كل نواب الإطار التنسيقي وهم ينظّرون لآرائهم عبر الفضائيات والتغريدات ، يعبّرون صراحة عن جهل حقيقي بمعنى الأغلبية ، حيث تقوم نظريتهم على ان الاغلبية هي أغلبية عددية وهي المعيار الاول والاخير لأي نظام ديمقراطي !وهذا ما ينعكس على فهمهم للنظام الديمقراطي ومفهوم الديمقراطية الذي ينبغي ان يقوم على مبدأ حماية حقوق الاقلية بتنويعاتها كافة ، والا فان هذه الديمقراطية النيابية تتحول الى مشهد كوميدي في مسرحية بلا محتوى ، وفي حالة فقدان الأقلية لحقوقها الدستورية بمبرر الاغلبية فان أي نظام يتحول بسطوة هذه النظرية الى نظام استبدادي بعباءة ديمقراطية !لقد حصل هتلر على الاغلبية في انتخابات 1933 فجرّ المانيا وأوربا الى كوارث الحرب العالمية الثانية !وحصل صدام حسين على اغلبية في انتخابات ” الولاء المطلق ” فتحولت الاقلية الى مجموعة خونة فيما واصل النظام بناء جدرانه الدكتاتورية !ان التعامل مع مبدأ الاغلبية العددية في واقع مثل الواقع العراقي لتمرير قوانين واتجاهات تتجاهل حقوق الاقليات واحتياجاتهم واقصاء الشركاء او المشاركين وتحويلهم الى ديكور من ديكورات العملية السياسية لن يقود البلاد الا الى المزيد من الفرقة والافتراق المكوناتي والسياسي معاً ، ذلك ان صناديق الاقتراع من دون فكر ديمقراطي ينتهي بنا الى تجذير الخلافات وبروز افتراقات جديدة أكثر تعقيداً على المستويات السياسية والطائفية بل وحتى العشائرية ، فالحقيقة انه يتعذر بناء نظام ديمقراطي دون ديمقراطيين .
ان الاطار التنسيقي بنظرية ” نستطيع التمرير فنحن الاغلبية ” كما يتبنون و يقولون ويصرّحون ويتمسكون ، يذهبون الى حتف العملية السياسية في البلاد ، فلا يمكن الاستمرار في استفزاز التيار الصدري والمستقلين والاغلبية الصامتة بتشريعات ومحاولات تشريع تعتمد الاغلبية العددية كمبدأ مطلق بلا حدود فيما تطبخ على نار هادئة خيارات اخرى هي من نتاج السلوك السياسي للاطار التنسيقي !هل المطلوب تحويل ” الاغلبية ” التي هي بالاساس اقلية ،حسب المشهد العراقي، الى اغلبية استبدادية طاغية ؟
المؤشرات تجيب بنعم ، من خلال قانون الواردات البلدية واستخدامات مفهوم المحتوى الهابط ومحاولات تغيير قانون الانتخابات وتمييع الالتزامات تجاه الحلفاء والعمل الحثيث على تشريع قوانين تحد من حرية التعبير كلائحة المحتوى الرقمي لهيئة الاعلام والاتصالات التي تشمل حتى معاقبة منتقدي اداء السلطة التنفيذية وشخوصها !ان تجاربنا وتجارب الشعوب المشابهة لمشهدنا ، تقول ، ان الاستخدام المتعسف لمفهوم الاغلبية لن يقود الا الى تدمير النظام الديمقراطي وزيادة احتمالات الصدام بين اغلبية حقيقية هي اغلبية ” الصامتين” و”اغلبية ” صناديق الاقتراع المشكوك بنتائجها واعداد المشاركين في مهرجاناتها !ان طريق التوافق الذي اختاره الاطار التنسيقي وشكّل تحت رايته تحالف ادارة الدولة يتجه نحو المسارات الموصدة والابواب المغلقة بوجود منهجية ، نحن من نمرر مانريد وليضرب الآخرون رؤوسهم في الجدران !لكن عليهم ان يعلموا ان هذه الجدران قابلة لان تكون ركاماً في لحظة تأريخية مجهولة التوقيت لكنها حاضرة في أي لحظة !!