قمة بايدن – الخليج.. دوافع المصالح قبل المبادئ

قمة بايدن – الخليج.. دوافع المصالح قبل المبادئ
آخر تحديث:

بقلم: د. ماجد السامرائي

يبدو أن قول السياسي البريطاني المشهور ونستون تشرشل “لا توجد في السياسة صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة” ينطبق على الحالة الراهنة للرئيس الأميركي جو بايدن في قراره زيارة السعودية منتصف يوليو المقبل في تغيير مفاجئ لمواقفه السلبية المتطرفة ضد المملكة، بعد دخوله البيت الأبيض في العشرين من يناير 2021، وكأنه كان مُحمّلاً بتلك السلبية السوداوية الغريبة على عهود الرؤساء الأميركيين، حيث وصف الرياض بعد شهور قليلة بـ”المنبوذة”، معلناً مقاطعته لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.لعل القول البريطاني لا يبرر مواقف بايدن قبل قراره الأخير هذا، وهو ذو الخبرة الطويلة في السياسة والعلاقات الأميركية بالشرق الأوسط، فهو في مواقفه الشاذة تلك قد طعن في الصميم العلاقات التاريخية الأميركية – السعودية الطويلة، وجلب الضرر على واشنطن قبل الرياض التي ناورت في ظل السياسات الجديدة للأمير الشاب محمد بن سلمان ببناء علاقات سعودية دولية بديلة مع كل من روسيا والصين قد تتوسع ضماناً للمصالح.

هناك من يقول، وبينهم سياسيون عرب، إن قادة وأعضاء الحزب الديمقراطي يضعون معايير حقوق الإنسان في مقدمة اعتباراتهم، وإداراتهم دائماً ما تخضع للوبيّات المجتمع السياسي واتجاهات الرأي العام الصحافي والإعلامي الأميركي. تلك خرافة سياسية أثبتت الوقائع التاريخية عدم صحتها.الشاهد التاريخي الأول هو الانتهاكات الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني من قبل المحتل الإسرائيلي في طرده من أرضه وقتل شبابه. لم تتبدّل مواقف جميع الإدارات الأميركية، ديمقراطية أو جمهورية، في التبرير والتغطية وتشجيع الاحتلال على مواصلة تلك السياسات.واشنطن تريد من السعودية رفع إنتاجها من النفط خارج سياق أوبك، هذا المطلب قد يكون صعباً، ولا يمكن مناقشته إيجابياً دون تقديم ثمن غال

العراق شاهد آخر على أكذوبة الديمقراطيين، خاصة الادعاء بأنهم دعاة حقوق الإنسان. حرب ثعلب الصحراء عام 1998 في مسلسل القصف الوحشي لمنشآت العراق المدنية إلى جانب تنفيذ أبشع حصار شهدته البشرية تحت إدارة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون دليل على ذلك، لتتواصل انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع من قبل الميليشيات الإيرانية داخل العراق تحت أعين إدارة الرئيس أوباما. وأخيراً كان تضامن الرئيس جو بايدن الخفي مع قتلة شباب ثورة أكتوبر وعدم استخدامه السيف مزدوج التوظيف، حقوق الإنسان.

ماذا فعل الرئيس الديمقراطي باراك أوباما لحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط؟ نتائج كارثية إثر مساندته لما سمي بثورة الربيع العربي عام 2011 في ليبيا ومصر واليمن وما خلفته من فوضى وخراب وهيمنة لقوى التطرّف الديني في تلك البلدان، وانكشاف أكذوبة دعواته لحماية حقوق الإنسان السوري وتخليصه العاجل على طريقة العراق من نظام بشار الأسد بعد مجزرة الكيمياوي عام 2013 وما سماه الخط الأحمر الذي تحوّل إلى خط أخضر.

استخدم بايدن ازدواجية معايير الديمقراطيين ذاتها تجاه السعودية في موضوع مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ليتغاضى عنها اليوم لأنه وقع في مأزق أميركي داخلي كبير يعتقد أنه قد يمنعه من إكمال مدته الرئاسية فقرر زيارة السعودية لعلها تدعمه.خير من عبّر عن حالة بايدن السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير تركي الفيصل في مقال له قبل أيام في صحيفة عرب نيوز تحت عنوان “من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة”، قائلاً “إن الشعبية المتدهورة للرئيس بايدن هي التي تدفعه إلينا، ويأمل أن يعزز شرعيته من خلال لقائه ولي عهدنا”.

دوافع زيارة جو بايدن المرتقبة إلى الرياض ومبرراتها وأسبابها واضحة ومتعلقة بتداعيات حرب أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطاقة وتأثيرها الحاد على الاقتصاد الأميركي.لكن، هل جاءت فكرة عقد قمة خليجية بحضوره وحضور العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري ورئيس الوزراء العراقي كالتفاتة دبلوماسية سعودية وغطاء لتخفيف الإحراج المباشر عن بايدن، أم أنها تشكل حاجة جدّية تتعلق بتداعيات الأمن القومي العربي بعد الانسحاب الواضح للولايات المتحدة من المنطقة وتركها إيران تملأ الفراغ وهي تقترب من إنتاج القنبلة النووية؟

الرياض في ترتيبها لهذه القمة تتصرف بعقل سياسي فيه قدر عال من النضج وحسابات المستقبل المضطرب القريب ووضع واشنطن أمام مسؤولياتها تجاه حلفائها وأصدقائها ومصالحها الحيوية أيضاً. لا شك أن هناك مسؤوليات متقابلة ما بين الأميركيين والعرب في مرحلة انتقال مفصلية خطيرة إذا ما امتلكت طهران سلاحها النووي إضافة إلى الصواريخ الباليستية التي تهدد بها الجميع، حيث لم تتخذ إدارة بايدن إلى حد اللحظة خطوات رادعة تجاه النظام الإيراني، فيما تتصرف إسرائيل بما تمليه عليها ضرورات أمنها الوجودي.

