الأزمة العراقية : نحو ميثاق وطني
سعد الكناني
في ظل هذا الظرف الدقيق الذي يمر به العراق ، والذي يستنهض فينا همم الرجال ، ويحثنا بتاريخ جدودنا وزعماء أمتنا الابطال عبر العصور والأزمنة ، حيث تقتضي المصلحة العليا للوطن التضحية بكل غال ونفيس من أجل إعلاء هامته ، واستعادته لمكانته المستحقة بين الأمم كأمة عراقية واحدة عريقة ضاربة جذورها في عمق التاريخ ، وبعد استقراء الواقع الأليم الذميم والمتشرذم في ظل حكومة نوري المالكي الذي مازال يؤكد لنا عدم صدق نوايا ائتلاف دولة القانون الحاكم لاسباب خارجية وداخلية في معالجة اية ازمة بل العمل على تدويرها تكاد تنعدم حتى الفواصل فيما بينها ، مما يؤكد تورطهم في واقعات الإفساد السياسي ، والأزمات المتسارعة والمتصاعدة التي باتت تهدد وحدة البلاد وشعبها ينبغي أن تشكل حافزا للسياسيين بالعمل الجاد والمثابر على تجاوز خلافاتهم ونزاعاتهم ،العوامل الدافعة والمؤثرة في تصعيدها واستمرارها ،لفسح الطريق واسعا لحلول جذرية لأسباب الأزمات ومبرراتها وقطع الطريق على التدخلات الخارجية لدول الجوار الإقليمي التي أصبحت مثيرة للإهتمام لما تشكله من عائق حقيقي لمعالجة أزمات البلاد والحيلولة دون تفاقمها بعد أن انتقلت هذه الدول بأوراق لعبة تدخلاتها من المستور وتحت الطاولة الى العلن ومطروحة على السطح وأضحت تتدخل بضراوة في شؤون العراق بحيث باتت بعض هذه الدول تحاول أن تكون شريكة في القرار الوطني بل صاحبة اليد الطولى والفاعل الحقيقي في صنع هذا القرار أو ذاك دون مواراة أو مخاتلة ،ما يستدعي وقفة جادة ومعمقة حيال الأسباب التي حدت بهذه الدول الإعلان السافر عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية العراقية وتحت أية ذريعة أو مسوغ ،وما هي الدواعي والمبررات التي أجازت بها هذه الدول لنفسها ذلك ،ولا نجانب الحقيقة إذا ما ذهبنا بالقول إن العملية السياسية والركائز التي اعتمدتها كأساس لها وما إستولدته من إستقطابات وطبيعتها كانت الغطاء الذي تسترت به هذه الدول للتسلل الى الشأن الداخلي العراقي ،ولولا الانقسامات والإختلالات التي حاقت بالعلاقات بين القوى السياسية وأسهامها في شق وحدة الصف الوطني وإحداث شرخ عميق في تكوينه لما تجرأت هذه الدول عن الأفصاح العلني عن مناصرتها لهذا الطرف أو ذاك والدفاع عن رؤاه وتبني مواقفه دون الاكتراث بمستقبل علاقاتها السياسية والاقتصادية بالبلاد وما قد يسفر تماديها في دعمه وتأييده من تأزم وتوتر بعلاقاتها مع عموم الشعب ،من هذا يمكن القول أن أزمة تدخلات الدول الإقليمية المجاورة تعود لأزمة بنيوية في علاقات مكونات المجتمع العراقي مع بعضها والتي أدت ودفعت الدول الأخرى للإعلان عن مواقفها مما يجري في البلاد دون مراعاة للأعراف الدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول وما تفرضه من إلتزامات بعدم التدخل في شؤون الغير .وإذا ما كانت الصراعات الطائفية السياسية قد مثلت أولوية أسباب ما آلت إليه أوضاع العراق الراهنة ،فإن بعض السياسيين ليسوا غافلين عن محاولة إغتنام هذه الفرصة والتمسك بالطائفية السياسية وديمومتها وتعزيزها وترسيخها لعلمهم القاطع وقناعاتهم اليقينية عدم امتلاكهم ما يؤهلهم تبوء ما وصلوا إليه من مواقع نافذة في سدة المسؤولية الوظيفية لإفتقارهم المؤهلات الوطنية والنضالية والمعايير المهنية والقدرات العلمية والإدارية ،وإن سلم الطائفية هو الأضمن والأقصر لوصولهم لطموحاتهم بالرهان على جماهيرها ومنجزها الأعظم الفاقد لعمق الوعي والإدراك السليم لضرورات مغادرة مواقعها الطائفية المقيتة والتحرر من ربقتها وإمتلاك قدرة الاختيار والتمييز لإعطاء دعمها وتأييدها لمن يمثل إرادتها في التغيير وتبني مطالبها واستحقاقاتها الحياتية على وفق البرامج السياسية والاقتصادية التي تحمل رؤى وآليات وطنية خالصة تستهدف الارتقاء بالواقع العراقي الى مستويات متقدمة وتبتغي خدمة البلاد والمواطن دون النظر الى هويته الدينية أو القومية أو الطائفية ، وليس كما يحصل الان بفضل الطائفية السياسية التي جعلت الانتماء الديني والقبلي والمناطقي والتحالفي هو الأسبقية الاولى بدلا من قدسية الانتماء الوطني الجامع مثل سائر باقي الامم الاخرى ، وهذا ما رسخ تشبث بعض السياسيين بمواقفهم الطائفية لإرضاء أجنداتهم الخارجية دون النظر الى الأضرار المحتملة والناجمة عنها على البلاد وشعبها ،وهو ذاته ما دفعهم الى البحث والتقصي عن أسباب وعوامل إضافية أخرى لتثبيت أركان مواقعهم بالنظر إلى الخارج الذي يشاركهم العقيدة الدينية والمذهبية ليجدوا لديه الدعم والإسناد ،لكن هذا لن يحدث دون أثمان وديون ينبغي دفعها حين يحين وقت سدادها ،وسكوتهم على تدخل بعض دول الخارج في الشؤون الداخلية للبلاد جزء من الديون التي يتعين عليهم تسديدها ،وما نراه ونلمسه من تدخلات لدول إقليمية في خصوصية شعب العراق إلا نتائج السياسات الخاطئة لبعض السياسيين . وإذا ما كانت العلاقات بين القوى السياسية قد وفرت الأرضية والمناخ وأعطت الذريعة لتدخلات هذه الدول ،فإن هذا لا يعفيها من مسؤولية إستهانتها بالرأي العام العراقي الرافض لتدخلاتها لما تمثله من مساس بالسيادة الوطنية وإستقلال البلاد واستخفاف وعدم إكتراث لمشاعر شعبها ،وإذا كانت هذه الدول تظن إن ضمان أو تحقيق مصالحها في البلدان الأخرى من خلال دعمها لطرف سياسي أو إجتماعي في البلد المعني سيوفر لها ذلك فهي واهمة ،لأن المصالح الوطنية لهذا الطرف لابد أن تتعالى على المصالح الطائفية أو الفئوية أو الحزبية التي تتوافق آنيا وعابرا مع الدولة الخارجية وسوف تزول بزوال ظروف نشأتها ،وإذا ما إستطاعت هذه الدول أن تجعل بعض السياسيين دائمي الولاء والتبعية لها فأن هؤلاء السياسيين سرعان ما تتكشف أوراقهم وتتساقط من شجرة الوطنية العراقية وتتقاذفها أرجل العراقيين دون رحمة أو شفقة وينبذون من صفوفهم . وبهذا لا سبيل أمام هذه الدول إلا التعامل مع شعب العراق بجميع مكوناته وتكون على بعد واحد من الجميع وتأكيد حياديتها مما يجري في البلاد لديمومة مصالحها المشروعة ولضمان عدم تدخل الغير في شؤونها الداخلية ،وإن ما يحدث الآن من تدخلات في شؤون العراق وانحياز بعض الدول المجاورة الإقليمية لهذا الطرف أو ذاك يتحمل السياسيون المسؤولية الوطنية عن ذلك ،إذ لولا إستنجاد بعضهم بها وطلب معونتها لتقوية مواقفهم و تعظيم قدرة تصديهم لغرمائهم الآخرين ،ما تجرأت هذه الدول الإفصاح عن مواقفها المنحازة ،من هذا فإن مسؤولية ما يحدث يقع على عاتق السياسيين الذين ينقادون لمصالحهم ومنافعهم ويستعينون بالآخرين لنصرتهم في حمايتها أو الحصول عليها ،وهو ما يفتح الأبواب مشرعة لاستغلال الدول المجاورة ذلك والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد ،والحقيقة التي يجب مراعاتها إن موقف السياسيين الذين يستقوون بالدول المجاورة يضعف مواقف البلاد الدفاعية عن قضاياها ومصالحها الوطنية وعلاقاتها مع الدول الأخرى ويعرض مواقفها وأطروحاتها للمساءلة والريبة في صدقيتها من المجتمع الدولي لغياب الموقف الموحد لقواها السياسية تجاه القضايا الوطنية التي يتعين أن تتمحور مواقف الجميع من حولها . وبعد التصريحات الهوجاء والحمقاء والمتهورة التي صدرت و تصدر من بعض مسؤولي دول الجوار العراقي بخصوص شؤونه الداخلية وكأنه مقاطعة تابعة لهم ،بات لزاما أن يرعوا سياسييه والكف عن التمادي في مواقفهم المتشنجة ويعودوا الى رشدهم ويطيلوا التفكير بما يجري من حولهم ويستقرأوا جيدا وبعمق المخاطر والتهديدات التي تواجه العراق والنكوص عن سياساتهم التي ستذهب بالعراق الى الشرذمة والتقسيم بعد أن أصبح العراق كأنه ضيعة لهذا السياسي أو ذاك و يباح له التهديد بتقسيمه وتجزئته دون رادع أو وخزة من ضمير بحجة عدم توافقه مع سياسيين متنفذين حاليا كأن عجلة الحكم توقفت عن الدوران عند هؤلاء الحكام ،ويعملون بصفاء نية وبتجرد لإيجاد معالجات للمشكلات المتراكمة والعودة بالعراق إلى مساراته الطبيعية والتخلي عن المزايدات الكلامية بالحرص على وحدة العراق وشعبه التي تتنافى مع حقيقة الواقع وتتقاطع مع معطياته، وترجمة البرامج التي حملتهم الى كراسي المسؤولية بما تتضمنه من بناء وإعادة إعمار وتطوير ،لأن صبر الشعوب طويل لكن ردات فعلها عنيفة وقاسية وغير متوقعة تجاه من يحاول خداعها وسلبها حقها في رسم واقع حياتها بإرادتها الحرة والمستقلة أو يقف حجر عثرة في طريق مسيرة حاضرها ومستقبلها اويملي آراءه ورؤاه عليها ،ودروس التاريخ وعبره أبلغ من أن تنسى أوإمكانية محوها ،وبعد الفضائح السياسية الأخيرة بمجاهرة بعض قادة دول الجوار بمواقفهم وإعلانهم بصراحة متناهية تدخلهم السمج في شؤون العراق الداخلية ، لم يعد أمام هؤلاء السياسيين إلا مراجعة سياساتهم الداعية للاستنجاد بالآخرين والانقياد لآرائهم وإعلان تراجعهم الصريح عنها والتبرأ منها أو السقوط في براثن التبعية وقبول ما يترتب عليها من مواقف جماهيريه تجاههم.
ان استمرار الأزمات السياسية في العراق هي من مسؤولية الجميع بما فيها المجتمع الدولي لغرض ضبط الإيقاع الإقليمي بعدم تدخله بالشأن العراقي ، من هنا جاءت جملة من الأفكار والمقترحات من قبل دول شتى لتقديم النصح والمشورة لحكومة المالكي بعد ان تصاعد الحراك الشعبي ضد حكومته والعملية السياسية الفاشلة ودخول هذا الحراك الشعبوي شهره الثالث دون ان تلبي حكومة المالكي أهم المطالب المشروعة والتي في مقدمتها “إلغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة 4 ارهاب وقانون المخبر السري وإطلاق العفو العام وإحالة حيتان الفساد للقضاء” وهذا ما ترفضه كل “مكونات التحالف الوطني بما فيها التيار الصدري” الذي اعتبرها خطوط حمراء ، واستمرار هذه الأزمة دون حل جذري لاصل المشكلة في العراق قد يؤدي إلى تمزيق العراق ، من هنا رأى منتدى الفكر العربي ان يأخذ على عاتقه سلسلة من الفعاليات الفكرية والبحثية لقراءة ” واقع المشهد العراقي الحالي والدستور العراقي والهوية العراقية والعوامل الخارجية والحراك الشعبي ” بصورة معمقة من خلال استضافة شخصيات عراقية فكرية وبحثية وسياسية أخرها التي جرت في 25 شباط 2013 بأشراف مركز الرأي للدراسات وستستمر فعاليات هذا المنتدى حتى الوصول إلى إصدار ميثاق شرف وطني ، لاننا نؤمن بأن لغة الحوار وتقديم النصح والمشورة هو عامل متطور على خط معالجة الأزمة ، وأعتقد ان هذا الميثاق اذا ما اصدر سيتضمن المعالجات الحقيقة للازمة العراقية المستدامة ، ولذلك أرتأي على هيئة منتدى الفكر العربي بإلزام طرف ضامن بقبول “التحالف الوطني وخصوصا دولة القانون ” بجدية الأخذ بكل المقترحات والتوصيات التي سيتضمنها هذا الميثاق والمباشرة الجادة والحقيقية لمعالجة تلك الأزمات وخلق منظومة من الاستقرار السياسي والأمني بمنتهى الشفافية ولغة الحوار وقبول الأخر وان يكون الدستور المعدل وفق الخيار الوطني العراقي هو المفتاح لباب الخير وبداية تحول ديمقراطي منشود .