التطبيع بذريعة التعويض: هكذا تبيع إيران وتشتري بالعراق بقلم عبد الواحد الجصاني

التطبيع بذريعة التعويض: هكذا تبيع إيران وتشتري بالعراق  بقلم عبد الواحد الجصاني
آخر تحديث:
أولا :الوقائع
في شباط 2009دعا عضو البرلمان العراقي المنشأ في ظل الإحتلال محمد ناجي محمد، من كتلة الإئتلاف العراقي الموحّد، الإيرانية الولاء، دعا حكومة المالكي إلى المطالبة بالتعويضات من إسرائيل عن هجومها العسكري على مفاعل تموز في7/6/1981 إستنادا الى قرار مجلس الأمن 487 الصادر في 19/6/1981. ووافقت حكومة المالكي ممثلة بخارجية زيباري على المقترح ودعمته. وفي 3/5/2009 طالب رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان وعضو لجنة العلاقات الخارجية فيه النائب نصار الربيعي بإصدار قانون أو التصويت على قرار في البرلمان كي تلزم به الحكومة المطالبة بالتعويض. وبتاريخ 13/5/2009 إجتمعت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب برئاسة همام حمودي (من الإئتلاف الموحد) مع وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي لبحث الخطوات المقبلة لتنفيذ هذا المفترح.
 ورافق هذا التحرك حملة إعلامية في وسائل إعلام الحكومة والأحزاب ذات المنشأ الإيراني ركزت على إدانة مواقف حكومة العراق الشرعية القائمة قبل الإحتلال (لتفريطها بحقوق العراق وتجاهلها مطالبة إسرائيل التعويضات)، وأثنت الحملة على موقف الحكومة والبرلمان المنشأين تحت الإحتلال لسعيهما (لرفع الضيم والحيف الذي أصاب العراق) مذكرين بإن (إسرائيل نفسها أخذت تعويضات من العراق عن الصواريخ التي أطلقها النظام السابق عليها عام 1991، وهذا حق عادي، وان المطالبة بالتعويضات والحصول عليها من إسرائيل لا يعني الإعتراف بها). [ انظر تصريحات نصار الربيعي في جريدة الشرق الأوسط يوم 4/5/2009].
إن الوقائع القانونية والسوابق والوقائع على الأرض تشير الى أن مطلب التعويض يخفي ورائه هدف التطبيع مع الكيان الصهيوني، مثلما توضّح الفقرات الآتية.
ثانيا : هل يمكن مطالبة مجلس الأمن بفرض التعويضات على إسرائيل بموجب قراره 487(1981) :
إن طلب تعويضات من الكيان الصهيوني من خلال مجلس الأمن هو أمر غير واقعي وغير ممكن للأسباب الآتية :
1 — نصّ قرار مجلس الأمن 487 (1981) في فقرته العاملة السادسة على (يرى مجلس الأمن أن للعراق الحق في الحصول على تعويض مناسب عن التدمير الذي تعرض له والذي أقرّت إسرائيل بمسؤوليتها عنه). وبهذه الفقرة أيّد مجلس الأمن المبدأ العام للتعويض ولم يتطرق الى آلية التعويض أو مبلغه بإعتبار أن ذلك من إختصاص الجهات القضائية الدولية أو يمكن حلّه بإتفاق ثنائي بين الطرفين. وسبق لمجلس الأمن أن أقرّ مبدأ التعويض في حالتين، وهما في قراره 290 في 8 كانون الاول 1970 عند غزو البرتغال لدولة غيينا وفي قراره 387 في 31 اذار 1976 عندما قامت جنوب افريقيا بعدوان ضد انغولا. ولم يتابع مجلس الأمن كيفية تنفيذ القرارين بإعتبار المجلس هيئة سياسية وتلك قضية قانونية.
2 – القرار 487 (1981) لم يعتمد بموجب الفصل السابع من الميثاق الذي يجيز إتخاذ إجراءات قسرية لتنفيذه، لذلك لا سبيل للعودة الى مجلس الأمن، بعد ثمان وعشرين سنة من إعتماد القرار، ومطالبته بإتخاذ إجراءات قسرية تجبر إسرائيل على تنفيذه
3 – طالبت الفقرة العاملة االخامسة من ذات القرار487(1981) إسرائيل (أن تخضع، بشكل عاجل، منشآتها النووية لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، أي أن تتخلى عن برنامجها النووي التسليحي. ورغم (عجالة) هذا الطلب وتأكيد جامعة الدول العربية ومنظمة حركة عدم الإنحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي في جميع قراراتها وبياناتها، منذ عام 1981 ولحد الآن، على ضرورة تنفيذ هذه الفقرة، إلا إن شيئا لم يتحقق وتحقق العكس فقد زاد الكيان الصهيوني من ترسانته النووية وبدأ قادة هذا الكيان بالحديث العلني عن إمتلاكهم السلاح النووي والتهديد بإستخدامه.
