سجون ورشاوى للتعجيل بالإعدام!

سجون ورشاوى للتعجيل بالإعدام!
آخر تحديث:

بقلم:جاسم الشمري

صارت السجون في العراق من الأزمات المقلقة للجميع: الحكومة، والعائلة، والنزلاء، وحتّى للمنظّمات الحقوقيّة المحلّيّة والدوليّة، وكلّ ذلك بسبب فوضى الإدارة، وغياب مفاهيم حقوق الإنسان، والرحمة، والعدالة، وانكشاف أمر هذه التجاوزات لكلّ العراقيّين والعالم.

سجون العراق اليوم ليست مكاناً لتأهيل السجناء، ولقضاء أحكامهم القضائيّة، بل هي مغارات مليئة بالقتل والرعب والخوف والظلم والتضييع والاعتداء على كرامة الإنسان وحرّيّته!

وأصبحت تلك السجون عبارة عن بورصات تجاريّة تتاجر بها عصابات (السمسرة بحرّيّات الناس، والتلاعب بنوعيّة التُهم الموجّهة للأبرياء)!

وأيضاً بورصات للمنافسة على مناصب إدارة السجون، وفرصة ذهبيّة لتحصيل الأموال الطائلة مقابل الكفّ عن تعذيب السجناء، و(تجارة) نادرة للحصول على مناقصات التموين الغذائيّ للسجناء!

معلوم أنّ السجين، وبعد قرار الحُكم القضائيّ، يدخل ضمن نطاق مسؤوليّة وزارة العدل، ولا يمكن تَعذيبه، ويتمّ العناية به في الجوانب الحياتيّة والصحّيّة والنفسيّة والعقليّة لحين إتمام محكوميّته!

وقد راجعت الموقع الرسميّ لوزارة العدل العراقيّة، التي يقع على كاهلها تنظيم شؤون سجون البلاد، ووجدت من بين دوائرها دائرة الأصلاح (هكذا كُتبت، وليس الإصلاح)، ومن مهامها:

– تقويم النزلاء وتأهيلهم سلوكيّاً ومهنيّاً ودراسة أحوال أسرهم وتقديم المساعدة لهم.

– التنسيق مع الجهات المختصّة لتوفير الرعايّة الصحّيّة والثقافيّة والتعليميّة والمهنيّة للنزلاء.

– إعداد النزلاء لأعمال ومهن تتناسب وقابلياتهم وفتح دورات تدريبيّة لهم.

وهذه مهام وأهداف لا وجود لها، في الغالب، على أرض الواقع!

وفي يوم 14/ 11/2020 نَقلت قناة الحرّة الأمريكيّة عن مصادر عراقيّة قولها إنّ “المليشيات المسلّحة استغلّت بالتعاون مع بعض قوّات الأمن قانون مكافحة الإرهاب، وتحديداً المادّة الرابعة منه، لإلصاق تُهم بصحفيّين وناشطين كونهم معارضين لها”، فضلاً عن “الاستفادة من اكتظاظ السجون لإبرام عقود وصفقات غير قانونيّة”!

وهنا نقول: إن كان هذا حال التعامل (الأسود) مع الصحفيّين والناشطين، وهم التابعون لوكالات ومواقع صحفيّة وإعلاميّة وشعبيّة يمكن أن تُطالب بهم، فكيف تتلاعب تلك المليشيات الفاعلة في مصائر عموم المواطنين؟

التجارب الإنسانيّة، تؤكّد أنّه ليس كلّ سجين يُعدّ مجرماً، وإرهابيّاً، لأنّ الإنسان، ربّما، يُدافع في بعض المواقف عن مبادئه وقيّمه ومثله العليا، وربّما هو مظلوم أصلاً، ومع غياب العدالة يجد نفسه خلف القضبان!

ومن أكثر صور الظلم هو غياب العدالة، وتمييع دور القضاء في المجتمع، وقد وقعت آلاف القضايا في العراق ضمن هذا الباب الواسع، الذي ظاهره العدالة، وباطنه الظلم والجور والافتراء!

وفي يوم 16/ تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أعلنت السلطات العراقية، بأنّه ” تمّ تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بحقّ (21) مداناً بتهم تتعلّق بالإرهاب في سجن الناصرية المركزيّ”.

وبهذا الخصوص ذكر مركز جنيف الدولي للعدالة أنّ” السلطات العراقيّة تسيء باستمرار استخدام قانون مكافحة الإرهاب، وتُنفّذ عمليّات إعدام متكرّرة دون تقديم أيّ معلومات تؤكّد أنّ المُدانين قد ارتكبوا فعلاً أعمالاً إرهابيّة. وأنّ العراق قد صُنّف في المرتبة الرابعة بين الدول التي تنفّذ أكثر عمليّات الإعدام في العالم، وأنّ القضاء العراقيّ يتّسم بالفساد، وإجراء محاكمات متسرّعة باستخدام أدلة ظرفيّة غير ثابتة، وعدم السماح للمتّهمين بالحصول على دفاعٍ مناسب”!

وهنا يمكننا أن نشير إلى خلو سجون العراق من الظروف الإنسانيّة والصحّيّة واللوجستيّة والنفسيّة الكافية لإبقاء السجناء على قيد الحياة، أو لأن يَفلتوا من دوّامات الأمراض المعديّة، فضلاً عن الأمراض النفسيّة، لدرجة أنّ عائلة أحد السجناء أكّدت أنّ ابنها طالبهم بدفع مبالغ ماليّة لإدارة السجن للتعجيل بإعدامه للخلاص من حالة الموت البطيء في السجن!

ونتيجة للإهمال الحكوميّ صرنا نسمع يوميّاً عن حالات وفاة لسجناء نتيجة الإهمال الطبّيّ، وفي ساعة متأخّرة من يوم الثلاثاء الماضي توفي نزيل محكوم وفق المادّة 4 إرهاب داخل سجن الناصرية، نتيجة لجلطة قلبيّة!

وبعدها بساعات نُشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ مقطعاً مصوّراً لامرأة عراقيّة كبيرة في السنّ اعتقل ابنها ظلماً عبر المُخبر السرّيّ بدعوى كيديّة، ومسجون منذ ستّ سنوات، وهو في حالة خطرة لما يعانيه من ضعف في بصره وإصابته بذبحة صدريّة، وكانت تتوسّل المسؤولين لإنقاذه!

فكم حالة مثل هذه المأساة قلبت حياة العوائل التي اضطرّت لبيع بيوتهم وممتلكاتهم لتخليص أبنائهم من التهم الباطلة؟

البلدان لا تُعمّر بالجور، والظلم مؤذّن بخراب الدول!

فمتى نُخلّص الأبرياء من ظُلمة السجون القاتلة؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *