يبدو أن نور الإيمان بالولي الفقيه في الدول التي ابتليت بالوباء الإيراني صار بديلا عن الإنارة التي تنتجها الكهرباء. كما أن الوكلاء المحليين هم وحدهم المخولون ببيع الكهرباء عن طريق المولدات التي لا تُزود بالوقود إلا بعد القيام بطقوس يؤكد من خلالها أصحابها ولاءهم عن طريق دفع الإتاوات إلى العصابات المكلفة بتوزيع الكهرباء حسب المذهب أولا والمكانة التي يحتلها المرء المستفيد على خارطة المذهب.لا كهرباء وطنية منتظمة في كل الدول التي تحكمها عصابات المقاومة. وإذا ما كان لبنان واليمن دولتين فقيرتين قياسا بالثراء العراقي فإن دولة العراق هي الأخرى عاجزة عن توفير الكهرباء لمواطنيها بالرغم من أن حكوماتها المتتالية كانت قد أنفقت العشرات من المليارات على مشاريع كهربائية عملاقة تبين في ما بعد أنها لم تكن سوى خرائط، نُهبت الأموال المخصصة لتنفيذها.
أما سوريا فإن حكايتها مع الكهرباء هي عبارة عن حلقة صغيرة واحدة من حلقات مسلسل انهيارها الذي لم تتضح صورته النهائية حتى اليوم. سوريا التي كانت يوما ما مبعثا للتنوير في العالم العربي وبلدا نموذجيا على صعيد اكتفائه الذاتي وخلو ذمته من الديون الخارجية هي اليوم دولة غاطسة في الظلام بكل تجلياته. ولم تعد بقايا التنوير في ذلك البلد المنكوب قادرة على ممارسة دورها الريادي حتى على صعيد محيط ضيق.
لا يمكن تفسير تلك الظاهرة إلا من خلال العودة إلى المسلمات العقائدية التي يفرضها الاحتلال الإيراني. فليس بالكهرباء وحدها يحيا الإنسان المقاوم. فالإيمان بالقضية في إمكانه أن يملأ الصدور بنوره. وليس بالضرورة أن يكون البصر مرشدا ما دامت البصيرة تعمل في سياق النبش التاريخي الذي يستند إلى وقائع، غالبا ما تكون مزورة أو جرى التلاعب بها بما يخدم العقلية الصفوية التي تضع كراهية العرب في المقام من أجندتها الفارسية التي لا تكف عن التشعب.
في العراق على الأقل صارت الكهرباء التي لا تنقطع ترفا تتمتع به فئات طائفة بعينها. بدليل أن المجمعات السكنية الجديدة التي تُبنى في بغداد والتي يُحصر السكن فيها على أبناء طائفة بعينها لا تنقطع عنها الكهرباء أبدا. وهنا يمكننا القول إن الكهرباء هي الأخرى صارت طائفية. وربما حدث أمر شبيه بذلك في المحافظات ذات الأغلبية السنية بشرط الولاء الحزبي. وهو ما صار عنوانا لحياة العراقيين، حيث تتحكم الهوية الحزبية بمستوى الخدمات العامة التي يتمتع بها المرء. ذلك اختراع إيراني لم تعرفه الدولة العراقية منذ تأسيسها.
وبغض النظر عن الاتفاقيات التي وقعها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع شركتي سيمنز الألمانية وجنرال إلكتريك الأميركية المتعلقة بالكهرباء فإن ما سيجري يمكن توقعه في ظل حاجة إيران إلى الدولار الأميركي الذي تحصل عليه من خلال تصدير الغاز إلى العراق من أجل توليد الطاقة الكهربائية. ليست العلاقة بالشركتين جديدة. لقد سبق لهما وأن تورطتا بصفقات مريبة في المضمار ذاته من غير أن تشعرا بتأنيب ضمير ما دام العراق نفسه لا يمانع في ذلك.
ما يعرفه الخبراء في الشركتين أن المشكلة في العراق وفي البلدان الخاضعة مثله للنفوذ الإيراني ليست تقنية، بل سياسية. وذلك ما يؤكده الواقع. فالعراقيون على سبيل المثال قد يُحرمون من أكل البصل بقرار إيراني. وليس صحيحا أن أسعار صحون الحمص والفلافل والفول والفتة في مطاعم بيروت لا تقع في متناول حزب الله الذي لم تتأثر مناطق نفوذه بأزمة انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
كان الإيرانيون قد تحدثوا كثيرا عن إمبراطوريتهم التي تمتد من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، أي من سوريا ولبنان إلى اليمن مرورا بلبنان، غير أنهم لم يصرحوا يومها أن تلك الإمبراطورية ستقوم في بلاد يبحث فيها مواطنوها عن لقمة عيشهم في الظلام. تلك هي الحقيقة التي أخفوها. ذلك لأنها تناقض الواقع. فدول مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان لا يمكن أن يجوع مواطنوها إلا من خلال ضريبة الجوع التي تفرضها المقاومة من أجل أن يستمر النظام الإيراني في حربه ضد العالم.
هناك اليوم حرب إرهاب تشنها إيران من خلال وكلائها تضع هدفا لها أن يُحرم مواطنو الدول الخاضعة لها من كل أسباب الحياة بدءا من الكهرباء وانتهاء بالخبز. وليس عليهم سوى أن يعلنوا عن ولائهم للولي الفقيه لكي يحصلوا على الفتات من كهرباء وخبز.