بغداد/ شبكة أخبار العراق- كشفت محكمة تحقيق الرصافة ابرز ملامح غسيل الاموال في العراق، مؤكدة وجود طريقتين بالتعرف عليه اما بتحريك دعوى اعتيادية او ابلاغ من الجهات الرقابية في البنك المركزي ، مشددة على ان المبالغ الناتجة عن هذه الجرائم تكون من خلال الرشوة او عمل المصارف الاهلية والحوالات، شارحة افق التنسيق بينها وبين وهيئة النزاهة ومقترحاتها في سبيل انجاز عملها على اتم وجه وملاحقة المتورطين.وبالرغم من مرور 9 سنوات على صدور قانون غسيل الاموال لكن القاضي أيسر عباس العنبكي، نائب المدعي العام في محكمة تحقيق الرصافة الثانية يؤشر “عدم دراية كاملة في التعامل مع هذا النوع من الجرائم من الجهات المتخصصة ، وإن الشارع لا يمتلك ثقافة عن غسيل الاموال”، مبيناً ان “الحاجة باتت ضرورية للنظر الى تجارب الدول المتطورة التي سبقت العراق بمسافات طويلة لتتبع جرائم غسيل الاموال”.وغسيل الاموال من وجهة العنبكي المتخصص بالنظر في قضايا الجرائم الاقتصادية “يضرب العمود الفقري للدولة من خلال تأثيره على الاقتصاد الوطني”، عاداً “مكافحته قضاءاً على الفساد الاداري والرشوة كونها تتم بسلسلة مترابطة من الاجراءات تأتي بنتائج عدة في أن واحد”.
البيئة الخصبة لغسيل الاموال
ويوضح نائب مدعي عام محكمة تحقيق الرصافة/الثانية البيئة الخصبة التي يتكاثر فيها غسيل الاموال بأن “اغلب الجرائم تعتاش على المصارف الاهلية وشركات الحوالة اما المستفيدون منها فهم من فئتي موظفي دوائر الدولة او مقاولين”، شارحا ان “هذه الجرائم تتطلب وجود مال غير مشروع، وان الجاني لا يستطيع التصرف بها لسهولة التعرف عليها من الجهات الرقابية وبالتالي لا مفر من تنظيفها بسلسلة عمليات مترابطة حتى تكون صالحة للاستخدام”.
وردا على سؤال عن اكثر جرائم غسيل الاموال انتشاراً في البلاد افاد العنبكي بأنها “تلك الناتجة عن التلاعب المصرفي حيث توجد امام المحاكم دعاوى عدة بهذا الموضوع”، مستطردا القول ان”جهة معينة كأن يكون شخصأ طبيعي او شركة يقوم بايداع خطابات ضمان في مصرف اهلي الذي بدوره يسحب جزء من المبالغ ويودعها في حساب شخص مرتبط به داخل العراق ومن ثم يتم سحبها مرة اخرى بموجب صك ويضعه في شركة حوالات داخلية باسم اشخاص عدة”، وزاد “هنا تبدأ عملية تنظيف الاموال اذ يقوم المستفيدين منها بسحبها وايداعها عن طريق اشخاص اخرين كي تنقطع السلسلة ويكتمل غسيل الاموال بتكرار هذه العملية لنحو سبع مرات”.
طريق كشف الجريمة
وعن طرق كشف الجريمة ذكر العبنكي ان “العراق لا يزال يعتمد على طريقتين فقط؛ الاولى بواسطة التحقيق في دعوى اعتيادية كجريمة خيانة امانة، ونسب نجاحها عالية جدا، من خلال تحريك المتضرر شكوى على المصرف نتيجه عدم ارجاعه لامواله وتتم متابعة حركة الحساب استناداً الى تواريخ سحب المبالغ”، لافتا الى ان “الطريقة الثانية تكون من خلال مكتب غسيل الاموال في البنك المركزي، المتخصص بمتابعة حركة المبالغ داخل وخارج العراق بالاضافة الى الحوالات بين المصارف”، مشيرا الى انه “للمكتب صلاحية تشكيل لجان تطلع على سجلات الشركات الاهلية الخاصة بالحوالات وعند ملاحظته اي حركة مريبة يتابعها بشكل دقيق ويطلب من محكمة التحقيق المتخصصة بالقضايا الاقتصادية تحريك شكوى ضد الاطراف”.
ونبه العنبكي انه “بعد اقامة الدعوى تبدأ مديرية الجريمة الاقتصادية بجمع المعلومات عن الحالة المعروضة امامها ويقوم مكتب غسيل الاموال للبنك المركزي بتزويد المحكمة بالوثائق وحركة الاموال
كي يتم اقتفاء اثرها”، مستدركاً إنه “لايمكن اتخاذ اجراء ضد اي من اطراف القضية الا بتوافر الادلة الكافية او ما يؤكد وجود عملية غسيل الاموال”، مبينا ان “مديرية الجريمة الاقتصادية تسعى في فترة جمع الادلة الى زرع عناصر لها داخل اطراف القضية او شراء الاموال المشبوهة”، مقدرا “نسبة النجاح بالوصول الى الجريمة عن الحالة الثانية بـ 50%”.
الصعوبات في جمع الادلة
وحسب العنبكي فأن “الصعوبات التي تكتنف عمل الجهات التحقيقة في جرائم غسيل الاموال تكمن بأن عقود المقاولات التي تستخدم فيها الاموال المشبوهة كعمولات عادة توقع خارج العراق مع دول اجنبية ذلك ما يصعب الوصول الى الجريمة ، موضحا ان “المستفيد من العمولة هو طرف ثالث يحتاج الى تنظيفها وهنا تصبح امامنا جريمتين؛ الاولى فساد والثانية غسيل للاموال ناتجة عن الفساد”.
ويأمل العنبكي بـ “تحويل القسم المتخصص لغسيل الاموال التابع للجريمة الاقتصادية الى مديرية مستقلة”، معرباً عن اعتقاده بأنه “مع وجود هيئة النزاهة للحد من الفساد تأتي الحاجة ضرورية لايجاد جهاز اخر يتتبع المال الناتج عنه واسترداده على ان تكون المديرية مجهزة بطاقم محققين متخصص يتم اطلاعه على التجارب الخارجية بغية منحه خبرات واسعة تساعده في اتمام واجباته الوظيفية”، مؤكدا ان “عمل هذه المديرية فيما لو تم انشائها سيكون بالتنسيق مع هيئة النزاهة التي من شأنها تيسير الكثير من العراقيل التي تقف امامنا لاننا سنمتلك من خلالها معلومات عن المال المراد الوصول اليه”.
ومضى العنبكي الى ان “مكافحة الفساد تتطلب عدداً من الاجراءات المهمة ما يعزز مطالبتنا بايجاد هذه المديرية بصلاحيات واسعة”، مبديا اسفه لـ ” عدم امتلاكنا الحق في الوقت الحاضر باطلاق اوامر الى البنك المركزي من اجل تشكيل لجان لمراقبة عمل وتسجيل شركات الصيرفة التي ترسل بسجلاتها الى
البنك ومن الممكن ان تتعرض الى التغيير او التبيض، في وقت يتطلب ان يتم ارسال فرق رقابية الى هذه الشركات لتدقيق اجراءاتها في موقع العمل”.
الحاجة الى الوسائل الحديثة لتعقب الجناة
بدورهم عزا مراقبون ما اعتبروه صعوبة كشف غسيل الاموال الى خلل تنفيذي يتعلق بتطبيق اجراءات الاثبات، مطالبين باستخدام الطرق الحديثة في التوصل الى المتورطين بهذه الجرائم.
وافاد بيدرعبد الستار محمد قاضي تحقيق النزاهة بان “جرائم غسيل الاموال تتطلب دقة في اثباتها وجهداً وتقدماً وتطوراُ في الاجراءات المتبعة المرتبطة بوجود اجواء مناسبة من الاستقرار على جميع الاصعدة في البلد”.
وتابع محمد “هناك صعوبة في عمل الجهات التحقيقية مرتبط بخلل تنفيذي يكمن باثبات ايداع المبلغ الذي تعرض الى غسيل وملاحقة راس المال المشبوه”، راهنا “الحد من هذه الجريمة بالتعرف اكثر على وسائل الاثبات الحديثة من خلال المشاركة في دورات خارجية ومعرفة ما وصل اليه العالم المتقدم في مضمار غسيل الاموال فهناك من يلجأ الى اجهزة التنصت المتطورة ومراقبة الحواسيب ونظام تحديد المواقع (GPS)”، مشددا على “ضرورة ان يكون هناك تعاون بين الجهات المتخصصة والمصارف الاهلية وعدم التسرع في فتحها لان راس مال الفساد يجد مساحة له فيها بعيدا عن نظيرتها الحكومية”.
ويقلل قاضي النزاهة من “اهمية اسهام مكاتب الصيرفة في عمليات غسيل الاموال لانها تقع حالياً تحت رقابة شديدة وان اغلب هذه الحالات تكون لدى المصارف الاهلية التي تجاوز عددها بعد 2003 الـ 25 مصرفاً بسبب الانفتاح الاقتصادي والتجاري”.