إجعلوها جمعة أُم قصر حتى تفوزا بها وتفوز بكم
علي السوداني
فإن سألك سائل عن العراق، فإعلم أنها تلك البلاد التي كان اسمها بلاد ما بين النهرين، وقد أنتجت أرضها، واحدة من أعظم الحضارات في التأريخ، لكنها اليوم أرض صحراء جدباء مغبرة مريضة مفككة ، حوائطها واطئة ، وبيبانها منخورة ، تتسلقها أوساخ الأرجل ، ويلعب فوق ساحتها ، حثالة الأرض وحراميتها ومرتزقتها وشواذها ، برعاية وسقاية وحماية الوحوش الأمريكان الهمج ، أبناء وبنات المواخير ، أباً عن جدٍّ عن ولد . أجلاف وسماسرة ومخانيث الكويت – حتى الآن – التي هي عفطة في سوق الصفارين ، لم يكتفوا بموت أزيد من مليوني عراقي رافديني ، منذ واقعة الثاني من آب ، من عام الرمادة والقحط والخراب ، الف وتسعمائة وتسعون ، ولم تنغسل قلوبهم ، وتتطهر نفوسهم ، بعد أن دسوا نصف ضروع العراق ، في أفواههم الجائفة ، فحلبوا عشرات مليارات الدولارات الحرام ، على شكل تعويضات منفوخة ، بقصص مفبركة ، حتى جاءتهم الفرصة التأريخية المنتظرة ، بعد أن حولتهم أمريكا الوغدة ، إلى بوابة ماخور عملاق ، ولجتْ منه ، كل جيف وقتلة وسفلة وشواذ الدنيا ، ليتم انتاج واحد من أفسد وأتعس بلدان الله فوق أرضه الواسعة ، أرض السواد التي ضاقت بأهلها وضاقوا بها ، فانتشروا خفافاً وثقالاً على مغارب الشتات الموحش ، ومشارقه ، وعند بيبان اللجوء ، حتى صار واحدهم ، لا يدري بأيّ أرضٍ يموت . خارطة مشيخة الكويت الضئيلة ، كبرت وتمددت وأكلت من رمل وماء ونفط العراق وكرامته ، فلا أحد يحكي ، ولا أحد يصيح ، وحكومة الشراكة ومكوناتها ومقترباتها ، مثل عنتر على رعيتها ، لكنها كما عاهرة ، تفتح ساقيها ، أو تنبطح ، حين تتعلق المسألة بشرف وكرامة البلاد والعباد . شركات سمسرة كويتية عملاقة ، تستثمر وتبيع وتشتري في العراق ، وخراجها مليارات ممليرة ، لكنهم – لعنة الله عليهم وعلى الذين خلّفوهم وظاهروهم وعاونوهم – ما زالوا يرضعون صدر العراق ، ويعضّونه ، حتى تحقيق حلمهم المريض ، بعراق معطوب ، لا حجر فيه قائماً فوق حجر . يضربون صيادينا ، في مياهنا ، ويزرعون حجاجنا ومعتمرينا ورياضينا ، فوق نار حدودهم الجديدة . يبحثون عن مفقوديهم – وهم قطرة من بحر مفقودي العراق – لكننا لا نبحث عن أحبتنا الذين دفنتهم الدبابات الأمريكية الهمجية في صحاري مشيخة كسور الرجال . يواصلون تصنيع ” الهولوكوست ” خاصتهم ، مع ان خسائرهم البشرية من جراء الغزو ومقترباته ، لم تتجاوز كمشة مئات ، مقابل مئات آلاف العراقيين ، وضياع العراق . أغانيهم وتمثيلياتهم السخيفة ، مبثوثة فوق تلفزيوناتنا ، وأغانينا وفنّنا البديع ممنوع بثّه من على شاشاتهم ، وهم يدرون تماماً ، أن ناظم الغزالي لم يكن قائد فرقة من قوات الحرس الجمهوري ، صبحية اثنين آب اللهاب . يشتموننا في كل محفل وفي كل ناد ، وبعض قوّاليهم يصفوننا بلغة ، لا تنطق حتى في مواخير عرض اللحوم البيضاء. خزائنهم مفتوحة لكل مرتشٍ حراميّ لئيم ، من أجل أن يتأبّد العراق ، تحت مكفخة الفصل السابع . ثم يظهر بيننا ، كتّاب وأدباء – وما أدراك ما الأُدباء – وسياسيون ورجال دين ودنيا ، من الصنف الذي يشبه قارضة أظافر مرتزقة ، تكرّز الوسخ ، تحت أقدام دونية ، يدافعون عنهم ، وحجتهم الأبدية ، هي أن البادىء أظلم . شركاتهم وتجارتهم ، تسمن وتغرف وتغتني فوق أرضنا ، فهم يمتلكون ببيتنا ، أكبر شركات الهاتف المحمول ، وشركات المقاولات التي لم تبن داراً تنفع الناس ، بل بنت سفارة أمريكا بوابة الشر ، ومفرخة الحرامية ، بقلب بغداد العباسية ، وساهموا حتى في شركات المرتزقة والقوادين التي أشهرها ، ” بلاك ووتر ” القذرة . ألآن ، تتجدد قصة مدينة أم قصر ، وتتضاعف ثلماتهم وعضّاتهم المسمومة بجسدها الشجاع الطاهر الشريف ، الذي أذاق حثالة السقطة الإنكليز ، والشواذ الأمريكان ، مرّ القتال . يا ألله يا كريم يا قوي يا قادر يا رحيم يا جبار :إحمِ بلدنا ، واهده صراط القوة والحق والكرامة ، وخلّصه وطهره من رجس الخوف والخنوع والجهل والتجهيل والجهلة الفاسدين ، ولا تجعل أهله ، نياماً قانطين مستسلمين ، ناطرين ظهور رجل من أهلك ، مستلاً سيفه ، عاملاً غضبه على رقاب الناس ، مالئاً الأرض عدلاً ، بعد أن ملئتْ جوراً ، وأنت تدري – أيها العزيز الجميل – أن هذا الرجل الإفتراضي ّ الأسطوري الرمزي ، لن يظهر أبداً ، لكن حشداً من عبادك المضلَّلين والمضلِّلين ، قد استعملوا هذه الخرافة ، كما ابرة هيروين منوّمة ، حتى نامت الناس وسكتت واستسلمت ، فبحقك يا رب الكون كله ، لا تجعل نومتنا أبديّة مؤبدة ، ولتكن الجمعة القادمة المبروكة ، في ساحات الشرف والكرامة والحق والعزّ والحرية ، جمعة أم قصر ، واصنعوا لها دبكة عالية ، تماماً ، مثلما صنعتم مع أُخيّتها ، التي رضعتْ من نفس الضرع الطاهر ، الفلوجة العظيمة .