الاتفاقية الصينية الايرانية في مهب الريح

الاتفاقية الصينية الايرانية في مهب الريح
آخر تحديث:

بقلم: علي الكاش 

ذكر وكيع” قال إياس بْن معاوية: كل بنيان بني على أساس أعوج لم يستقم بنيانه”. (أخبار القضاة2/356).

كثيرا ما طبل اقزام الولي الفقيه في العراق للإتفاقية الصينية الايرانية، وطالبوا الحكومة العراقية أن تحذو حذو ايران، حذو النغل بالنعل، في عقد صفقة مشابهة ترهن مقدرات العراق الإقتصادية للصين، كما فعل الولي الفقيه، مع ان خطورة هذا الأمر واضحة، وليس من المؤمل ان تخطو الصين مثل هذه الخطوة مع العراق الذي يفتقد كل مقومات الدولة، علاوة على الأوضاع الأمنية المتردية، بل ان الصين عزفت عن إنشاء مدارس في العراق (3000) مدرسة وحولت الصفقة الى مقاولين عراقيين، والعراق لا يمكن ان يقارن بايران من كل النواحي السياسية والامنية والاقتصادية.

نود أن نشير الى الملاحظات في أدناه:

ـ ان التعاون الايراني الروسي من شأنه ان يبعد الصين عن هذا النزاع، لأن ايران اصطفت الى جانب روسيا التي يعاديها الغرب والولايات المتحدة الامريكية، والصين لا تريد ان تتعاون مع ايران في ضوء هذا الإصطفاف، بل ان الإدارة الامريكية واوربا هددا الصين من مغبة تزويد روسيا بأسلحة متطورة، لذا فقد إتخذت الصين ـ ولو بالعلن ـ موقفا محايد من الحرب في اوكرانيا، وتبين هذا من خلال اعلان وزير الخارجية الصيني (تشين غانغ) في21/2/2023 أن ” بلاده قلقة جدا من النزاع الدائر في أوكرانيا الذي يتفاقم بل وبات يخرج عن السيطرة، وأن بلاده ستعمل على تعزيز حوار السلام، سنعمل مع المجتمع الدولي من أجل تعزيز الحوار والتشاور، ومعالجة مخاوف كل الأطراف، والسعي لتحقيق الأمن المشترك”؟

ـ باءت زيارة الرئيس الأيراني إبراهيم رئيسي للصين بالفشل لإقناعهم بالإستمرار في الإتفاقية الصينية الايرانية (400) مليار دولار لمدة (25) سنة، كإستثمارات صينية في ايران، وتحتوي الاتفاقية على تسعة بنود وثلاثة ضمانات. ان قلق بكين من دور الولايات المتحدة في تقوية نفوذها في بحر جنوب الصين أو مع تايوان أو هونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية، علاوة على موقفها تجاه إقليم شينجيانغ، تحاول الصين بدورها إثارة قلق الولايات المتحدة من خلال توسيع نفوذها في الخليج العربي، أي نوع من الإزعاج ليس أكثر.

ـ رأت الصين في السعودية البديل الأفضل من ايران، والمؤتمر الأخير في الرياض أبرز شاهد على ذلك. صحيح ان البلدين السعودية وايران نفطيان، لكن احتياطي السعودية أضعاف احتياطي ايران من النفط، والسعودية ذات اقتصاد متين واحتياطي نقدي سيادي ضخم على العكس من ايران وعملتها المنهارة (الدولار يساوي نصف مليون ريال). والسعودية دولة مستقرة وآمنة ليست لها مشاكل داخلية كما في ايران حيث تشتعل الثورة والنظام مهدد بالسقوط عاجلا أم آجلا.

ـ السعودية لا تعاني من حصار وعقوبات امريكية واوربية، كما هو الحال في ايران، وليس فيها مسؤولين على قوائم العقوبات، ولا توجد قوات سعودية على قوائم الإرهاب الدولي مثل الحرس الثوري الايراني. السعودية لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة واوربا وبقية دول العالم، على العكس من النظام الايراني المشاكس للشرعية الدولية، واذا تمكنت الصين من سحب السعودية الى بساطها، فهذا مكسب إقتصادي تحلم به.

ـ كان شعار إيران منذ زمن الخميني ( لا شرقية ولا غربية) وهو الذي إستعاره مقتدى الصدر وروج له دون ان يذكر انه شعار الخميني، وهذا الشعار يعني ان السياسة الخارجية الايرانية سوف تنأى بسياستها عن المحورين الأمريكي الغربي من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، في حين ان ايران ناقضت شعارها في إندفاعها للتعاون العسكري من روسيا في الحرب ضد اوكرانيا، وتأتي الاتفاقية الصينة الايرانية لتثبت التوجه الايراني الى (الشرقية).

ـ ربما تتجه السعودية للتطبيع مع اسرائيل مستقبلا، في حين ان هناك مخاوف من هجوم اسرائيلي على ايران بعد ان أكدت وكالة الطاقة الدولية بأن نسبة التخصيب في ايران وصلت الى 84% وهي نسبة عالية تؤهلها لإنتاج القنبلة النووية التي تحتاج الى تخصيب بنسبة 90%. حيث ذكردبلوماسيون لـرويترز إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة عثرت على يورانيوم مخصب بنسبة 84% في إيران، ولن تغض اسرائيل النظر عن هذا التهديد الايراني القادم.

ـ خنق الرئة التي تزود ايران بالعملات الصعبة من خلال تشديد رقابة البنك الفدرالي الامريكي على التعامل بالدولار في العراق، مما يعني المزيد من التدهور الإقتصادي في ايران، وانهيار متزايد للعملة الوطنية الايرانية، وهذا ما تبين بعد تشديد الرقابة على الدولار في العراق، فقد فقدت العملة الايرانية 60% من قيمتها خلال فترة وجيزة (انخفضت من دولار يساوي 500000 ريال الى 600000).

ـ تثير الاتفاقية الصينية الايرانية قلق الولايات المتحدة كما عبر الرئيس بايدن، وإسرائيل كما عبر نتنياهو، علاوة على حساسية السعودية والإمارات العربية، لأن النظام الايراني يمكن ان يستفيد من الاتفاقية في دعم وتمويل قواته في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة.

ـ من المعروف في علم الإقتصاد ان رأسالمال جبان، ولا يمكن ان يتجه للاستثمار في دول تعاني من العقوبات الإقتصادية، وعدم توفر الظروف الأمنية الملائمة للإستثمار، بل ايران دولة ترعى الإرهاب الدولي، ومهددة بحرب قادمة لا محالة. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الصفقة الجديدة ستبلغ 400 مليار دولار على مدى السنوات الـ 25 المقبلة – مما يعني أن الصين ستحتاج إلى استثمار 16 مليار دولار على أساس سنوي. وهذا مبلغ فلكي عند الأخذ في الاعتبار أن إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط في العالم وبلد غير مثقل بالعقوبات الأميركية، بلغ في المتوسط 5.1 مليار دولار فقط على مدى السنوات الخمس الماضية.

ـ عدم رغبة الصين بتأجيج التوتر مع الولايات المتحدة والدول الغربية الى أكثر من حالة الإزعاج والقلق، سيما بعد أن صرح بلينكن لـ (شبكة سي بي اس) في 20//2/2023 ” تحدثنا عن الحرب التي تشنها روسيا وعن قلق نشعر به لكون الصين تنظر في تقديم دعم فتاك الى روسيا، وحذر بلينكن الصين من تداعيات وعواقب في حال تبين أنها تقدم دعما ماديا إلى روسيا في حربها في أوكرانيا، أو أنها تساعدها في الإفلات من العقوبات الغربية، وفق ما صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية (نيد برايس) بدورها، شككت نائبة الرئيس الاميركي كامالا هاريس من ميونيخ السبت في الحياد الذي تبديه الصين. وقالت إن الولايات المتحدة ” قلقة من قيام الصين بتعميق علاقاتها مع موسكو منذ بدء الحرب وأضافت هاريس أن أي خطوة من الصين تهدف إلى تقديم دعم فتاك إلى روسيا من شأنها فقط مكافأة العدوان ومواصلة عمليات القتل. في آخر تصريح لبلينكن، جاء فيه ” في الصين، لا يوجد فرق حقيقي بين الشركات الخاصة والتابعة للحكومة، رأيناها (تلك الشركات) تقدم دعمًا غير قاتل لروسيا لاستخدامه في أوكرانيا، القلق الذي يساورنا الآن هو، بناءً على المعلومات المتوفرة لدينا، أنهم يفكرون في تقديم دعم مميت”.

الخلاصة

ان الاتفاقية الصينية ذهبت كهواء في شبك، لأنه ببساطة لا توجد أي مقومات حقيقية لتنفيذها، كما أن البديل متوفر، ويتمثل في المملكة العربية السعودية الشقيقة. لو تركنا السياسة جانبا، وقلت لتاجر ما: هل تفضل ان تستثمر اموالك في دولة مضطربة ومهددة بالحرب ومحاصرة اقتصاديا، وعملتها متدهورة، او في دولة آمنة ومستقرة ومسالمة وغنية؟ الجواب لا يحتاج الى تفكير عميق.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *