فليطعموا جياعهم صواريخ

فليطعموا جياعهم صواريخ
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

لم تكن مفاجأة أن يقف حاكم كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، خطيباً في اجتماع حزبي مع آلاف من أعضاء القاعدة الشعبية في الحزب الحاكم، فيدقّ ناقوس الخطر من “مجاعة مميتة” قارنها بمجاعة التسعينيات التي أودت بحياة مئات الآلاف، وفقاً لوكالة الأنباء المركزية الكورية.

ويمكن حصر أسباب أساسية لمجاعة كيم أون، بثلاثة، أولها تكاليف الهوس التسليحي النووي والصاروخي والتقليدي الذي أنهك الخزانة وأقعدها على الحديدة. وثانيها العزلة التي فرضتها على الشعب وعلى الحكومة قبضتُه الحديدية التي فاقت جميع الحدود، والتي أكملت طوْقَها جائحة كورونا. وثالثها عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا.

وكوريا الشمالية ليست الوحيدة في التاريخ الحديث بين الدول التي أوصلها الى مثل هذه المجاعة حكامُها المجانين الذين تسكنهم روح التحدي والمشاكسة والمقاتلة مع العالم الخارجي دون حساب عقلاني لعناصر القوة والضعف في أنظمتهم ولما بين أيدي أعدائهم، وبعد أن يكونوا قد أنفقوا جُلّ أموال الدولة على القنابل والصواريخ والمخابرات، وعلى شراء ولاءات المناصرين في الخارج. ثم بعد أن تتوالى الأزمات الخارجية والداخلية يتزايد خوفهم من مواطنيهم، فيوظفون ما يتبقى من أموال الخزينة على قمع الجماهير المتذمرة من أجل حماية عروشهم من انفجارها، ثم تكون النهاية الطبيعية بعد ذلك، ويسقطون.

وأكبر مثال تاريخي ضخم على ذلك هو سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 بعد كل ما بناه من ترسانات نووية وصاروخية وجاسوسية هائلة في صراعه الدامي مع الغرب، واعداً جماهير شعوبه بقرب انتصاره على الرأسمالية الأمريكية الأوربية، وقيام ديكتاتورية البروتاريا الأممية على أنقاضها.

ولكن أمريكا ودول أوربا الرأسمالية لم تلجأ معه إلى حروب الجيوش والصواريخ العابرة للقارات والسلاح النووي لإسقاطه، بل استخدمت أسلوب الحروب الناعمة الخبيثة طويلة النفس.

وروبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس جون كندي، هو المخترع اللئيم لحرب السباق التسليحي المفرط الذي أغرق الاتحاد السوفيتي في الإنفاق العسكري والأمني والتوسعي، وانتهى بالقضاء عليه. فقد قال في محاضرة ألقاها أمام أساتذة كلية الدفاع الوطني في واشنطن في 14 / 09 / 1961، “علينا أن نرغم الاتحاد السوفيتي على تغيير أولوياته. فالنظام الشيوعي يَعِد جماهيره بمجتمع من الرفاهية ينتفي فيه الفقر، وبمجتمع المساواة الذي ينتفي فيه التمايز الطبقي. ولكي يحقق هذا الهدف يجب عليه أن  يضع التنمية قبل الأمن. وهنا ينبغي علينا أن نرغمه على أن يجعل الأمن أولوية ثم يضع التنمية في الدرجة الثانية. ويجب علينا، من أجل ذلك، أن نشده إلى سباق تسلح يقطع أنفاسه، ويرهن موارده، ويتركه في النهاية ترسانةً نووية دون رغيف خبز أو قطعة لحم”.

وهكذا كان. فقد اضطَر ضيقُ الحال أساتذةَ جامعات وضباطا وأطباء وأدباء ومفكرين كبارا إلى العيش مع عوائلهم وعوائل أخرى في غرفة واحدة، لا في شقة واحدة، في الوقت الذي كانت فيه القيادة تنفق موارد البلاد على التصنيع العسكري، وعلى تمويل الأحزاب الشيوعية في العالم، وعلى شراء صداقات حكومات الدول الفقيرة، مثل كوبا والعراق وسوريا ومصر واليمن، بالمساعدات والهبات التي كانت في أغلبها  أسلحة، سعياً منها إلى أن تثبت لشعبها وللعالم أن الاتحاد السوفيتي قوة عالمية لا تقهر، ولكن مع تشديد الأحزمة على بطون مواطنيها، ثم إجبارهم على تحمُّل صعوبات العيش، والصبر على الشدائد، في انتظار الغد المأمول، مع تفشي الفساد والرشوة والتذمر الصامت، وصولا إلى تصدع أسس تلك الإمبراطورية العالمية الكبيرة، وتفككها، ثم سقوطها في أسابيع.

ويقال إن الصين هي الوحيدة التي استوعبت الدرس، وفهمت أن على الدولة التي تنافس أعداءها بقوة السلاح أن تنافسهم، قبل ذلك، بما توفره لمواطنيها من فرص عمل وإنتاج ونجاح ورخاء. إذ لا يمكن لدولة أن تنتصر في الخارج بشعبٍ منهك معدم مشتت مُحبط وناقم على قيادته في الداخل.

وإذا كان الكوريون الشماليون هم السابقين إلى “المجاعة المميتة” فإن الإيرانيين هم اللاحقون. فإيران اليوم مثَلٌ فاضح على قلة عقل القيادة وقصور نظرها وسقوطها في الفخ الذي نصبه الوزير الأمريكي روبرت مكنمارا لعدوه الاتحاد السوفيتي قبل ستة عقود من الزمان.

فاستنادا إلى تقارير المعاهد الدولية فإن تعاسة الإيرانيين تتضاعف يوما بعد يوم، مع تقييد الحريات، والانهيارات المتلاحقة في العملة، وتزايد العزلة الإقليمية التي تتسبب في ارتفاع معدلات البطالة، فضلا عن الآثار السيئة للعقوبات الدولية المفروضة على النظام.

وتؤكد التقارير الدولية المحايدة، سنوياً، أن إيران تحتل المرتبة الأولى في الفقر وصعوبة الظروف المعيشية بين 19 بلداً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نعم، لقد تمكن النظام الإيراني من بناء ترسانة ضخمة من الصواريخ، ونجح في تهريبها إلى مليشياته في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وغزة، وامتلك أسطولا بحريا ضاربا، وأصبح من أفضل صُناع الطائرات المسيرة، وأنشأ عددا من المليشيات الموالية له في دول خارجية عديدة، ولكن ما جدوى كل ذلك إذا لم يستطع أن يوفر الدواء والغذاء لملايين المرضى والجائعين، والوظائف لملايين العاطلين عن العمل؟.

فقد تجرأ في العام الماضي برويز فتاح، رئيس (مؤسسة المستضعفين) التي تعد أساس إمبراطورية أموال المرشد الإيراني علي خامنئي، فأعلن  أن ” 40 مليون إيراني من مجموع سكان إيران البالغ عددهم 80 مليونا يعيشون تحت خط الفقر”، وفقا لما نقلته عنه وكالة أنباء  فارس الإيرانية.

إذن فليس أمام الرئيس الكوري الشمالي، كيم يونغ أون، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، وزملائهما الرؤساء المشاكسين المجانين سوى أن يطعموا جياعهم صواريخ، مثلما فعل، قبلَهم، حكام كثيرون، فانتهوا على أعواد المشانق، أو في ثلاجات جثث الموتى، أو هاربين من شعوبهم، ملعونين إلى يوم الدين. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *