أما وقد ركبك الفزع وأنت تحت الحجر الصحي، فمن المحتمل أنك ستجد صعوبة في التخلص من تداعي الأفكار في ذهنك. تتمثل إحدى الستراتيجيات عالية الخطورة (ليست لذوي المزاج العصبي) في الغوص بشكل مباشر في بعض أدبيات أشد الطواعين ترويعاً، من سوفوكليس إلى ألبير كامو، لوضع الأمور في نصابها.
هناك بعض العزاء في وحدة التجربة الإنسانية على مر القرون. المواضيع الكبيرة (الجهل المرعب، عدم حصانة الأطباء، وبزوغ الانتهازيين الأنانيين) تتكرر عبر القرون. هل تشعر بالذنب بخصوص إدمانك الوسواسيّ على متابعة الرسوم البيانية اليومية للعدوى والوفيات؟ حسنًا، الكتّاب الإنكليز، صموئيل بيبس ودانييل ديفو، يشتركون في نفس الفتنة.
إذا كنت تشعر بالاكتئاب أشدّ من أي وقت مضى، فتذكّر ملاحظة جيوفاني بوكاتشيو المرحة من القرن الرابع عشر، انه في الأيام التي اجتاح فيها الطاعون “لم يكن الرجل الميّت يُعتبر حينها أكثر من ماعزٍ ميّت”. انظُرْ، لعلك قد بدأت تشعر بالتحسن بالفعل…
ها هنا بعض الكلاسيكيات التي تثير الشعور بالارتياح:
الطاعون، ألبير كامو
الرواية النموذجية التي تتناول كيفية استجابة النفس البشرية في أوقات الطاعون، والحجز، والخوف من الموت. تعكس الشخصيات في قصة كامو الطيف الكُلّي للسلوك الأخلاقي، ابتداء من النهج العِلمي العَمَلي لريو، الطبيب الذي يكافح الطاعون الذي يدمر مدينة وهران الساحلية الجزائرية، إلى كوتار الانتهازي الذي يستمتع بالكارثة الجماعية ولكن ينتهي به المطاف أخيراً إلى الجنون، والأب بانلو، الذي يجد السلوان في مشيئة الله ولكنه يُضحِي مريضاً في نهاية المطاف. تُعتبر (الطاعون) نشيداً للبشرية في أحلك أوقاتها.
مفكّرة عام الطاعون، دانييل ديفو
كان كامو أحد المعجبين بديفو، ويدين كثيراً للقطع الصحفية المُقنِعة التي كتبها هذا الرجل الإنكليزي عن لندن المنكوبة بالطاعون في عام 1665، والتي بدت مثل مستعمرة نمل غاصّة بنقاط الضعف البشريّة تمر تحت عدسة مكبّرة. (كانت مكتوبة على لسان شاهد عيان مُفترَض، لكن ديفو كان في الخامسة من عمره فقط آنذاك). يتأمّل الراوي في كل شيء، بدءاً من الإرادة الإلهية وصعود المحتالين إلى حقوق وخطايا الناس المحجورين في منازلهم. ثمة حكايا حيّة من ضمنها مشهد وحشيّ يشتم فيه سكارى في حانة باي في شارع هاوندتش رجلاً مضطرباً كان قد رأى تواً زوجته وأطفاله يُرمَون في قبر جماعي. ينتهي ديفو بملاحظة قاتمة بأن امتنان الناجين إلى الله سوف يبرهن على أنه لا يعيش طويلاً وبأنهم سيعودون إلى عاداتهم القديمة.
يوميات صموئيل بيبس
على العكس من ديفو، فإن كاتب اليوميات المهذَّب والزاني بيبس كان شاهداً ثقةً على أهوال وباء الطاعون الدُمَّلي عام 1665 الذي أفنى ربع سكان لندن. إنها رؤية مؤثّرة عن تناقص أعداد السكان، الحرائق في الشوارع، وقرع الأجراس الذي لا ينقطع. مردداً لازمته الشهيرة “فليحفظنا الله جميعاً!” كان يفقد معارفه القريبين بما في ذلك خبّازه بسبب الطاعون، ويمضغ التبغ على أمل أن يكون ترياقاً. على الرغم من كونه حذراً للغاية في بعض النواحي، إلا أن بيبس كان أيضاً لعوباً منهمكاً بالملذات وذا ميل للعلاقات خارج إطار الزواج، ما دفعه للمخاطرة بشكل مذهل إلى زيارة عشيقته التي مات خادمها بسبب الطاعون. مهنته تنتقل من نجاح إلى نجاح، وفي النهاية يصف عام 1665 بأنه العام الذي “لم يعش بمرح مثله على الإطلاق”.
الخطيبان، أليساندرو مانزوني
تقدّم رواية (الخطيبان)، المقررة قراءتها على طلاب المدارس الثانوية الإيطالية، سرداً تاريخياً دقيقاً للطاعون الدُّملي الذي أباد ربع سكان ميلانو في 1629-1631. خصوصاً وصف مانزوني المؤثر لسقوط الحشود في ذُهان جماعي والإعدامات العلنية والملاحقات الجائرة لأشخاص اتهموا زوراً بنشر الطاعون عن عمد. إن أوجه الشبه مع الهجمات الأخيرة على المنحدرين من أصول آسيوية واضحة بشكل مؤلم.
الديكاميرون، بوكاتشيو
في مقاربة أخفّ لموضوع الطاعون، يتخيل بوكاتشيو مجموعة من 10 شبان يفرون من الموت الأسود الذي دمّر فلورنسا ويجدون ملاذاً لهم في تلال توسكانا. يقومون بتسلية أنفسهم من خلال رواية حكاية واحدة في اليوم على مدى 10 أيام، فيقدمون 100 قصة تتراوح من المأساوية إلى الساخرة والفاحشة (الديكاميرون تعني “10 أيام” في اللغة اليونانية). إذا لم تتمكن من العثور على نسخة من الكتاب وأنت في محجرك المنعزل، فإن مشاهدة فيلم بيير باولو بازوليني المقتبس من الرواية عام 1971، مع موسيقى المايسترو العجوز إنيو موريكوني، سيكون بديلاً ممتازاً.
الموت في البندقية، توماس مان
كاتب ينمّي في داخله حباً مهووساً من طرف واحد لشاب جميل. وفي أثناء ذلك، سرعان ما تنتشر كوليرا غامضة قادمة من نهر الغانج عبر متاهة قنوات مدينة البندقية. تدور رواية مان عن التجاذب بين ضبط النفس الأبولوني والتحلّل الديونيسي أكثر مما تدور عن الوباء، إلاّ أن قراءتها ملزمة، وسوف تستسلم لكتابة مان الجميلة.
الإنسان الأخير، ماري شيللي
غالباً ما توصف رواية (الإنسان الأخير) لماري شيللي، المعروفة أفضل بعملها (فرانكشتاين)، بأنها رواية نهاية العالم الأولى في الأدب الإنكليزي.
أحداثها تدور في أواخر القرن الحادي والعشرين (كما يصفها شخص يعيش في أوائل القرن التاسع عشر، حيث الإمبراطورية العثمانية لا تزال قوية في تلك الرؤية المستقبلية) عندما ينتشر طاعون مميت ذو طبيعة مجهولة في جميع أنحاء العالم. الكتاب مستلهَم بشدّة من الأحداث المأساوية في حياة شيللي، على سبيل المثال وفاة زوجها وأطفالها، والذي انعكس في النهاية الرهيبة للرواية: البشر يموتون بالملايين، إلى أن يبقى فقط حامل لقب الإنسان الأخير على قيد الحياة.
طاعون أثينا،
ثوسيديديس وسوفوكليس
المؤرخ اليوناني ثوسيديديس يظفر بمكانته في قائمتنا، ليس فقط لكونه شاهد عيان ولكن أيضاً لأنه أحد الناجين من الطاعون الذي مزق أثينا في عام 430 قبل الميلاد. ليس ثمة إجماع حول ماهية المرض الذي كان، لكنه كان خبيثاً: تسبب في عطش غير قابل للإرواء، وحمّى، وتشنجات، وقرحة، وتقيؤ، وفقدان تام للذاكرة.
لقد أوهن أثينا في حربها مع أسبرطة وحصد حياة رجل الدولة العظيم في المدينة، بريكليس.
يدوّن ثوسيديديس بأنه أيضاً أطلق الشرارة التي تسببت في انهيار في القانون والأخلاق، حيث بدّد الناس أموالهم يميناً ويساراً على متع الحياة. في تراجيديته (أوديب ملكاً)، التي قُدِّمت عام 429 قبل الميلاد، يفتتح سوفوكليس العمل في مدينة أسقطها الطاعون. “الإله حامل النار، أكثر الأوبئة بُغضاً، انقضّ على مدينتنا”، كما عبّر الكاتب المسرحي. وذلك قبل أن تنقلب الأمور إلى مأساة حقاً!
نمسيس، فيليب روث
في هذا الكتاب الموجز والقويّ، يحاول مدرس تربية بدنية شاب في مدينة نيوآرك بولاية نيوجيرسي، الحفاظ على رباطة الجأش عندما ينهش شلل الأطفال جماعته. الهلع يدبّ تدريجياً في حي ويكاهيك في خمسينيات القرن الماضي، من دون علاج يلوح في الأفق ولا فهم لكيفية انتشار المرض.
سلالة أندروميدا، مايكل كرشتون
عندما يتحطم قمر صناعي للأبحاث العلمية في ولاية أريزونا، يموت كل إنسان في البلدة المجاورة بسبب داء غامض يجعل من دمهم يتخثر أو يقتلون أنفسهم بطرق غريبة. السباق مستمر بين العلماء في فرقة عمل وايلدفاير لكبح هذا الميكروب الغريب، ولفهم سبب ظهور شخصين مستبعَدين جداً تبدو عليهما المناعة.