الجشع هو الرغبة النهمة في الاكتناز بكميات غير ضرورية أو تتجاوز احتياجات المرء ، والأكثر شيوعًا هو المال والممتلكات المادية ، حيث يجد بعض الناس صعوبة في الشعور بالرضا عن النفس والامن الداخلي دون المال الوفير .
ان الرضا والقناعة لاتأتي من كثرة المال ، وانما من الشعور بالامن والأمان الشخصي . ولايتوفر مثل هذا الشعور الا من خلال استتاب الامن واستقرار المجتمع .
فاستقرار البيئة الاجتماعية والوسط الذي يعيش فيه الأفراد، يحقق الأمن ويضمن حياة الناس وأموالهم ومستقبلهم ، ويتبعه الأمن الداخلي والشعور بالراحة والطمأنينة من خلال توفير الخدمات العامة مثل التعليم والضمان الصحي والماء والكهرباء وغيرها من الخدمات الاساسية لكل انسان .
وباستقرار النظام السياسي يعم السلام والآمان ويتحقق الانضباط الاجتماعي الذي يمنع الانفلات بكل أشكاله المدنية والعسكرية .إنّ التحولات والمتغيــــرات المتسارعة الجارية في المنطقة توجب إعادة النظر بمفهوم الامن والامان . .فهو بالاضافة الى توفير الامن والسلامة للمواطنين ، فان له ابعادا اخرى لاتقل اهمية عن ذلك
مثل تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ، التي تضمن السلم الاهلي ، اضافة الى ايجاد فرص عمل مناسبة .ان الشعور بالظلم والقهر والبطالة وغياب العدالة يسحق المواطن ويشيع المخاوف والتوترات في المجتمع .
ان هوس الناس في جمع الاموال بشتى الطرق والوسائل يعود الى حاجتهم للامن النفسي وهذا يتعلق بسياسة الدولة العامة ومدى قدرتها على توفير الامن والخدمات للمواطنين .
حيث ان الاحساس بالامن الشخصي يوفر الامن الاجتماعي ومايتبعه من الامن المالي والغذائي والثقافي وكل ماله علاقة بحياة المواطن …كما ان تقديم الخدمات العامة للمواطنين مثل الرعاية الصحية والماء والكهرباء والتعليم وغيرها ، تضمن للمواطن الحياة الكريمة ، وتقضي على الكثير من المشاكل الاجتماعية ، مثل تعاطي المخدرات وتزايد حالات الانتحار ، وزيادة معدلات الجريمة والإخلال بالأمن والسلامة العامة .
ان ذلك يظهر بوضوح من نظرة الفيلسوف الهولندي سبينوزا إذ يقول في كتابه “اللاهوت والسياسة” “إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة أو إرهاب الناس أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين؛ بل هي تحرير الفرد من الخوف ليعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير .
الجشع نتاج حالة نفسية مريضة تشجع على الاستيلاء على الثروة وتكديسها ، لدرجة أنها تصبح المحور والشغل الشاغل .هذه النزعة المريضة تؤكد السعادة الوهمية وتؤدي الى التضحية بكل القيم من أجلها .ولذلك نجد كثير من الاشخاص استبدلوا الاخلاق والقيم بالمال .
واذكر اننا في السبعينات من القرن الماضي لانستطيع اعطاء بخشيش الى عامل محطة الوقود لكون ذلك يعد انتقاصا من كرامته ، وان عزة نفسه تمنعه من مد يديه الى الآخرين . لانه يحترم نفسه وشخصيته ، والبخشيش اشبه بالصدقة ، وهو لايريد من احد ان يستصغره . في حين اننا نشاهد الان مدراء عامون يمدون ايديهم بكل وضاعة للاخرين . وكثير من الموظفين يطلبون مبالغ لانجاز المعاملات دون وجل او خجل .
لقد اصبح الحصول على المال باي وسيلة كانت مرض معدي ينتقل عن طريق قادة السياسة والمجتمع ومن علاماته الشعور بالقلق والتوتر الناجم عن عدم الاشباع الدائم .
ان مايجري في مجتمعاتنا من هوس الثراء الفاحش والحصول على المال باي وسيلة، نابع من عدم الشعور بالامن الشخصي والاجتماعي .
ان المال يوفر حاجات عديدة للانسان ، الا ان التكالب عليه وجمعه ولو على حساب الغير ، وباي وسيلة كانت يولد الانانية والاحاسيس المريضة من قلق وخوف مستمر ، وبالتالي يفقد الانسان انسانيته .
وان امتلاك المال باي وسيلة كانت لايجلب الرضا ، ولا يحقق الاحلام . ما يهم حقًا هو السعادة التي يحظى بها الانسان في الحفاظ على كرامته وشرفه من خلال العيش المشترك بتآلف وامان .