مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات العراقيَّة يتصاعد الحديث عن دَوْر المال السِّياسي الذي يستخدمه الكثير من السِّياسيِّين الذين يراهنون هذه المرَّة على رجال الأعمال الذين يتمتعون بعلاقات مع نخب العراق ورموز المُجتمع العراقي في محاولة لقلب المعادلة، التي كان السِّياسيون يتصدرونها ويقودون المشهد السِّياسي بأموال ودعم رجال الأعمال. على الرغم من أنَّ محاولة هؤلاء محفوفة بالمخاطر، إلَّا أنَّهم مصمِّمون على خوض التجربة بتشكيلة قوائم انتخابيَّة؛ عمادها رجال أعمال واقتصاديون، اتَّخذت العراق عنوانًا لحملتهم الانتخابيَّة.
ولَمْ يقتصر سَعيُ أصحاب هذه الرؤية إلى تصحيح مسار المعادلة بَيْنَ السِّياسة والمال، وإنَّما تفرَّدوا بطرح نموذج جديد في مسار العمل السِّياسي، بخوض الانتخابات بقوائم نكهتها اقتصاديَّة، وقاعدتها سياسيَّة في محاولة لتوأمة طرفَي المعادلة في سابقة غير مسبوقة في الحياة السِّياسيَّة في العراق. ويراهن رجال الأعمال المقتدرون بإمكانهم على قيادة العمل السِّياسي، مستشهدين بالنموذج الإماراتي في عمليَّة التغيير والبناء والتحديث والتنمية. في محاولة لتجاوز مقولة «إنَّ رأس المال جبان» ليعيدوا صياغتها وبما يُعزِّز دَوْر رجال الأعمال في الحياة السِّياسيَّة. ويقابل هذه التجربة والمنحى هو المال السِّياسي الذي يُشكِّل أحد أكبر العوائق التي تواجهها الأحزاب الصغيرة والناشئة في مقدِّمتها مرشَّحو انتفاضة تشرين خلال انتخابات مجالس المحافظات التي يستعدُّ العراق لإجرائها في 18 كانون الأوَّل القادم.
خلال العمليَّات الانتخابيَّة التي شهدها العراق منذ عام 2005، لعب المال السِّياسي دَوْرًا كبيرًا، فالأحزاب الكبيرة والمرشَّحون المدعومون مِنْها، طالما استخدموا مبالغ ماليَّة كبيرة في سبيل الحصول على أصوات الناخِبين بَيْنَما كانت حظوظ المرشَّحين المستقلِّين وعدم المدعومين من الجهات السِّياسيَّة الكبيرة قليلة في الحصول على نتائج جيِّدة في هذه الانتخابات، إلَّا أنَّ القوى الناشئة والصغيرة ما زالت متخوِّفة من المال الموجود بَيْنَ يدَي الأحزاب الكبيرة واستخدامها خلال انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.
وما يزيد من مصاعب توأمة المال والسِّياسة تأخُّر إقرار تشريع قانون الأحزاب الذي لَمْ يشرعه البرلمان العراقي حتَّى الآن، وهو الأمْرُ الذي تطالب به القوى الناشئة الذي سيضع حدًّا لتغوُّل الأحزاب الكبيرة التي تمسك بزمام أمور البلد ويرفع سِريَّة الأموال التي تتقاضاها ويجعل النظام السِّياسي أكثر توازنًا وعدالة.إنَّ المال السِّياسي أبرز عائق تواجهه الأحزاب الصغيرة والمستقلَّة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة؛ لأنَّ أبرز الأحزاب التقليديَّة هي التي تملك المال السِّياسي؛ وبالتَّالي ستتمكَّن بسهولة من جلب المرشَّحين الذين يملكون أصواتًا كثيرة، بالتَّالي تفرغ قوائم الأحزاب الناشئة والمستقلِّين من المرشَّحين.
يُشار إلى أنَّ المفوضيَّة العُليا المستقلَّة للانتخابات كشفَتْ عن أنَّ عدد الأحزاب المسجَّلة للمشاركة في العمليَّة الانتخابيَّة بلغت حتَّى الآن 300 حزب وتحالف.إنَّ تكاليف الحملات الانتخابيَّة زادت عدَّة أضعاف في الانتخابات الماضية بسبب تحويل المحافظة إلى دائرة انتخابيَّة واحدة، بعد أن كانت المحافظة تنقسم لدوائر متعدِّدة، الشيء الذي كان يُلزم المرشَّح بِنَشْرِ دعايته الانتخابيَّة في منطقته فقط وليس في عموم المحافظة.وربَّما تجربة ثنائيَّة المال والسِّياسة قَدْ تُمهِّد الطريق لِبَلْوَرة رؤية للسَّاعين من أجْل هذا الخيار وترجمته على أرض الواقع في الانتخابات البرلمانيَّة المقبلة عام 2025.