أرد أبكي بالعباس وألطم بالحسين

أرد أبكي بالعباس وألطم بالحسين
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

الرقم مبالغ فيه. أربعون مليونا شاركوا في إحياء أربعينية الإمام الحسين مشيًا إلى كربلاء. ولكن ثلاثة مليارات دولار أميركي أنفقها العراق من أجل إحياء تلك المناسبة هو رقم واقعي وصحيح ولا مبالغة فيه.لا يعتبر النظام السياسي في العراق زيارة ضريح الإمام الحسين نوعًا من السياحة الدينية، في ما مدينة مشهد الإيرانية تزدهر اقتصاديًا بسبب السياحة الدينية التي عنوانها زيارة ضريح الإمام الرضا، وهو ثامن أئمة الشيعة.الغباء السياسي العراقي المبطن بالسذاجة الشعبية واضح حين تتم المقارنة بين الحالين. لقد سبق لأحد النواب العراقيين أن تساءل عن فداحة الخطأ في إنفاق الثلاثة مليارات على زيارات ينبغي أن تثري اقتصاد البلد، فضُرب بسؤال صاعق: “هل الثلاثة مليارات أهم أم الحسين؟”.

في كل لحظة بكاء مجاني يفقد العراق المليارات مضافة من الدولارات الأميركية يلتهمها وحش الفساد، في أربعينية الحسين كل شيء مجاني. الدخول إلى العراق مجاني. النقل مجاني. في إمكان الزائر أن يأكل في أيّ لحظة طعامًا ساخنًا وبالمجان. هناك أماكن للإيواء يمكن استعمالها من غير مقابل. كما أن مناسبة مليونية مثل تلك يمكن أن تكون فرصة للتسلل إلى العراق والبقاء فيه في انتظار الحصول على الإقامة ومن ثم البطاقة الوطنية التي تمهد للحصول على الجواز العراقي.

رسميًا، سبق لباكستان أن أعلنت عن ضياع خمسين ألفًا من مواطنيها في العراق. ذلك رقم ليس إلا. كم هو عدد الإيرانيين والأفغان والإندونيسيين والفلبينيين واللبنانيين والأذريين الذين يتمتعون بالكرم العراقي؟ عام 1980 كان عدد سكان العراق 13 مليونًا. بعد أقل من نصف قرن صار عدد سكانه 40 مليونًا، أما اليوم فإن الرقم تجاوز الـ45 مليونًا. وكما أتوقع، فإن المقاومة الإسلامية إذا ما استمرت في حكم العراق فإن عدد سكانه سيصل إلى المئة مليون في غضون سنوات قليلة.

والعراق ليس دولة لجوء، ولكنه الدولة الوحيدة في العالم التي تمنح المواطنة لمن يتسللون إليها تحت شعار الطقوس الحسينية. لسان الحال يقول “إنهم يحبون الحسين لذلك فإنهم يستحقون المواطنة. وهو ما يجعلهم قريبين من حبيبهم الحسين”.وكما أتوقع، فإن الدولة العراقية تخصص رواتب شهرية لكل المستضعفين الشيعة الذين لجأوا إليها حبًا بالحسين. أما المواطنون العراقيون الأصليون فإن حبهم للحسين لن ينقذهم من الفقر والجوع وإذلال البطاقة التموينية.

العراق بلد استثنائي في فساده. أمّا أن يحول الفساد العراق إلى كذبة يستفيد منها المنافقون القادمون من مختلف أصقاع الأرض فتلك فجيعة ستصدم حتى أولئك الذين وجدوا في العراق الجديد فرصة لتجريب مواهبهم الانتهازية.العراق بلد استثنائي في فساده. أمّا أن يحول الفساد العراق إلى كذبة يستفيد منها المنافقون القادمون من مختلف أصقاع الأرض فتلك فجيعة ستصدم حتى أولئك الذين وجدوا في العراق الجديد فرصة لتجريب مواهبهم الانتهازية

في كل الأحوال، فإن ما تُسمى بالشعائر الدينية قد تم إفراغها من محتواها الديني المسالم لتتحول إلى تظاهرات طائفية، تم توظيفها لأغراض حزبية عنوانها الرئيس “الطائفية”، وهو عنوان غطس في وحوله العراقيون الفقراء والبسطاء من غير أن ينتبهوا إلى أن هناك مَن يستعملهم سدًا بشريًا لإخفاء جرائمه الاقتصادية الكبرى التي تستنزف ثروة بلد سقط أكثر من ثلث سكانه في هاوية الفقر المدقع.ما صار العراق يشهده سنويًا من هيجان طائفي تشارك فيه أمم قادمة من شتى أنحاء الأرض لن يسمح على الإطلاق بقيام دولة فيه. ذلك ما يحقق لفاسدي الطوائف مآربهم في الاستمرار في السطو على أموال الشعب العراقي تحت شعار “لكم الحسين ولنا المال”.

يعتبر أصحاب العمائم وأعضاء الأحزاب الدينية أداء الشعائر الحسينية بما فيها اللطم وضرب الرؤوس والظهور بالسكاكين وسواهما في حد ذاته انتصارًا يستحقون عليه مكافأة الاستحواذ على أموال العراقيين. هذه المعادلة سبق للكثيرين أن تحدثوا عنها علنًا لا لشيء إلا لأنهم يعتبرون ثروات العراق من ممتلكات الإمام الغائب الذي أوهموا الجمهور الباكي بالدعاء للتعجيل في ظهوره. وما الفساد الذي يستحوذون من خلاله على تلك الثروات إلا محاولة يسندها فقههم لتسريع الزمن وصولًا إلى قيام الساعة. حينها يقيم الإمام المنتظر دولته العادلة.

خرافة يدفع العراقيون وحدهم ثمنها في ظل عمليات نهب منظم، تتبخر من خلالها أموال النفط لتمطر غيومها ذهبًا على إيران التي لا تخسر شيئًا وهي تمول عصاباتها في سوريا واليمن ولبنان. فالكل ينعم بأموال صاحب الزمان الذي سيطول انتظاره حتى بعد أن تنفد ثروات العراق النفطية. أما العراقيون المسحورون بمرثيات باسم الكربلائي الطائفية فليس لهم سوى أن يرددوا مع ناظم الغزالي: “أرد أبكي بالعباس وألطم بالحسين”.في كل لحظة بكاء مجاني يفقد العراق المليارات مضافة من الدولارات الأميركية يلتهمها وحش الفساد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *