لو كانت الأعراف الدبلوماسية نافذة في بلد طبيعي تتحكم به سيادة ونظام سياسي يحترم قوانينه، لتم فوراً طرد السفيرة الأميركية من العراق بتهمة التدخل في شؤونه الداخلية.إلينا رومانوسكي السفيرة الأميركية فوق العادة التي تحمل مزيجاً من العسكر والمخابراتية والدبلوماسية، ما يعني أنها الممثل الرسمي للرئيس جو بايدن في العراق، رومانوسكي زارت الجميع ممن يدّعون أنهم أصحاب المشهد السياسي، جالست السلطات الثلاث، لم تترك وزارة أو مسؤولاً أو زعيماً إلا ونال بركات تعاليمها وأُحجية نصائحها، التقت بالناس في الشارع، افتتحت مطاعم ومحطات كهرباء، تقود الإدارة والتوجيهات لعدد من منظمات المجتمع المدني، يُشبّهها العراقيين بمس بيل المستشرقة البريطانية التي وضعت بصماتها على الخارطة السياسية للعراق عندما دخلته في عام 1914 بعد احتلاله من قبل الإنجليز، الخاتون هو توصيف السابقة واللاحقة كما أُطلق عليها.
دعونا نقلب الصورة ونتخيّل أن سفيراً للعراق تخطّى جدران سفارته أو أبوابها وزار مؤسسات والتقى بسياسيين وصُنّاع قرار ذلك البلد، تُرى هل كان سيبقى مُمارساً لعمله على أرض تلك الدولة، وكم استدعاء واستنكار وربما قطع العلاقات الدبلوماسية مع العراق فيما لو تجرأ أحد سفرائه على تخطّي حدود العمل الدبلوماسي حتى ولو في جُزر القُمر.
ظن العراقيون أنها مُزحة أو برنامج الكاميرا الخفية حين وصلتهم تغريدة رومانوسكي التي تعبّر عن ترحيبها بمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وهو يزور العراق، حيث دعت الدبلوماسيين في الشرق الأوسط لكي يزوروا هذا البلد ويروا التحول في صورته الجديدة التي تضع الشعب العراقي والاستثمار وخلق فرص عمل، والخدمات والاستقرار الإقليمي كأولويات لدى المسؤولين العراقيين، ازداد اليقين بما لا يقبل الشك أنها المسؤول التنفيذي الأول في العراق وأن حكومة من يدّعون المقاومة أصبحت لا تجرؤ حتى أن ترفع عينها بوجه السيدة الأولى بعد أن نالوا رضاها لتشكيل حكومتهم.
صدها وذلك العُهر السياسي من حكومة رومانوسكي التي انقضّت وافترست بلداً كان له اسم على الخارطة الجغرافية أم حفنة من الذين ارتضوا لأنفسهم الخنوع والهوان لحكم المحتل.لا تتورع رومانوسكي بالتكلم نيابة عن العراقيين، حيث لم يبق سوى صدور مرسوم جمهوري لتعيين رومانوسكي حاكماً للعراق، وهي فعلاً كذلك فَلِمَ الإنكار والتنصّل أيها الماسكون بزمام السلطة الذين صدئت منصات إطلاق صواريخكم ولم تعد تنطلق باتجاه سفارة إلينا، وخفّت تصريحاتكم عن طرد المحتل الذي أصدره برلمانكم.
سياسة الترويض التي تتبعها رومانوسكي المدربة مخابراتياً بشكل احترافي يجعلنا على يقين أنها لا تتصرف بشكل عبثي أو فوضوي، وقد نرى نتائج تلك السياسة في قادم الأيام.كثيراً ما نقع ضحية الاستهزاء بعقولنا حين نظن أننا في دولة ذات سيادة وقانون، لو كان بلدنا طبيعياً لما وجدنا رومانوسكي وهي تُجالس وزيراً أو سياسياً أو حتى رئيساً، لكنه العراق الضائع في كل شيء، فلماذا لا تضيع معه الأعراف الدبلوماسية وسياقات التعامل بالمثل بين الدول.ينتاب العراقيين سؤال لا يجدون له إجابة في واقعهم المسحوق سحقاً عن الجدوى من إقامة انتخابات وتحشيد السلطة لها إذا كان القرار الأخير سيصدر من الفاعل الخارجي، وبيادق تحركها أصابع تتحكم بها عن طريق الريموت الكونترول.البعض أصبح على يقين أن رومانوسكي باتت اليوم تتكلم بعراقية أكثر من المسؤولين العراقيين أنفسهم، هي الحاكم الذي نستنير بأمره طريق الخلاص إن غضبت غضب الدولار على العراقيين، وهذا ما لمسوه بارتفاع سعره في أسواقهم، هو زمن الانحطاط والمهزلة الذي تقود فيه رومانوسكي بلداً مثل العراق.