“في الكرادة ، راحوا يشترون ملابس للعيد حركوهم ، العبارة النهرية بالموصل : راحوا يتونسون بالعيد أغرقوهم ، مستشفى الحسين : راحوا يتعالجون قبل العيد حركوهم، مدينة الصدر : راحوا يتسوكون للعيد فجروهم وقتلوهم ” بغضب وحرقة كبيرة ردد مواطن من مدينة الصدر التي فجعت باحتراق عشرات النساء والأطفال هذه الكلمات من مكان الحادث حيث تجمع الشباب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاشلاء التي ماعت وتناثرت من جراء الحريق الذي نشب في سوق الوحيلات. قتل العراقيين حرقا أصبح احدى “الشعائر” المعتمدة التي تتبعها أحزاب العملية السياسية للاحتلال وميليشياتها الولائية بالتنسيق مع حكومة المنطقة الخضراء.
فقد أظهر فديو لقناة رووداو مقابلة مراسلها للمواطنين الذين هرعوا لنجدة الضحايا حديث لضابط أمن في الداخلية العراقية يقول للصحفي: ان القوات الأمنية قد اخبرتنا قبل خمسة عشر يوما ان حادثا سيقع في هذا السوق وعلينا الحذر! فما كان من ضابط الامن الا ان يرد: ان الحكومة هي المسؤولة عن الامن وليس المواطنين. هذا المواطن محق بكلامه هذا، فمن الغريب ومن غير المعمول به في أي مكان ان تأتي القوات الأمنية الى مكان وتحذر الناس من حادث مقبل فيه بدل ان تتخذ بنفسها اجراءات حفظ سلامة المواطنين وتستنفر قواتها الأمنية لتفادي الحادث؟ تحذيرات القوات الأمنية الحكومية هذه لعدد من الحوادث ليست الأولى، فقد سبقتها اخرى جعلت العراقيين يتهمون عن حق الحكومة واحزابها باقتراف هذه الجرائم الشنيعة عشية الأعياد ومع الدعاية الواسعة المهيمنة على قنوات الاعلام العراقي حول الانتخابات المقبلة.
في نفس الفديو يتحدث شاب فيقول : كانت هناك في العادة دورية للشرطة تحمي محلات بيع الذهب لكنها انسحبت قبل الحادث ؟ وهذا ما دعى احد الشهود للقول : لا وجود لعبوة ناسفة ولا داعش ، الأحزاب هي من تقوم بهذه العمليات . حتى خلية الاعلام الأمني تناقضت في بياناتها حول الحادث فمرة تدعي ان الحادث اعتداء إرهابي بواسطة انفجار عبوة ناسفة وبعدها أدعت ان الحادث سببه انتحاري يرتدي حزام ناسف؟ تظهر شهادات المواطنين ان بعض الجثث قد تميعت ولم تترك الا اثارا قليلة كما ان وجود طلقات الصيد يبدو تعتيما على نوع آخر من ما تم استعماله في قتل الناس حرقا وما أدى الى تمييع أجسادهم. الامر الاغرب في كثير من العمليات الإرهابية ضد الشعب العراقي هو أنسحاب القوات الأمنية ومنع النجدات الطبية وحتى نجدة المواطنين للضحايا وعدم تدخل أي مسؤول حكومي من الوزارات المعنية او من الجهات المختصة مثل المؤسسات الصحية والاسعافات؟ بل ان القوات الأمنية اقترفت جرائم إضافية خلال هذه الاحداث وهي أطلاق الرصاص على المسعفين وأصحاب عربات “التك تك ” التي هرعت لحمل جثث المواطنين لمنعهم من القيام بواجبهم في الإسعاف وإنقاذ حياة الضحايا والجرحى؟ هذا ما حدث في حرق مستشفى الحسين بالناصرية الذي جرى في الرابع عشر من تموز أي قبل حرق سوق الوحيلات بأربعة ايام.
من يطلق الرصاص على الشباب كي لا ينجدوا الضحايا ويرفعوا المصابين هي الميليشيات الولائية التابعة للحرس الإيراني وشركاته العاملة بنشاط التي أدخلت قناني الاوكسجين في الليلة السابقة وأغلقت أبواب المستشفى اغلاقا محكما من الداخل يصعب فتحه بشهادة الشهود من المارة قرب المكان لتكون الجريمة كاملة في حرق كل من في المستشفى وتحويلها الى رماد ببشرها وعرباتها المستوردة من ايران. لقد مر على تشكيل اللجنة التحقيقية الخاصة بالحادث الإرهابي اكثر من ثمانية وأربعين ساعة واصدر الكاظمي قرارا بإقالة وحجز مدير صحة ذي قار ومدير الدفاع المدني ومدير المستشفى لكن من غير المتوقع ان تصل الإجراءات الى فعل بمستوى هذه الفواجع لمواساة المواطنين وعوائل الضحايا لان الناس ملت من اللجان التي تطوى ومن اللجان العقيمة للتحقيق بالقضية التي ستغلق دون جدال وتسجل ضد المجهول المعروف بتبعيته للحرس الإيراني بينما نسبت عملية سوق مدينة الصدر للمكون الاخر بسرعة فائقة رغم انفضاح التواطؤ الحكومي المتمثل بالقوات الأمنية والمخابراتية وعلمهم بالعملية مسبقا.
اما رئيس التيار الصدري فقد ظهر على الشاشة ليعلن انسحابه من العملية الانتخابية بشكل “دراماتيكي” ليغطي على الجريمة النكراء لميليشياته التي اتهمت بالاسم علنا من احد المحللين المعارضين المعروفين الذي اكد ان هذه الأخيرة هي من أدخلت قناني الاوكسجين قبل ليلة من الحادث، بينما تنصل وزير الصحة التابع له من أي مسؤولية ومن ثم غادر الصدر الى بيروت لقضاء العيد تاركا ورائه فواتح المكلومين من انصاره !
اليوم، أصبح المشهد السياسي شديد الوضوح للشعب العراقي، اذ ظهر جليا ان الميليشيات الولائية التابعة للحرس الإيراني وأحزاب العملية السياسية تنفذ نسخة إيرانية من الصدمة والترويع هدفها منع التظاهرات ووأد الثورة لإبقاء هيمنتها على العراق ضد قلاع تشرين التي زعزعت الوجود الإيراني واسقطت هيبته وصورته وهزمته بعد عمل معاوله في ارض الرافدين دام ثمانية عشر عاما بتنسيق مع الغازي الأمريكي والاطلسي. بشاعة الجرائم وشراسة هجمة العمليات الإرهابية ضد قلعة الثورة، مدينة الناصرية، هي بقدر الألم الذي وجهه ثوارها للمشروع الاحلالي الإيراني وهتافه ايران برة برة بغداد تبقى حرة وتصدره قائمة المدن العراقية الأكثر مقاومة وصمودا ومواجهة للاحتلال الإيراني . جرائم الحرب للميليشيات الولائية في مدينة الصدر هي رسالة مماثلة لرسالة الناصرية ، فمن حي الفقراء والمعدمين برزت طينة العراقي الذي ملئ ساحات التحرير رافعا علم العراق ورافضا الرايات الطائفية اللا وطنية والتابعة ليموت برصاص قناصة الحرس الإيراني واتباعه الولائيين، ورغم كل القتل ظل مقاوما ليل نهار ، نساء وشابات واحداث قدموا ارواحهم لكي يستعيدوا العراق في ملحمة لا مثيل لها ، هكذا بذل شباب مدينة الصدر ارواحهم ودمائهم قرابين للعراق ولرايته ووجوده ، لاكثر من عام ونصف العام لم يتوقف أبناء العراق البررة وخاصة من مدينة الصدر عن الاحتجاجات لانهم اقسموا باسم العراق وباسم شهدائه ، باسم من مات من اصدقائهم انهم لن يتركوا بلدهم للاجنبي وانهم يمسكون به بكل ما اوتوا من قوة ومن شجاعة ومن بأس ، شباب وأحداث ضربوا امثالا جديدة في الشجاعة والبطولة والصداقة والتضحية والوحدة ارعبت العمائم ومشروعها الاستيطاني المتقدم الذي تراءى لهم انه سيكتمل قريبا ، لتأتيه الضربة من شريحة لم يحسب لها هكذا حساب ، مثلما لم تتوقع القوات الامريكية الغازية ان تواجه في الفلوجة والانبار بمقاومة شباب يافعين وتجبرهم على التراجع وترك بعض المدن يجرون ورائهم ذيول الاندحار، منبهرين بالعراقي الذي حارب كما لم يحارب مثله محارب في العالم امام أكبر قوة.لقد أفشلت المقاومة العراقية بعد الغزو مشروع الصدمة والترويع الأمريكي وأجبرت الولايات المتحدة على جدولة أنسحابها من العراق عام 2011 ولن يكون حال الاحتلال الإيراني أفضل من حال اكبر قوة في التاريخ الإنساني بعدتها وعديدها وقواعدها وتكنولوجيتها المتقدمة.في التاريخ ، رأينا ان عنجهية الاحتلال واحدة في كل مكان وزمان وتبقى القضية العادلة هي الحاسمة في المعارك ولنا في الفلوجة وفي تشرين امثالا حية على عدالة قضية العراق ورفض شعبنا للاحتلال أمريكيا وايرانيا ، امثالا تتكرر يوميا وفي كل بقعة ، في الناصرية الابية الباسلة والبصرة وبغداد والنجف وكربلاء والمثنى والانبار ، بانتظار اليوم الكبير ، يوم يسترد شباب الرافدين العراق من مستعمرة الخضراء ويكنس مسرحها المشين نتاج الفوضى الخلاقة ليعيد بناء دولة حقيقية ، عراق المواطنة والتعددية والسيادة والبناء .