4 – لم يسبق للكيان الصهيوني، منذ تأسيسه، أن نفّذ أيا من قرارات (الشرعية الدولية) التي تتعارض مع مصالحه، وهو يتمتع بحماية أمريكية كاملة في مجلس الأمن وخارجه. وهذا القرار، شأنه شأن عشرات القرارات الأخرى التي إتخذها مجلس الأمن بشأن إسرائيل، يفسرها الكيان الصهيوني وينفذها بطريقة تتناقض مع القانون الدولي، فعلى سبيل المثال القرار المشهور 242 (1967) طالب إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 ففسرت إسرائيل الأراضي المحتلة بإنها (أراض محتلة) وليس كل الأراضي المحتلة وفي التنفيذ عملت على تكثيف الإستيطان في الأراضي المحتلة وليس الإنسحاب منها
ثالثا : هل أن مطالبة إسرائيل بتعويضات هو أمر عادي كونها أخذت تعويضات من العراق، وأن هذه المطالبة لا تستوجب الإعتراف بإسرائيل؟
1 – إن التعويضات المفروضة على العراق هي حالة فريدة في العلاقات الدولية تجمعت فيها كل عناصر الظلم والإنتقام وخرق القانون الدولي، وأسست بعشرات قرارات مجلس الأمن المعتمدة بموجب الفصل السابع من الميثاق، ومن الجهل المطبق، أو المكر الصفوي، مقارنتها بفقرة تؤيد حق العراق بالتعويض وردت في القرار 487(1981) المعتمد بموجب الفصل السادس من الميثاق.
لقد أسست التعويضات ضد العراق بسياق طويل إبتدأ بالقرار 674(1990) الذي إعتبر العراق (مسؤولاً عن أي خسارة مباشرة أو ضرر مباشر بما في ذلك الضرر اللاحق بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية أو الضرر الواقع على الحكومات الأجنبية أو رعاياها أو شركاتها نتيجة لغزوه واحتلاله غير المشروعين للكويت). ثم أردف بالقرار686(1990) الذي اعتبر قبول العراق بدفع التعويضات واحداً من شروط وقف إطلاق النار، ثم تلاه القرار 687(1991) الذي طلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم توصيات إلى مجلس الأمن بشأن إنشاء صندوق لدفع التعويضات وانشاء لجنة لإدارة الصندوق واقتراح المستوى المناسب لمساهمة العراق في الصندوق، وقدم الأمين العام تقريره ووافق عليه مجلس الأمن بقراره 696(1991) وبذلك أسست لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة وأنشئ صندوق التعويضات، ثم أوصى الأمين العام استقطاع ما لا يزيد عن 30% من صادرات العراق من النفط و المنتجات النفطية وأقر مجلس الأمن هذه النسبة بقراره 705 (1991)، ثم صدر قرار مجلس الأمن 778 (1992) بتمويل صندوق التعويضات من الأموال العراقية المجمدة، ثم صدر القرار 986(1995) الذي نصّ على إستقطاع 30% من موارد برنامج (النفط مقابل الغذاء) لتمويل صندوق التعويضات، ثم خفضت نسبة الاستقطاع من 30%إلى 25% بموجب قرار مجلس الأمن 1330 في 5/12/2000، وبعد الاحتلال الامريكي للعراق خفضت النسبة إلى 5% بموجب قرار مجلس الأمن 1483 (2003).
 وهكذا يتضح إنها المرة الأولى، وعلى الأرجح الأخيرة، في تاريخ مجلس الأمن أن لا يكتفي بإقرار مبدأ دفع التعويضات بل وأيضا ينشيء، بموجب الفصل السابع من الميثاق، وبإشراف مجلس الأمن وليس الجهات القضائية الدولية،  آليات محددة للنظر في مطالبات التعويض وحسمها وتأسيس صندوق للتعويضات يمول من موارد العراق وتشكيل لجنة للنظر في طلبات التعويضات وإقرارها، وحرم العراق من مشاركة ممثل عنه في لجنة التعويضات وحرمه من الإطلاع قبل وقت مناسب على طلبات التعويضات أومناقشتها. وهكذا كانت الدول والأفراد تقدم طلباتها للجنة التعويضات واللجنة تقرر والأمم المتحدة تصرف المبالغ من أموال العراق في الحساب المغلق لديها، والعراق آخر من يعلم. وأحيانا كانت الدول والأفراد يقدّمون مطالبات فتقوم لجنة التعويضات بمنحهم أكثر مما طلبوا. فعلى سبيل المثال طلبت الكويت تعويضا مقداره 12. 7 مليار دولار عن قيمة النفط الذي لم تصدره أثناء الإحتلال (أي أن النفط بقي في المكامن النفطية ولم يصدّر) فزادت اللجنة مبلغ التعويض 16. 7 مليار دولار.
