كانت تمني النفس منذ طفولتها، ان تصبح فنانة. وتحقق لها ما كانت تصبو اليه. تبتسم حين تتذكر تلك الطفلة ابنة الاسكافي التي تقترب من مدريد مليئة بالآمال والاحلام غير آبهة بالضغوط التي ستتعرض لها جرّاء طموحها. وفعلاً اساءت بعض الشركات المُنافسة، استخدام وعرض اسطواناتها، حين تسلقت النجاح.
– انا امرأة تُسلّم بالواقع بطريقة جميلة ومسالمة. اثق بالناس كثيراً، ولا اعير اهتماماً للأشياء الغامضة وحين أُضطر لفعل ذلك، يصيبني الحزن وانقباض النفس.
– ثمة تناقض واضح بين زوجك الملاكم (المُنسحب) وبين الضربات التي تتلقينها من الشركات المُنافسة؟
– زوجي قادم من عالم صعب، يتعامل من خلاله مع موضوعات كثيرة وعلى مستوى انساني. “بدرو” عاش هذا العالم الى اقصاه، ثم آثر الانسحاب لأنه لم يعد يستطيع العيش داخل هذا القفص. كان يردد على مسامعي دائماً قوله “كنت اعتقد ان عالمي قاس جداً، حتى شهدت ما انتِ عليه”.
– ما الذي وجدتيه في “بدرو” بعد الكثير من أعوام زواجكما؟
– التوازن، اذ انه ما يزال الزوج المثالي رغم مسيرته الرياضية الطويلة والتجارب القاسية التي كانت يتعرض لها احياناً. كنتُ وما ازال دائمة الحاجة اليه.
– هل من الصعوبة الاستمرار في انتهاج الشخصية ذاتها: ابنة الاسكافي، بعد الملايين التي حصلت عليها؟
– أظن أن هذا يعتمد على طريقة كينونتي، أليس كذلك؟ الحقيقة انني لم يكن لدي تصور كامل عن المهنة كي ادخل فيها. اما الان، فلدي درع وانا مُتهيئة، لكن ليس لأجل الرفض، انما لأجل ان أقي نفسي. لا اريد من النجاح ان يشذ بي، ولا من الاحباط ان يُغرقني. وحين حققت نجاحاً في عملي، بكيت بدلاً من الشروع في الضحك. هذا هو الفرق.
– الا تعتقدين ان الفشل، اشبه بسلّم مضمون نحو النجاح؟
– هذا الامر مهم جداً. كنت من قبل خفيفة الروح تقريباً وانيسة، فكم اتغير الان؟ ثم ان الغد يمكن ان يأتيني بضربة فأس فينتزعني عندئذ من الوسط الفني. كل شيء قابل للحدوث. لم لا؟ اريد ان احتك مع الناس لا ان اراهم من فوق. فالاحتكاك معهم يُيسّر لي فهمهم.
– في احدى الممرات، امضت روثيو سبعة ايام دون طعام لانهم لم يسمحوا لها بالسفر الى مدريد لتحاول ان تكون فنانة. ما الذي يدعوك الى الاضراب عن الطعام؟
– توقيع عقد اسطوانات جديد بالطبع -تطلق ضحكة غنائية- في الحقيقة ان الاضراب عن الطعام نادر الوجود في حياتي، غير انني سأُضرب طويلاً عن الطعام حين يتحقق السلام الشامل في العالم، حتى لو اودى ذلك الاضراب بحياتي.
– حين توفي والدك، انغلقتِ على نفسكِ في صومعة، حانقةً على جميع التعاليم السماوية، فهل فعلتِ الشيء ذاته لدى موت امكِ؟
– كلا، لم اغضب في تلك المرة. على العكس شكرتُ الله وحمدته، لأنها عانت كثيراً قبل موتها. ربما لهذا السبب اخاف الامراض كثيراً والآلام.
– لكنكِ قلتِ ذات مرة بأنك تحبين الموت اليس كذلك؟
– اجل، لكني الآن لا احبه. ربما يجد البعض في الموت راحة، لكن لا بد من العيش والكفاح.
فتواصل رحلتها الشاقة نحو عالم الغناء وتدفع ضرائب شهرتها ضريبة تلو اخرى ويصفق لها الشعب الاسباني ويهتفون لها عشقاً. غير انها بعد رحلتها الطويلة سرعان ما تضيق ذرعاً بالإساءات التي تتعرض لها من قبل الشركات المُنافسة، وبالذات شركة “ار. ثي. اي”. فحين سجلت “روثيو” اسطوانتها الأخيرة “الحمامة الباسلة” فوجئت مع مساعديها بامتلاء السوق بأسطوانة تشبهها تحوي على نخبة من الاغاني القديمة وضعتها الشركة المذكورة.
– ماذا فعلوا بك يا روثيو؟
– اخرجوا اسطوانة تحوي بعضاً من اغنياتي القديمة. والغريب في الأمر انها تحمل العنوان ذاته الذي تحمله اسطوانتي الاخيرة “الحمامة الباسلة” وظهرت مُتزامنة معها. اعتقدتُ وشركتي الجديدة “اي. ام. آ” بأن هذا ليس من قبيل المصادفة. وانا لا احب ان يُخدع جمهوري الذي ينتظر اسطوانتي الاخيرة. حتى ان عمي قال لي: “اسمعي يا صغيرتي، وقعتْ بين يدي نسخة من اسطوانتكِ الجديدة، مليئة باغانٍ قديمة”.
– الا تعتقدين بأن الفنان يجد نفسه اعزلاً امام افعال كهذا؟
– لكل كائن بشري حقوق، سواء لنفسه او لصوته او لسلوكه ازاء المهنة. وهذا ما لم المسه مطلقاً مع الشركة “آر. ثي. اي” التي انتهى عقدي معها. اجل، أُراني عزلاء، وكذلك الكثير من زملائي الآخرين الذين قاسوا حالتي ذاتها.