كما يقول الكاتب السوري محمد الماغوط.يا سادة أضحكتنا حكايتكم أخيرا حين سَمِعنا نُكتة سَرِقة القرن ليس لأنها نُكتة مُضحكة، بل لأنها سُخرية من سُخريات القدر التي جعلتنا صامتين طوال عقدين كانت تَمر من أمام أعيننا الكثير من السرقات بِصمت أهل القبور، وفجأة ظهرت لنا نُكتة السرقة الجديدة وكأننا كُنّا غافلين عن سرقاتهم السابقة، ما أحلى ضحكات الشعب حين يضحك على زمانه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *