شبكة أخبار العراق :في متجر باريسي على ضفاف نهر السين يعود لتاجر جزائري إلتقيت صدفة بعائلة فلسطينية، وتعارفنا على السريع وسألته كالعادة عن الأوضاع الحالية في فلسطين المحتلة، وتناقشنا لدقائق معدودة حول اهمية توحيد الصفوف الفلسطينية لمواجهة الكيان الصهيوني. فسألني سؤالا مثيرا وهو: ان العراقيين يسمون (دولة إسرائيل) الكيان الصهيوني، وهذا ما توضح خلال كلامي معك، فأنت لم تذكر إسم الدولة مع إني فلسطيني وذكرتها عدة مرات! وهذا الأمر لا ينطبق عليك فحسب بل على معظم العراقيين سيما من جيل الخمسينيات وما بعد من! إنه أمر رائع، وياريت كل العرب يطلقون نفس الصفة على الكيان الصهيوني!
قلت له: هذا الكلام صحيح جد،ا فقد تربينا كعراقيين على حب فلسطين، وفلسطين في قلب كل مواطن عراقي شريف ولا يعنيك النظام الحالي وأبواقه الإعلامية، فهولاء عملاء ولا يحسبون على العراق وهم لا يختلفون عن عملاء الكيان الصهيوني. لقد عاش الفلسطينيون معنا في العراق وكانوا الأقرب إلى قلوبنا بالرغم من وجود جاليات عربية أخرى باعداد تزيد عن عدد الفلسطينيين في العراق، وساهم الفلسطينيون في بناء العراق وإعماره، وسدوا مكان العراقيين خلال الحروب السابقة، بسبب ندرة الأيدي العاملة وتوجه الشباب لجبهات القتال للدفاع عن الوطن، وعملوا في كل قطاعات الدولة ومؤسساتها.
كانت القيادات الوطنية السابقة تميزهم عن بقية العرب، ليس تعصبا بل تعاطفا مع القضية الفلسطينسة التي لا تزال تشكل محورا جوهريا للنضال العربي. ونقولها بصراحة بأن الفلسطيني كان مميزا حتى على العراقي، فهو يتمتع بكل حقوق المواطنة ما عدا الحصول على الجنسية العراقية، وذلك بغية المحافظة على المواطنة الفلسطينية وليس بخلا بالجنسية. لأن قيام الدول العربية بمنح الجنسية للفلسطينيين سيحول مواطنتهم الى دولة أخرى وهذا الأمر لا يخدم القضية الفلسطينية. وبإمكان الفلسطيني أن يصل إلى أرفع مسؤول عراقي بما فيهم الرؤساء في حالة وجود مشكلة تتطلب تدخلهم. وكانت آخر كلمة للرئيس الشهيد صدام حسين” عاشت فلسطين حرة عربية”. ولم يجرأ بلد غير العراق بضرب الكيان الصهيوني بالصواريخ في عقر داره سوى العراق، الذي حطم ما يسمى بنظرية الأمن القومي التي كان الكيان المسخ يتشدق بها. والحمد لله فقد سلم العراق(عراق ما قبل الغزو) راية المبادرة الصاروخية لكتائب العزام التي أمطرت وما تزال تمطر الرؤس الصهيونية العفنة بالصواريخ.
وكما إنتفضت الأنبار المنورة بوجه الإحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني للعراق، إندلعت الإنتفاضة الأخيرة في غزة المنورة، لكن هذه الإنتفاضة تختلف عن غيرها لأنها جاءت من خلال الفلسطنيين أنفسهم دون مساعدة أحد من الأنظمة العربية، فلا فضل لنظام عربي على الفلسطينيين في هذه المعركة المصيرية، التي كشفت عورة الأنظمة العربية.
أن يقاتل الفلسطيني العدو بصدره ودون درع عربي، فهذا موضع فخر إعتزاز له، وبنفس الوقت موضع عار للأنطمة العربية المتفرجة على المأساة. وصدق عبد الله عروي بقوله” ان الذين ينتظرون من يحرر وطنهم من الخارج، لا يفهمون انهم ربما يستقلون ولكنهم لن يشيدوا وطنا ذا تأريخ”. نعم! إرفع رأسك عاليا فأنت فلسطيني أولا، وغزاوي ثانيا، ومقاوما ثالثا، ومعتمدا على نفسك رابعا.
من المؤسف جدا إن بعض الأنظمة العربية وقفت مع العدوان الغاشم، بل أخذت تدافع عن الكيان الصهيوني وتطالبه بتكثيف القصف على غزة! وهذا أمر يثير التقزز والإستياء، فقد أختزلت القضية الفلسطينية كلها بحماس فقط! من أن حماس ليست سوى فصيل من جملة فصائل فلسطينية مقاومة. والخسائر الناجمة عن القصف الصهيوني الهمجي طالت المدنيين عموما وليس عناصر حماس فحسب، ولم تشكل خسائر حماس 5% من مجموع الخسائر الفلسطينية في الأرواح! فأية حجة سقيمة تلك التي يرددها أبواق الباطل؟
إن كنت عاجزا عن الوقوف بجانب الحق، فعلى أقل تقدير إتخذ موقف الحياد! أما أن تناصر العدوان، فهذه كارثة كبرى! وهي أكبر من الخيانة ، بل وأكبر من العدوان نفسه.
إني لأرى الملك فيصل وجمال عبد الناصر وياسر عرفات وصدام حسين وبقية الزعماء يتوجعون في قبورهم مما آل إليه الموقف العربي المتخاذل من القضية الفلسطينية. إنها فلسطين إيها الناس فإفهموا ووعوا! من لا غيرة له على فلسطين، لا غيرة له على وطنه، ولا على عروبته، ولا على دينه.
فلسطين أكبر من حماس وفتح وأكبر من كل الفصائل الفلسطينية، هم جزء منهم وهي أم للجميع. وبغض النظر عن الموقف من حماس فأن الوضع الحالي يتطلب الوقوف مع الشعب الفلسطيني وليس حماس فحسب. القصف الصهيوني لا يفرق بين حماس وغيرها. جميع الفلسطينيين مشمولين بالعدوان والحقد الصهيوني. الكيان المسخ لا يفرق بين عربي وعربي ولا بين فلسطيني وآخر فحقدهم المدون في توراتهم المحرفة يشمل جميع العرب وبلا إستثناء. فقد ذكرت منظمة العفو الدولية بأن” نحو نصف المصابين من جراء العدوان العسكري من النساء والأطفال. كما تظهر البيانات أن نحو 30% من الشهداء هم من النساء، وأن معظم الرجال الذين استشهدوا في العدوان هم أيضا من المدنيين. وأن الاحتلال أسقط ما لا يقل عن ٥۰۰ طن من المتفجرات على أهداف تشتبه أنها تابعة للمقاومة في قطاع غزة. وأسفر العدوان عن تدمير أكثر من ۱۲٥٥ منزلا وتشريد نحو ۷٥۰۰ شخص”. فهل هولاء الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ من حركة حماس؟
من لا يقف في هذه الوقت مع الشعب الفلسطيني بدعوى الموقف من حماس، فأنه يرتكب خطيئة تأريخية تجاه الشعب الفلسطيني، والتأريخ لن يرحمه أبدا. صحيح إن الفصائل الفلسطينية وهذا عهدنا بها قد كفت وأوفت في مواجهة العدوان الآثم، ولم تكن بحاجة إلى دعم عسكري على أقل تقدير في مواجهة العدوان الصهيوني بإعتراف قادة العدو أنفسهم وحاخاماته، فقد ذكر أفيخاي رونتساكي الحاخام الأكبر لجيش الاحتلال الإسرائيلي سابقاً عن الفلسطينيين المجاهدين” ليس لديهم دبابات أو طائرات، ومع ذلك فقد قاموا بتركيع دولة كاملة على ركبتيها، دولة كاملة هربت للملاجئ”. بل إن الكيان المسخ فتح جيوبه ليغسل عاره! فقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية” أن هناك بعض الاقترحات لإنهاء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة منها طرح إسرائيل تقديم 50 مليار دولار لحماس مقابل نزع السلاح عن الحركة، وإحداث تهدئة فى القطاع، وعرض ذلك المقترح على مجلس الأمن الدولى”. ماذا يعني هذه التصريح؟ نترك التحليل للقاريء العربي اللبيب فهو يفهم من الإشارة.
مقابل هذا نشهد مواقفا ما كانت تخطر على بال عربي البته، فأحد الأنظمة العربية يعتدي على مواطنية الذين تظاهروا لدعم أبطال غزة، ويستخدم بلا حياء الرصاص الحي لتفريقهم! ونظام عربي آخر يعتبر ضحايا غزة (قتلى) وليسوا شهداء متجاهلا ما جاء في القرآن الكريم! ونظام آخر يمول العمليات العسكرية للكيان المسخ لمواصلة عدوانه على أشقائنا! ونظام يحت الصهاينة على عدم عقد الهدنة مع الفلسطينيين! ونظام آخر يطالب بنزع سلاح الفلسطينيين! ونظام آخر يقترح هدنة دون تقديم الكيان الصهيوني أية تنازلات للفلسطينيين!
إقرأ هذه المهزلة الصهيونية التي تكشف عن الغطرسة والتعنت الصهيوني كي تعرف لماذا ترفض حماس وقف القتال، فقد أشار موقع (ديبكا) وهو مقرب من الاستخبارات العسكرية الصهيونية” أكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن الحصار على قطاع غزة سيستمر، ولن يتم فتح المعابر، وأن إسرائيل ليست ملتزمة بتنفيذ أية خطوة تجاه حماس، لاسيما إطلاق سراح أسرى صفقة شاليط، التي أعادت إسرائيل اعتقالهم الشهر الماضي في الضفة العربية. وأن المطلب الرئيس الذي ستطرحه إسرائيل خلال المفاوضات مع حماس، هو إقامة هيئة دولية لنزع صواريخ حركة حماس، وتفكيك بنية صناعة الصواريخ في القطاع”! إن كان الكيان المسخ في موقف الضعف وهذه هي غطرسته، فكيف سيكون موقفه لو كان العكس؟
جاء في آخر الأخبار إن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون علق على العدوان الصهيوني بقوله” أن حركة حماس نجحت في إحداث تآكل فى مكانة إسرائيل، وقضمت هيبتها أمام العالم، وزادت حماس من تعاظم العزلة الدولية لاسرائيل” محذرا بأن” سلوك الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة غير مبرر خاصة في قتل الأطفال الأربعة على شاطئ بحر غزة، فإسرائيل تبدو أمام العالم حمقاء في قصفها واستهدافها للمدنيين”.
السوال المطروح: هل أصبح الرئيس الأمريكي أكثر غيرة على الفلسطينيين من الحكام العرب؟ وا خيبتاه!
ولكن ما الذي كشفه العدوان الصهيوني الأخير على غزة.
إولا: إن تحرير الأرض الفلسطينة من الإحتلال ما يزال الهدف الرئيس للشعب الفلسطيني.
ثانيا: لقد إستفاد الفلسطينيون من الحروب السابقة، وتلافوا الأخطاء التي صاحبتها.
ثالثا: الإعتماد على الشعب الفلسطيني بالدرجة الأساس في سبيل تحرير البلد.
رابعا: كشفت حقيقة الحكام العرب الذين يتشدقون بالقضية الفلسطينية كذبا ونفاقا، أمام شعوبهم وأمام الرأي العام الدولي.
خامسا: كشفت الموقف الإيراني المخزي وعملائهم في المنطقة من تحرير القدس. فأين حزب الله؟ وأين فيلق القدس؟ وإين هي إحتفالات الخامنئي بيوم القدس. إنها شعارات كاذبة ومن الخزي والعار أن ترفع ثانية.
سادسا: إن الصهاينة جرذان وليس أسودا كما يحاولوا أن يصوروا أنفسهم في وسائل الإعلام، ونظرية الأمن القومي الصهيوني أمست إضحوكة للعالم.
سابعا: فلسطين اليوم ليست فلسطين البارحة، إنها فلسطين القوة والصمود والمجد والتضحية والبطولة.
ثامنا: مهما كانت قوة السلاح، فأنه لا يبلغ مبلغ الرجال، وغزة أبرز شاهد على ذلك.
عاشت فلسطين حرة عربية… عاش العراق حرا عربيا.. عاشت سوريا حرة عربية. والمجد والخلود للشهداء الأبطال.
علي الكاش