“لا يوجد شيء اسمه بلد فقير أو بلد غني، ولكن يوجد شيء عنوانه حكومة فاشلة أو ناجحة في إدارة البلد اقتصاديا وإدارياً”. الاقتباس من مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق.يُحكى أن العقد الذي أبرمه العراق مع شركة توتال الفرنسية المتهمة بارتكاب كوارث بيئية في اليمن عام 2010 حسب ادعاء القضاء الفرنسي، لتعزيز الإنتاج في مجالات النفط والغاز، كان جائزة كبرى لفرنسا على موقفها الداعم للمعسكر المناهض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا. ولا يزال الجواب غائباً عن سؤال موقف العراق من عقده الذي أُبرم مع شركة سيمنز الألمانية، وكيف، وكم ستكون حصتها من الجائزة؟
أخيراً، وبعد أن تفاقمت أزمة الكهرباء “الوطنية” وبلغت الذروة، وازدادت معها معاناة المواطن العراقي، لجأت الحكومة إلى مقايضة النفط الأسود مقابل الغاز الإيراني، بموجب اتفاقية وقعها عن الجانب العراقي إحسان العوادي مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي، وسفير طهران في العراق محمد كاظم آل صادق ممثلاً عن الجانب الإيراني، ليُثير هذا الاتفاق أكثر من علامة استفهام وتعجب؛ لماذا لم يوقع وزير النفط أو حتى الكهرباء العراقي مع نظيره الإيراني ذلك الاتفاق؟ ولماذا اُختصر هذا العقد بعناوين وظيفية ليس لديها أي صفة معنوية أو قانونية تنفع أن تكون خصماً يُدّعى عليه في المحاكم حين يُكتشف أن الاتفاق يحمل إخلالاً بجوانب مالية أو فنية؟
ربما لأنها ستكون في المستقبل اتفاقية غير ملزمة للبلدين، يجري تسويقها وقتياً ولا يُعتد بها خوفاً من الانتقام الأميركي، ولامتصاص نقمة الشارع العراقي المنتفض من سوء إدارة ملف الطاقة، الذي دام أكثر من عشرين عاماً دون حلول واقعية، بل ترقيعية.
إيران ذلك اللاعب السياسي بالبيضة والحجر، سيكون أكبر مستفيد من هذه الصفقة على حساب العراق، حيث سيُعيد تصدير هذا النفط الخام وبأسعار مغرية ومخفضة إلى الدول التي لا تخشى العقوبات الأميركية على إيران، مثل الصين والهند وغيرهما من الدول التي تستورد الخام الإيراني، ليأتي بعدها العراق الخاسر الأكبر من هذه الصفقة على اعتبار أن النفط الأسود العراقي هو نفط خام بجودة نفط فنزويلا.
وهناك سؤال يتردد في عقول الكثيرين وهو هل ستقوم الحكومة العراقية بتسديد الكميات التي تم الاتفاق عليها من نفط إقليم كردستان، خصوصاً بعد توقف صادرات النفط عبر تركيا؟ بعض المصادر لا تستبعد ذلك الاتفاق.صورة العراق بثرواته المهدورة والمتنازع عليها بين معسكري أميركا وإيران تُشبه طفلا فاقدا للأهلية ويمتلك ثروة هائلة يتسابق عليه الغرباء لنيل الحضانة والاستحواذ على هذه الثروة والظفر بها.أكثر من ثمانين مليار دولار أُهدرت أو نُهبت من مخصصات الطاقة الكهربائية في العراق، التي تسمى “الوطنية”، كانت تكفي لبناء محطات طاقة عملاقة لإنارة الشرق الأوسط ذهبت هباءً منثوراً لتستقر في جيوب الفاسدين والناهبين.
أميركا هي السبب في عدم حصول المواطن على “الوطنية” في منزله، ذلك ما تُروج له الماكينة الإعلامية للسلطة وليس الفساد، أو ذلك الصراع المحموم على وزارة تُشبّه بـ”مغارة علي بابا” يسيل لها لُعاب الأحزاب والكتل السياسية في حصص توزيع المغانم، على اعتبار أن وزارة الكهرباء من الوزارات السيادية بالعُرف التحاصصي في العراق.بالمحصلة يُراد للعراق أن يبقى مغنماً ضائعاً في متاهات الفوضى والنهب المبرمج، تعبث به أيادٍ داخلية وخارجية تسعى لإبقاء الوضع على ما هو عليه.الفساد أصبح موغلاً في المشهد العراقي إلى درجة أنه بات ينهش حياة المواطن، الذي تعبث به سياسات القتل الرحيم من خلال تدمير أبسط حقوقه الحياتية التي يطالب بها، وتلك هي الغاية.وفي خضم كل ما يحدث يبقى أن ننتظر الموقف الأميركي، وهل ستنال صفقة النفط العراقي مقابل الغاز الإيراني رضا وقبول السفيرة ألينا رومانوسكي في بغداد؟انتظروا القادم.