أب يعرض ابنه للبيع, لا تتعجب, أنها قصة حقيقية, وفي عاصمتنا الحبيبة بغداد وليس في قندهار , وفي عامنا هذا وليس في زمن أبو سفيان أو بني أمية أو المغول, حدثني صديقي وهو مهموم ويائس, قال لي: تعلم أنني لم أحقق حلمي باني يولد لي طفل, لان زوجتي عاقر ولا فرصة للإنجاب, لكن أحبها فلم أفكر في الزواج بامرأة أخرى, لكن قبل أيام جاءني ابن عمي يبشرني بحل مشكلتي, قلت له كيف اخبرني؟ فقال: هنالك رجل أرمل لديه أطفال كثيرون, ويريد أن يبيع ابنه الصغير وعمره عام واحد فقط, ويطالب بمبلغ قدره اثنتا عشر مليون دينار, فقلت: عجيب هل يعقل هذا! أن يوجد أب هكذا يفكر ويقرر, لكن في الأخير قبلت بالأمر لأكسب به اجر, ولأجل مشكلتي وتحقق حلمي.
وأكمل صديقي سرده للحدث الغريب, وقال: وذهبنا أنا وابن عمي للرجل, وجلسنا نتفاوض معه, والحقيقة هو يطلب اثنا عشر مليون فعرضت عليه ثمانية مليون دينار, وهي كل ما املك, فرفض بداعي انه قد تم عرض عليه مبلغ اكبر, فخرجت حزينا مكتئبا عن جدلية العطاء والحظ والقيم.
الكثير من القصص الغريبة تحدث هنا في العراق, من امرأة تحرق طفلة بعمر سنتين, الى ذلك الشاب الذي يغتصب فتاة بعمر خمس سنوات, الى أطفال تدفعهم العصابات الإرهابية ليفجرون أنفسهم في الأسواق, بعنوان الجهاد, فأننا في واقع تنتهك فيه الطفولة يوميا تحت عديد العنوانين, من دون أي همة لإيقاف هذا الانحراف في الدولة, من عملية السكوت عن اضطهاد الطفولة. ● طفولة تضيع بسبب القانون المغيب
حصول هذه الانكسارات الاجتماعية سببها غياب القانون, وضحيتها الأطفال, حال يدركها العراقيون جيدا, ليس في الأمر سر, بل واقع مؤلم نعيشه, تسبب بضياع حقوق فئات واسعة من المجتمع فقط, لأنها لا تملك القوة على استعادة حقوقها, فان تفعيل القانون يجعل المجتمع تنتظم حياته, المجتمع يعيش حالة غريبة من الضياع, فلا يوجد تمثيل للقانون في الأرض, من النادر أن نشاهد دورية شرطة في الأزقة, ومراكز الشرطة بعضها تحولت لدكاكين وليس مكان لحل المشاكل.
وهكذا تباع الأطفال بل الأدهى أن تباع أعضائهم سد للفقر والحاجة, حتى عمليات عصابات الخطف تتوجه نحو الأطفال, فيخطفون ليباعوا في بلدان الجوار, في ظل صمت حكومي وشلل عجيب, وهكذا تضيع الحقوق يوميا.
أتذكر كلام صديقي محسن عن تلك القصة التي حدثت في منطقة الحميدية قبل أعوام حيث قال لي: خرج صباحا طفل بعمر تسع سنوات لتبديل قنينة الغاز يدحرجها في الطريق نحو محطة الغاز, وفي الطريق اعترضه شاب عاطل ومجرم, فقام بقتل الطفل واخذ قنينة الغاز كي يبيعها بخمسين ألف دينار, ويكمل صديقي محسن بقوله: ( لو كانت هناك دوريات شرطة لما تجرا احد على فعل جريمة في وضح النهار, وهكذا يكون ضحية ضعف القانون طفل بريء).
أنها عمليات انتهاك يومي لعالم الطفولة, ومن دون أي رادع, مما جعل الأمور تتفاقم.ويضيف الأستاذ ناجي الربيعي : ما يحصل كله بسبب غياب القانون عن ارض الواقع, فلو كان قانون العقوبات مفعل بحذافيره, لما تجرأ هذا الشخص وجاهر برغبته ببيع ابنه كي يحسن حاله, نحتاج اليوم لدعوات متكررة وضاغطة على السلطة التنفيذية من اجل آليات حقيقية, لتفعيل قانون العقوبات الذي لو نفذ فان نقلة عظيمة تتحقق, في مجال حفظ الحقوق وحماية الأطفال. ●الفقر هو السبب
لو نعود لجذور اغلب مشاكل مجتمعنا نجدها تنتج من الفقر, فالحاجة وذل العسر يدفع الإنسان للتفكير بأي وسيلة متاحة كي يسد حاجته, فقط قد تمنعه منظومته العقائدية, لكن مع استمرار تعسر الحال فان الإنسان يبدأ فيفقد ثوابته ليتحول الى موجود هائم يبحث عن أي حل لمشكلته, وضحية هذا الحال هم الأطفال, فيتم سحقهم كنتيجة طبيعية لوضع غير طبيعي أنتجه الفقر والفوضى وغياب القانون.
يقول الأستاذ علاء الموسوي: أن هذا الفعل عندما قام بمحاولة بيع ابنه, يقوم بإعلان فشل منظومتنا التربوية والدينية, ويزيل الغطاء عن مستنقع ضحل يغرق به الأغلبية, فان فعله يدل عن انغلاق الطرق أمامه, وغياب أي دور للمجتمع في مساعدته بدل لجوئه الى فكرة بيع ابنه, انه الفقر والحاجة فقط هو من يدمر القيم ويقلب الموازين ويتحول الإنسان السوي الى مجرم أو مجنون, وكما قال الإمام علي عليه السلام : ( لو كان الفقر رجلا لقتلته), للتدليل على مدخلية الفقر في اغلب انحرافات المجتمع, ومتى ما أصلحت الدولة الحال وعالجت مشكلة البطالة والسكن والرواتب, عندها لن نسمع بمثل هذه الإخبار المحزنة.
ويضيف الأستاذ ماجد عبد : الفقر هو من يدفع الناس لتصرفات غير سوية, فبعضهم يصبح مجرم أو لص أو إرهابي, هذا الرجل كان اقل شرا فقط قرر بيع ابنه الصغير كي يربي أبنائه الباقين ويضمن حياة جيدة لابنه الصغير, هكذا فكر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, مشكلتنا تفاقمت لان الحكومات المتعاقبة من الجعفري الى المالكي وأخير ألعبادي لم تضع في أولوياتها محاربة الفقر, فكان فشلا ذريعاً لها, لان الأهم لكل حكومة هو محاربة الفقر, فكيف بمن يتخلى عن الأهم, اغلب مشاكلنا الاجتماعية والنفسية وحتى السياسية نابعة من الفقر, فعلى الساسة وضع خطة وطنية كبرى للقضاء على الفقر. ●هشاشة الدور التربوي للمؤسساتالنظام التربوي الرصين هو من يحمي الأطفال من الضياع, وهنالك أنظمة رصينة متبعة في عشرات البلدان, وتسهم هذه الأنظمة في حفظ كرامة وحقوق الأطفال, إما نظامنا التربوي فانه فاشل بامتياز, بل تحول الى نظام للهدم وليس للبناء, مدارسنااليوم بحاجة لجملة من الإصلاحات كي تكون لصالح الطفل وليس مكان لتدمير ذات الطفل, ولو كان لنا منظومة للتربية لصلح المجتمع ولارتفع وعيه ولما حصلت قضية بيع الأطفال, بل كان من الممكن إن نجد تظاهرات وصخب جماهيري ضد هكذا فعل.بل ليس سيئا أن نأخذ من التجربة الغربية, حيث تقوم السلطات بسحب الأطفال من أهلهم إذا استخدموا العنف معهم, الى أن يصلح حال الإباء,عندها يستعيدون أبنائهم وبهذا يتم حماية الأطفال حتى من خطر الإباء, فتصور معي مع شخص يفكر ببيع ابنه فان الأجدى سحب الأطفال منه ومعاقبته لمخالفة القانون, عندها لن يفكر شخص أخر ببيع ابنه.يقول الأستاذ عبدالله حسين: هنالك انتكاسة قيمية في مجتمعنا وسببها ضعف دور المنابر والمدارس والجامعات, فالمؤسسات التعليمية والجوامع والإعلام من أهدافه إعطاء قيم ورفع الوعي, والدعوة لتطبيق القانون واحترام الطفل والمرأة, والاهم احترام الإنسان , وكل هذا يغيب ألان بفعل تخلي هذه الكيانات عن دورها عبر أساليبها البليدة التي لا تنفع ألان, وقضية بيع الطفل احد إفرازات الانتكاسة الاجتماعية, نتمنى إن تتحرك الدولة باتجاه إصلاح المنظومة التربوية. ● دعوة السلطة التنفيذيةنعلم جيدا حجم التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة, من قبيل حرب الإرهاب والأزمة الاقتصادية, فلا نطالب بإصلاح النظام التربوي ألان, ولا نريد بنايات مدرسية كبيرة, ولا ندعو لرواتب كبيرة للفقراء ألان, مع أن هذه حقوق بعنق الساسة, فقط نطالبهم في تفعيل قانون العقوبات, حيث من خلاله سينصلح حال كل شيء لو طبق كله من دون استثناءات, فهي دعوة صريحة لان ينظم القانون حياتنا عبر همة السلطة التنفيذية, فهل من مجيب؟