أغنية: بغداد يا قلعة الأسود بين زمنين، ودور عبد الناصر في إطلاقها
آخر تحديث:
بقلم: أحمد صبري
لم تكن أغنية (بغداد يا قلعة الأسود ومنارة المجد التليد) أغنية عابرة تغنى وتمضي وإنما كانت ومضة ووقفة وشهادة لبغداد وتهنئة من شعب مصر لشعب العراق الذي انتفض في الرابع عشر من تموز 1958 في ذروة المد القومي الذي كان يخيم على أقطار العروبة في ذلك الزمان وما بين بغداد الأمس واليوم فاصلة زمنية لمرحلة ولفترة مزدهرة لمدينة بغداد وتاريخها وصروحها العلمية والاجتماعية للمجتمع البغدادي الذي غدا عنوانا للمعرفة والتواصل مع زهو تلك الأيام التي عاشتها بغداد قبل أكثر من ألف سنة لم تقارن بأي شكل من الأشكال ببغداد اليوم التي تعاني التخلف والتراجع بعد أن كانت حاضرة العلم وبوصلته التنويرية، تحولت إلى مدينة مدعاة للألم والتندر من فرط واقعها المتخلف مقارنة بحالها قبل عدة قرون
وعندما نتحدث عن بغداد وتاريخها ودورها المشرق وما أحدثته من تحولات في ذروة المد القومي العروبي الذي كان سمة تلك المرحلة نتوقف عند خلفيات وأسرار أغنية بغداد يا قلعة الأسود التي غنتها أم كلثوم لتهنئة العراق بثورته عام 1958 بتدخل مباشر من الرئيس الراحل جمال بعد الناصر وتروي إحدى المعنيات بتاريخ مصر ودور الأغنية الوطنية في عالم السياسة قائلة: بعد عرض نص أغنية حول العراق على أم كلثوم رفضت واقترحت أن يكتب كلماتها محمود حسن إسماعيل ويلحنها رياض السنباطي الذي رفض تلحينها لخلاف شخصي بينهما الأمر الذي تطلب تدخل عبد الناصر الذي استجاب له رياض السنباطيهذه الأغنية الخالدة تدعونا للتوقف عند تاريخ بغداد ومجالسها ودورها وأهمية الإضاءة على تاريخها وأسرارها خلال الحقب الماضية مقارنة بحال بغداد الآن وما تعانيه من تردي في شتى المجالات، وفي مفارقة بين أغنية (بغداد يا قلعة الأسود) وموسوعة (البغداديون أخبارهم ومجالسهم) لمؤلفه إبراهيم الدروبي هي أنهما تزامنا في نفس العام 1958
وفي مقدمة كتابه (البغداديون أخبارهم ومجالسهم) يقول الدروبي: إن منجزه أكمل وأضاف في عالم التأليف، وسد نقصا في تسليط الضوء على مرحلة من تاريخ بغداد كان من الضروري إطلاع الأجيال على زهو بغداد وازدهارها ورُقيها في شتى ميادين الحياة.والكتاب كما يراه ـ يبحث عن مجالس بغداد والأسر البغدادية وعن الخطاطين والمدارس العلمية المنقرضة والحالية ونقابة الأشراف والقضاء والإفتاء والإمامة والخطابة والوعظ والإقراء.
ما تضمنه الكتاب ـ برأي المطلعين على تاريخ بغداد ـ هو بمثابة كنوز علمية أبرزت معالمها، وسلطت الضوء على بيوت بغداد وأنساب سكانها وتراجم رجالها، حيث كان للمدارس العلمية والاجتماعية في تلك الحقب قد زهت بها بغداد بنوابغ خدموا فيها أمتهم ورفعوا مكانتها في مجال المدنية والحضارة ودور المجالس البغدادية وأثرها حسب قدمها، وهي مجالس لبيوت مشهودة بأصالتها ودورها الوطني في تاريخ بغداد.وعندما نتوقف عند الوجه المشرق لتاريخ بغداد وزهوها وازدهارها وتطورها ودورها في عالم المعرفة والتطور نتوقف عند الوجه المضيء لبغداد قبل أكثر من ألف عام كانت أجمل وأنظف، عاصمة الدنيا، لا يضاهيها في ذلك أحد من أجل إبراز ورقي وعظمة بغداد وزهوها في تلك الحقب فيما يدعونا التوقف عند الوجه الآخر المحزن والمقلق على مدينة كانت حاضرة العلم والمعرفة والازدهار تحولت إلى مدينة يتناحر المتخلفون على بقائها مترديه، وفي آخر سلم قائمة المدن الخطرة وغير الآمنة في العالم ونختم بالقول: إن موقع بغداد في حاضرة العالم والمعرفة والتطور لم تستطع معاول الهدم والتخريب والتخلف من النيل مهما طال ظلام الليل الذي سينجلي حتما وتشرق الشمس على بغداد التي تغنى بأمجادها وتاريخها وحضارتها الكثير كما غنت لها أم كلثوم أغنيتها الخالدة (بغداد يا قلعة الأسود ومنارة المجد التليد).