هذه فرصة وجدتها القيادة السعودية جوهرية لوضع الأمور على الطاولة دون شعارات وعنتريات إعلامية. العرب في الخليج، في مقدمتهم السعودية، أخذوا يتصرفون وفق مصالح شعوبهم وأمن بلدانهم الاستراتيجي. هذا ما لاحظناه في عدم الانصياع للرغبات الأميركية، متى تشاء ومثلما تشتهي، في إملاء ما تريده على بلدان الخليج لدرجة تعريض أمن شعوبها للمخاطر في موضوع الطاقة في ظرف حرب أوكرانيا الحالي، فاستخدام الطاقة لخدمة المصالح أمر ليس عدوانياً ضد أحد.

تؤرخ سجلات وزارة الخارجية الأميركية واقعة بطلها مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق هنري كيسنجر خلال أيام حرب أكتوبر 1973 في اجتماعه مع القادة السياسيين والعسكريين والدبلوماسيين بالبيت الأبيض، بعد ستة أسابيع من إعلان السعودية في عهد الراحل الملك فيصل حظرا على تصدير النفط، القرار الذي رأى فيه كيسنجر ابتزازا سعوديا للولايات المتحدة وأوروبا، وصاح غاضبا “من السخافة أن يظل العالم المتحضر رهينة بين أيدي 8 ملايين من الهمج”.ليس هنا مجال الحكم على نجاح الحظر النفطي العربي في تلك الحرب أو فشله، لكن الأساس كيف يمكن استغلال الطاقة لأهداف مصالح الشعوب في المنطقة.

هواجس العرب الأمنية مشروعة. وإلى جانب الدول العربية هناك إسرائيل التي تضع الهاجس الأمني في قمة اهتمامها لمواجهة المخاطر الإيرانية. لذلك، حين تستجيب واشنطن فالدافع الأول هو أمن إسرائيل.أليست الفرصة العربية ذهبية لحوار عربي – أميركي جاد؟ نعم هي كذلك. وهذا متوقع حصوله في القمة الأميركية – العربية.لننظر إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كيف يستثمر ملف تمرير إدخال فنلندا والسويد إلى الناتو، يحاول مقايضة موافقته في تصفية خصومه في السويد خاصة. وقد ينجح في ذلك.ما تمّ تسريبه من واشنطن حول بنود القمة المتوقعة في الرياض يتضمن إضافة إلى ملف الطاقة، المخاطر الإيرانية ومنعها من امتلاك السلاح النووي، وملفي تغيّر المناخ والإرهاب، وهما ملفّان يعجبان الوفد العراقي دون غيرهما عند حضور رئيس وزراء مؤقت يواجه حملة من الأحزاب الولائية ضد هذا الحضور لأنه يزعج طهران.

واشنطن تريد من السعودية رفع إنتاجها من النفط خارج سياق أوبك، هذا المطلب قد يكون صعباً، ولا يمكن مناقشته إيجابياً دون تقديم ثمن غال.ملف مخاطر نووي طهران هو العصب الرئيس في هواجس بلدان المنطقة. رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت صرّح بأنهم سيساعدون على دمج إسرائيل بالمنطقة، ووزير دفاعه بيني غانتس طالب ليس فقط بالتعاون، بل حشد قوة إقليمية بقيادة أميركية بما يعزز قوة جميع الأطراف المعنية.رغم أن الحضور العراقي في المؤتمر سيكون هامشياً وليس فاعلاً إلا أنه سَيُحرِجُ رئيس الوفد مصطفى الكاظمي في بند مواجهة مخاطر إيران على المنطقة ومن ضمنها العراق. البند واضح لا مجال لتمييعه حتى وإن استمع إلى نصائح طهران خلال زيارته الخاطفة التي قام بها يوم الأحد الماضي بعد زيارة قام بها إلى الرياض.

سيظل الكاظمي صامتاً وحائراً أمام ضغوط الداخل العراقي في محاصرة الأحزاب الشيعية التي تقف عائقاً أمام أي انفتاح عراقي على محيطه العربي في فترة حرجة يطمع من خلالها في تمديد ولايته لأشهر معدودة. وهناك حملات داخل البرلمان العراقي تطالب بمنعه من المصادقة على أية قرارات أو بيانات رسمية معارضة لإيران ومصالحها في العراق.لدى العرب فرصة تاريخية في المكاشفة للدفاع عن مصالح شعوبهم، فقد جاءهم صاحب الشأن إلى ديارهم محتاجاً عونهم، فهل يقدمون العون مجاناً في زمن المصالح؟واشنطن قدمت لأوكرانيا خلال الشهور الثلاثة الماضية 41 مليار دولار تعويضات عن أضرار الحرب الراهنة، ماذا قدمت لأهل المنطقة كتعويض عن ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الاستهلاكية؟ لا شيء.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *