مقتدى شهيداً أم ولائيا كما كان؟

مقتدى شهيداً أم ولائيا كما كان؟
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

حين جنحت إيران إلى التهدئة في المنطقة، وفي العراق تحديداً، طيلة الأشهر العشرة الماضية، كانت لا تريد تعكير أجواء المفاوضات النووية الشاقة الشائكة، في انتظار ما ستسفر عنه قبل أن تقرر ما تراه مناسبا.والمتوقع أنها ستَخرج منها منتصرة ومتحررة من العقوبات، ومُجبِرةً أميركا وأوروبا وإسرائيل على الانصياع لشروطها، وغض أبصارها عن كل الصواريخ والمسيَّرات والميليشيات، وعدم التدخل في نشاطاتها الأخرى في المنطقة.ولأن العراق، في حسابات إيران الإستراتيجية الوجودية، أهم من لبنان وسوريا واليمن وغزة وأيّ موقع آخر، ولأن خروجَه عن طاعتها سوف يغري مستعمراتٍ أخرى على التمرد، فلن تسكت أكثر من ذلك على من أضرَّ بنفوذها، وأيقظ النقمة الشعبية عليها وعلى وكلائها، خصوصا في المحافظات الشيعية التي تريدها خالصة الولاء لمرجعيتها، وحاضنة ثابتة لاحتلالها.

وعليه فإن عودتها المتوقعة إلى تشغيل قبضتها الحديدية الحازمة الحاسمة في العراق، من جديد، بعد أن تحرّرت من مراعاة ما يسمى بالمجتمع الدولي، سيكون مقتدى الصدر أول أهدافها، وسوف تضعه أمام خيارين، إما أن يستمر في الفوضى التي قد تغري دولا معاديةً باستغلالها، أو أن يعود إلى قواعده السابقة، سالما، في بيت الطاعة الشيعي الإيراني، كما كان.فإن كان مقتدى صادقا في توبته، وعازما على التكفير عن ذنوبه المصلحية السابقة في عهود الحكومات المتعاقبة التي أنجبها نظام المحاصصة، وعن جرائم القتل والاعتداء التي اقترفها أتباعه ذوو القبعات الزرق ضد التشرينيين، فعليه أن يعيد حساباته، على الفور، وأن يُجهّز نفسه لدخول معركة الحياة أو الموت الواقعة، لا محالة، مع الفصائل المسلحة، وربما مع الحرس الثوري إذا اقتضت الحاجة.

إذا كانت كل هذه الصفحات السوداء من هذا التاريخ غائبة عن مقتدى فتلك مصيبة، وإن كانت حاضرة ولكنه يتجاهلها فالمصيبة أعظم، كما يقولون وأول وأهم ما ينبغي عليه فعله هو تحصين نفسه بالدرع الشعبي الثوري المنيع الذي لا يستطيع إلا به أن يقارع إيران وجبروتها، والذي لن يتمكن إلا به من إجبارها على الرحيل، أو على احترم إرادة الجماهير، في أقل تقدير، مهما كلّف ذلك من دم ودموع.

ولكي يتحقق له ذلك عليه أن يكسب ثقة التشرينيين والعشائر العربية والكردية ومنظمات المجتمع المدني وباقي الشرائح الوطنية الشعبية، بدعوة هؤلاء أجمعين إلى تشكيل قيادة جماعية شعبية موحدة للانتفاضة لا يكون هو فيها الوليَّ الفقيه والقائدَ بالضرورة الذي يأمر، وحده، ويطاع، بل أحدَ أعضاء لجنتها العليا التي تتولى إعداد مشروعها الثوري الواقعي المفصل والعملي الذي يعبّر عن طموح الملايين العراقية المقهورة والجاهزة للمواجهة، لجعل العامل الدولي يرى فيها ثورة مجتمع، بكامله، ضد الاحتلال الأجنبي، ولا تبقى خصومة شخصية سياسية بين فريقين.

أما إذا أصر على البقاء مرتديا ثياب الولي الفقيه العراقي، والقائد الأوحد الذي يظن أن قصقوصةً من قصاقيصه كافية لسوْق أربعين مليونا من العراقيين وراءه، فسوف يظل، كما هو اليوم، لا ناصر ولا ظهير ولا معين.وعندها لن يكون صعبا على إيران المتمرسة في فنون الاغتيال أن تجد وسيلة لقتله، ثم تمشي في جنازته، أو تعيده إلى بيت طاعتها، معززا مكرما، كما كان.ولأن عينها على أربيل، ويهمها بسطُ وصايتها عليها ومنعُها من مد جذورها إلى الخارج فسوف تصب جهودها على ضرورة إعادتها إلى الصراط الإيراني المستقيم، لمعاقبتها، ولإطباق العزلة على مقتدى وعلى التيار.

والمتوقع أن يكون مسعود بارزاني أول من يفك ارتباطه بمقتدى، ويعود إلى حلفائه القدامى الولائيين، ليُجنّب أسرته الحاكمة مخاطر المواجهة مع إيران الغاضبة عليه، خصوصا وأن تاريخه مليءٌ بالتحولات والانقلابات، وفق الحاجة، وتعبا للظروف.إنه، ولا شك، أكبر أخطاء مقتدى. فالتحالف معه لم يزد الجماهير العراقية الناقمة على الفساد والمفسدين إلا نفورا، وإيران إلا بغضا وتصميما على الانتقام. خصوصا وأنه حاملٌ على ظهره تاريخَه السياسي والشخصي والقبلي المتخم بالانتهازية والمصلحية والتعالي على الآخرين، وبالطموح الانفصالي المعلن الصريح، وفساد أسرته، وعلاقاته المشبوهة مع القوى الخارجية التي تناصب العراق العداء.

إن كان مقتدى صادقا في توبته.. فعليه أن يعيد حساباته، على الفور، وأن يُجهّز نفسه لدخول معركة الحياة أو الموت الواقعة، لا محالة، مع الفصائل المسلحة، وربما مع الحرس الثوري إذا اقتضت الحاجة ولنعد قليلا إلى صفحات التاريخ القريب. فمنذ المؤتمر الأول الذي عقدته المعارضة العراقية في بيروت في نيسان – أبريل 1991 ومسعود يعامل حلفاءه الإسلاميين بالابتزاز والانتهازية والاستغلال.

ثم حين وقعت انتفاضة العام 1991 وتحققت فيها للشعب الكردي مكاسب عديدة، في مقدمتها الاستقلال النسبي عن سلطات بغداد، وتدفق المساعدات الدولية، واقتطاع جزء مناسب من واردات العراق من برنامج النفط مقابل الغذاء للمدن الكردية، بإرادة دولية وأميركية قاهرة، فجر ذلك الصراع الدامي مع الاتحاد الوطني الكردستاني على القيادة.وحين بلغ القتال بينهما ذروته واحتل الطالبانيون أجزاء من أربيل طلب من صدام حسين النجدة، فنَجَده وأنقذه من هزيمة مؤكدة، ولكنه عاد، بعد ذلك، وانقلب عليه.

وفي مؤتمر فيينا 1992، وفي جميع المؤتمرات اللاحقة التي تلته، كان مسعود وظل يتعامل مع رفاقه قادة المعارضة الإسلاميين والأكراد بنفس الفوقية والتعالي والغرور، محاولا فرض مطالبه وقراراته وآرائه على الآخرين بقوة العضلات، ناصبا نفسه زعيما أوحد على الجميع.وها هو اليوم، كما نرى، جاعلا من جمهوريته البارزانية المستقلة مثالا لفساد الذمة والاستغلال والظلم والدكتاتورية، بشهادة منظمات سياسية وحقوقية وثقافية وإعلامية كردية من داخل الإقليم.

ثم جاء الحاكم المدني الأميركي بول بريمر فسلّم نصف الجمل بما حمل لأحزاب إيران وميليشياتها، ونصفه الآخر لمسعود وشركائه في الجبهة الكردستانية التي غدر بقادتها وتفرد بالسلطة، وأطلق أيدي أولاده وإخوته وأقاربه في البلاد وفي العباد.والمثبت في محاضر مجلس الحكم أنه كان أشدّ المُصرّين على حل الجيش العراقي، زاعما بأنه جيش صدام حسين، وأول المطالبين بتأسيس جيش جديد يرشح هو ورفاقه في المحاصصة جنوده وضباطه، وهكذا كان.فإذا كانت كل هذه الصفحات السوداء من هذا التاريخ غائبة عن مقتدى فتلك مصيبة، وإن كانت حاضرة ولكنه يتجاهلها فالمصيبة أعظم، كما يقولون.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *