مدير وكالة الطاقة الذرية السابق محمد البرادعي في كتابه (سنوات الخداع) أقرَّ بما لا يقبل الشك أن العراق لم يكن يسعى لإعادة إحياء برنامج أسلحته النووية، وأن قرار الحرب اتخذ من قبل بوش الابن وتوني بلير قبل بدء عمليات البحث والتفتيش عن الأسلحة العراقية.لم تكن خدعة وتضليل وكذب غزو العراق واحتلاله عام 2003 كافية لتمرير قرار الذهاب إلى الحرب، وإنما كانت وسيلة لبلوغ هذا الهدف الذي كان وسيبقى وصمة عار تلاحق صناعة إلى حدِّ محاكمتهم وجلبهم للقضاء جرَّاء الجرائم التي رافقت الاحتلال وتداعياته.وربما لا نبالغ بالقول إن جريمة الاحتلال وما سببه من آثار تدميرية للعراقيين هي بالأحوال كافة جريمة مكتملة الأركان تستوجب ملاحقة من ارتكبها جرَّاء تداعياتها المتوالية فصولا منذ 19 عاما وحتى الآن، لا سيما أن من روَّج وبرَّر لها من المقربين لصانع القرار الأميركي تراجعوا وعبَّروا عن ندمهم في دعم قرار الحرب فيما بعد.وما يعزز هذا القول والانطباع شهادة أربع شخصيات، ثلاث منها كان لها علاقة بمجريات التحضير لغزو العراق، والرابعة تميط اللثام عن فضيحة يكشف تفاصيلها ممثل سوريا بالأمم المتحدة بشار الجعفري.
الشهادة الأولى
ما قاله مدير الاستخبارات الأميركية جورج في كتابه (في قلب العاصفة) يعتقد كثير من الأشخاص أن استخدام عبارة (الأمر مؤكد) على اللحظة الحاسمة في جعل الرئيس بوش الابن يعقد العزم على شن حرب العراق، لكن الوقائع تكذب ذلك؛ فليس لتلك الكلمتين والاجتماع الذي عقد في المكتب البيضاوي في كانون الأول ـ ديسمبر 2002 أي علاقة بقرار الرئيس إرسال قوات إلى العراق، فقد كان القرار متخذا من قبل فندها رئيس أكبر جهاز استخباري وأمني في الولايات المتحدة.
الشهادة الثانية
لتأكيد خلو العراق من الأسلحة المحظورة، اعتراف وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول بأن ما عرضه من اتهامات ومعلومات عن شاحنات كانت تحمل أسلحة محظورة خلال اجتماع مجلس الأمن في شباط ـ فبراير 2003 كان مبالغا فيه وغير صحيح، وهو نادم على تلك الرواية.
الشهادة الثالثة
مدير وكالة الطاقة الذرية السابق محمد البرادعي في كتابه (سنوات الخداع) أقرَّ بما لا يقبل الشك أن العراق لم يكن يسعى لإعادة إحياء برنامج أسلحته النووية، وأن قرار الحرب اتخذ من قبل بوش الابن وتوني بلير قبل بدء عمليات البحث والتفتيش عن الأسلحة العراقية.
ويقرب البرادعي صورة ما جرى قبل غزو العراق وتداعياته، والمفارقة التي كانت تحكمه بالقول (شهدنا عدوانا، حيث لم يكن هناك تهديد محدق من العراق، وتكاسلا وترددا، حيث ظهر خطر حقيقي في كوريا الشمالية وجمود طال أمده في حالة إيران).
الشهادة الرابعة
شهادة بشار الجعفري مندوب سوريا الأسبق في الأمم المتحدة تكشف عن اجتماع “شبه سرّي” عقده مجلس الأمن في أواخر عام 2008 وأنهى خلاله عمل لجنة التفتيش الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في العراق (اونيسكوم) ومن دون أن تقدِّم تقريرًا عن عملها، وأن يتم وضع وثائق اللجنة في صناديق حديدية يتم دفنها لمدة 60 عامًا من دون السماح لأحد بفتحها إلا الأمين العام للأمم المتحدة شخصيًّا.وطبقا للجعفري فإن المكان الذي تحفظ فيه هذه الصناديق هي في الشارع 47 وعلى البناية حراس من الـ”سي آي ايه” والـ” ف بي أي” يحرسون هذه الصناديق وسيحرسونها 60 عاما بشرط ألا تفتح؛ لكي لا يعرف الناس حجم الفضائح التي دفنوها في تلك الصناديق.
أربع شهادات تكشف ما خفي من صفحات من احتلال العراق ومزاعم الكذب والتضليل التي ساقتها إدارة بوش الابن لتبرير غزوها للعراق، وتؤكد أن العراق بعد احتلاله عام 2003 جالت في مدنه من أقصاه إلى أقصاه فرق المفتشين والمخابرات الأميركية، التي لم تعثر على تلك الأسلحة المزعومة التي كانت تبحث عنها، وتوهم العالم أن العراق يمتلكها، هذه جرائم لا تسقط بالتقادم.