2 – إن المعطيات القانونية والسوابق الدولية تؤكد أن المطالبة بالتعويضات إستنادا الى قرار مجلس الأمن 487 (1981) يعني، بشكل آليّ،  الإعتراف والقبول بالكيان الصهيوني كدولة وشخصية من شخصيات القانون الدولي، ويعني كذلك الإستعداد للجلوس والتفاوض مع الكيان الصهيوني. والصيغ المتبّعة قانونيا في موضوع التعويضات هي، إمّا بالإتفاق الثنائي بين الطرفين المعنيين او باحالتها الى الجهة المختصة بموجب احكام ميثاق الامم المتحدة وهي محكمة العدل الدولية طبقا لاختصاصاتها وآلياتها الواردة في المادتين 92 و96 من الميثاق. وإن اللجوء لمحكمة العدل الدولية يتسوجب موافقة الكيان الصهيوني على ولاية المحكمة في هذه القضية، أو أن تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة أو وكالاتها المتخصصة أو مجلس الأمن من المحكمة رأيا إستشاريا، وفي جميع الأحوال فإن محكمة العدل الدولية لن تحسم المسألة، بل ستحدد الالتزام المبدئي بتقديم التعويضات وتترك للأطراف المعنية الاتفاق حول حجم المبالغ وطريقة تنفيذ ذلك الألتزام، أي بكلمة أخرى إن كل آليات المطالبة بالتعويضات تستوجب الإعتراف بالكيان الصهيوني والتفاوض والتطبيع معه.
ومن المتوقع أن يرفض الكيان الصهيوني ولاية محكمة العدل الدولية ويقبل بالحل الثنائي، وهو يعلم أن الحل الثنائي يعني إعترافا رسميا به، وأنه سيعمل على إطالة فترة المفاوضات الى عقود قادمة يأخذ فيها كل شيء دون أن يدفع شيئا.
رابعا : ما هو الهدف الحقيقي لهذه المطالبة :
أمّا لماذا وجهت إيران عملائها في العراق طرح هذا المقترح الذي يقود في النهاية الى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فيبدو أنها رسالة مزدوجة موجهة منها الى الولايات المتحدة وإسرائيل تقول فيها أولاً إنها الحاكم الفعلي في العراق وأنها قادرة على تحديد مسار وعلاقات الحكومة العراقية وفرض ما تشاء عليها، وتقول فيها ثانيا أنها راغبة في تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وأن دفع حكومة العراق بهذا الإتجاه هو (عربون) حسن نوايا مقابل أن تعترف أمريكا وإسرائيل بإيران كقوة إقليمية ودولة نووية وتوافق على قيامها بملء الفراغ في العراق بعد خروج المحتل.
 قد يستغرب البعض فرضيّة أن إيران تدفع عملائها في العراق للتطبيع مع الكيان الصهيوني بينما هي تعلن أن هذا الكيان يجب أن يزال من الخارطة. ويزول هذا الإستغراب إذا راجعنا مجمل علاقة نظام ولاية الفقيه بالكيان الصهيوني. فهذا النظام لا يملك موقفا مبدئيا رافضا للكيان الصهيوني، بل يستخدم (ورقة) الرفض لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية، وعندما يجد في التعامل مع الكيان الصهيوني مصلحة، يتعامل معه بلا خجل، بضمن ذلك نقل الأسلحة مباشرة من هذا الكيان الى إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية (فضيحة إيران غيت)، كما يستخدم النظام الإيراني ورقة التلميح أو التصريح بالإعتراف بالكيان الصهيوني لتحقيق مكاسب سياسية. وما موافقة أحمدي نجاد، في لقائه مع شبكة أي بي سي الإخبارية الأمريكية يوم 26 نيسان 2009، على أن يتوصل الفلسطينيون إلى إتفاق سلام مع الإسرائيليين يقوم على حلّ الدولتين، والتي تعني إعترافا ضمنيا بالكيان الصهيوني، إلا نموذجا ظاهرا من هذه المواقف، وما خفي كان أعظم.
لذلك لا غرابة أن يستخدم نظام ولاية الفقيه الإيراني عملائه في المنطقة لنقل هذه الرسائل.
وقد تزامنت مطالبة كتلة الإئتلاف (الإيراني) في البرلمان العراقي بالتعويض من الكيان الصهيوني مع إعلان محمد حسين فضل الله في لبنان عن (أهمية الحوار مع اليهود في كل شيء شريطة أن لا تكون الشخصيات المحاورة من الظلمة والفاسدين في الأرض).
خامسا :ملاحظات ختامية :
1- لقد كان موقف حكومة العراق الشرعية في تجاهل الفقرة السادسة من قرار مجلس الأمن 487(1981) الخاصة بالتعويضات موقفا مبدئيا. وكان ردها القوي والفعلي على هذا العدوان هو بالإنتصار على العدوان الإيراني وبتعزيز وحدة قوى المقاومة العربية وبدعم المقاومة الفلسطينية، ولاحقا، عام 1991، بالرد العسكري بقصف الكيان الصهيوني بأربعين صاروخا من صواريخ (الحسين). ثم جاءت المنازلة الكبرى عام 2003 وإستطاعت المقاومة العراقية أن تثأر لكل هزائم الأمة وتذيق الولايات المتحدة، حامية الكيان الصهيوني، أقسى هزيمة بتاريخها.
2 – لو كان في الحكومة المنشاة في ظل الإحتلال نصف وطني واحد لطالب بتعويضات عادلة من الولايات المتحدة ومن كل الدول التي تعاونت معها في احتلال العراق وتدمير دولته، وتقف الكويت وإيران في مقدمة هذه الدول. وأصبح معروفا للجميع أن إيران والكويت تحتلان أجزاء من أرض العراق فيهما حقول نفطية عملاقة وتسرقان نفط العراق بشكل متواصل، كما أن لا سبيل لوقف نزعة الإنتقام الكويتية من العراق إلاّ بإعلان لا شرعية جميع قرارات مجلس الأمن المتخذة خلافا للقانون الدولي، بدءا بقرار الحصار الجائر 661(1990)، خاصّة بعدما إتضح للعالم أجمع أن هذه القرارات بنيت على إدعاءات ملفقة. أما بشأن الكيان الصهيوني فالأولوية هي لوقف تغلغله الإستخباري والسياسي والإقتصادي والثقافي في العراق بشكل عام وفي المحافظات الشمالية بشكل خاص.
3 – بعد أكثر من ست سنوات على الإحتلال، ثبت أن الحكومات المنشأة تحت الإحتلال هي أدوات بيد المحتلين الأمريكي والإيراني ولم تتخذ يوما قرارا أو إجراء لصالح العراق، وجميع قراراتها وإجراءاتها، مهما بدت في الظاهر مقبولة، هي في النهاية لا شرعية وتخدم مصالح المحتلين، وآخر مثال على ذلك هو قرار المالكي منح محافظة البصرة نسبة من واردات النفط المستخرجة من المحافظة، وهو قرار ظاهره (إعادة إعمار البصرة) وجوهره تهديد وحدة العراق وجعل المحافظات كيانات إقتصادية مستقلة بعد أن جعلها دستور نوح فيلدمان كيانات سياسية مستقلة. فبعد البصرة طالبت كركوك بنسبة من النفط المنتج منها، ثم طالبت ميسان بذلك، وستطالب بقية المحافظات بالإستيلاء على الثروات التي تحتويها أرضها أو يضفيها عليها موقعها سواء أكانت الماء أو المعادن أو المصانع أو الثروة الزراعية، أو حتى فرض ضريبة الترانسيت على ما يمر في أراضي المحافظة من بضائع! إضافة الى أن ذلك سيشجّع تعامل المحافظات مع الدول الأجنبية وتكوين علاقات سياسية وإقتصادية وعسكرية معها خارج سيطرة الدولة المركزية، أي بكلمة أخرى تعميم وضع المحافظات الشمالية الثلاث على بقية المحافظات، والسير قدما في مخطط تفتيت العراق.
4 – إن الحقائق أعلاه تؤكد أن حقيقة الإحتلال وعملاء الإحتلال أصبحت مكشوفة ومعروفة للعراقيين وللعالم أجمع، وأن أيام الإحتلال أصبحت معدودة، والمقاومة هي الممثل الشرعي والوحيد لشعب العراق، والنصر صبر ساعة.

والله المستعان

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *