البرلمان العراقي وتصفية الحساب على السيادة

البرلمان العراقي وتصفية الحساب على السيادة
آخر تحديث:

بقلم: سمير داود حنوش

 لم يكن بول بريمر الحاكم المدني للعراق بعد عام 2003 يعلم أن جزءاً ممن كان يجتمع بهم ويوزعهم على مناصب النظام الجديد سيقودون عملية سياسية وعسكرية تحاور من يخلفه على الوجود الأميركي في العراق.استنزف العراق الكثير من الوقت العقيم فيما إذا كان احتلالاً أو تحريراً، تتبناه مواقف تتبدل بسرعة. فمن كان يقاوم بالأمس أصبح يرى الوجود الأميركي معادلاً ضرورياً لتوازن القوى، وأصدقاء واشنطن بالأمس أصبحوا يرونها اليوم عبئاً ثقيلاً يضايق حليفتهم إيران، وهكذا يتجدد النقاش ولا يهدأ في كل حدث أو مأزق يمر به النظام السياسي.مناسبة الحديث هو انطلاق الحوار العراقي – الأميركي من أجل جدولة الانسحاب من العراق حسب الرواية العراقية.بين التاسع من أبريل 2003 حين أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش إسقاط نظام صدام حسين إلى زمن السابع من أبريل 2021 حين أعلن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي اتفاقاً مع الولايات المتحدة على إخراج قواتها من العراق وجدولة انسحابها، فترة من السنوات حافلة بالأحداث السياسية.

البرلمان العراقي حاول عقد جلسة استثنائية يوم السبت العاشر من فبراير 2024 لمناقشة الاعتداءات المتواصلة على السيادة العراقية من قبل الجانب الأميركي بعد محاولات قصف بمُسيّرات وصلت إلى قلب العاصمة بغداد، واستهدفت عدداً من قادة الفصائل المسلحة ومعسكرات للحشد الشعبي، لكن نِصاب الجلسة لم يتحقق بعد أن حضرها 82 عضواً من البرلمان من أصل 160 نائباً وقّعوا على حضور الجلسة والتصويت لإخراج القوات الأميركية، في تأكيد لحقيقة لا يحجبها غربال الأوهام والخداع أن غالبية أعضاء البرلمان العراقي لا يريدون إنهاء مهمة التحالف الدولي وإخراج القوات الأميركية من بلادهم، لتتحول الجلسة إلى تداولية لمناقشة تلك الاعتداءات! داعين الحكومة العراقية إلى اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية لحماية سيادة العراق.

يحاول كل من الحكومة والبرلمان العراقي المناورة ورمي الكرة في ملعب الآخر، منعاً لإحراج حكومة محمد شياع السوداني التي تواجه ضغطاً من الفصائل المسلحة لاتخاذ قرار إخراج القوات الدولية من البلاد.ثمة حقيقة غائبة عن الأذهان أن القوات الأميركية عادت إلى العراق في 22 يونيو 2014 بطلب منه بعد أحداث داعش واحتلاله ثلث مساحة العراق، حيث تم منح تلك القوات الحصانة الدبلوماسية كتلك التي تُمنح للموظفين والإداريين في السفارات بموجب اتفاقية فيينا 1961، وبموجب ذلك الاتفاق فإن تلك القوات دخلت بطلب عراقي ومن الممكن إخراجها عن طريق إلغاء ذلك الطلب كما نصت المادة “4/أولاً” من اتفاقية SFA وترافق ذلك مع حديث من الجانب الأميركي بعدم تسلمه أيّ طلب من الحكومة العراقية بخصوص الانسحاب، مما يعني أن هناك أطرافاً تراهن على عامل الزمن من أجل رفع الحرج والضغط السياسي.

غاب عن جلسة التصويت تحت قبة البرلمان نواب العرب السنة والكرد مما يؤكد وجود رغبة لوجود القوات الأميركية ما دام هناك وجود آخر لدول أخرى تنفذ هجمات ووجود مسلح وإن كان بمسميات عراقية، لأن مفهوم السيادة واحد لا يتجزأ وهو منتهك من قبل الجميع مما قد يعطي الحجج والذرائع لدول أخرى لإشغال الفراغ الذي قد يسببه خروج قوات التحالف حسب نظرية المعترضين على خروج القوات الأميركية، لكن اللعبة لم تنته تفاصيلها ولن تتوقف عند عرقلة جلسة التصويت إذ يبدو أن منصب رئيس مجلس النواب الذي هو من حصة المكون السني سيظل شاغراً حتى نهاية هذه الدورة التشريعية وعدم إشغاله من أيّ مرشح للمكون خصوصاً بعد تهديدات الإطار التنسيقي بكسر نِصاب جلسة اختيار الرئيس رداً على محاولات السنة والكرد تعطيل الجلسة.قرار البرلمان العراقي رقم 18 لسنة 2020 الذي يتضمن إخراج القوات الأجنبية وإنهاء مهامها في العراق لم يصوت عليه، مما يؤشر على وجود خلاف سياسي عميق بين المكونات الطائفية والعرقية في العراق ويعكس واقعاً من التخبط السياسي.ينسى هؤلاء أن استعادة السيادة العراقية تبدأ من ترتيب البيت الداخلي للعراق أولاً، ثم تكوين رؤية موحدة تُعبّر عن إرادة العراقيين وقرار وطني شجاع يُعبّر عن موقفهم وليست مساومات ومزايدات ومصالح طرف على حساب طرف آخر.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *