حمزة مصطفى
طبقا لوثيقة الاتفاق السياسي التي تشكلت الحكومة الحالية بموجبها تبدو فقرة “الحرس الوطني” من بين اكثر الفقرات اتفاقا بين الفرقاء السياسيين. بل يجري تسويق مشروع الحرس الوطني الذي لم ير النور بعد بوصفه واحدأ من أهم “درابين” المصالحة الوطنية. وبما اننا نحب “الوطنية” كثيرا حتى تفرقنا نتيجة لحبنا بل عشقنا وولهنا وولعنا بها الى كتل وكيانات واحزاب وقوى واتجاهات واجندات واقاليم ومحافظات وكلها تلهج بالوطن الواحد الموحد مثلما يقولون من “زاخو الى الفاو” حتى باتا قضاءي زاخو الدهوكي والفاو البصري اشهر قضاءين في التاريخ فضلا عن الجغرافية وربما درس الوطنية .. او من يدري ربما حتى في درس “الثقافة القومية الاشتراكية”. وبسبب هذا الحب والعشق والوله والولع والتعلق والتملق فقد تعددت الجيوش والعروش لدينا بدء من الحرس الوطني الاول ايام حكومة الدكتور اياد علاوي والذي لانعرف ـ اقصد الحرس الوطني ذاك ـ اين ضرب به الدهر الى الحرس الوطني الجديد الذي يقال انه في طور التشريع. وفي حال تم تشريعه فانه سوف يضاف معززا مكرما الى سلسلة جبلية من الجيوش الوطنية ايضا لكن بمسميات مختلفة .. الجيش النظامي, الشرطة الاتحادية, فصائل المقاومة بمختلف اشكالها و”ارناكها” الى “المليشيات” التي تم دمجها طبقا لقانون بريمر الذي تتغير كل قوانين حمورابي ولا يتغير الى الفصائل والقوى الجديدة التي اصبحت لها مسميات وقيادات وهيئات اركان واعلام وكلها وطنية. طبعا يجب ان لاننسى الشرطتين الاتحادية والمحلية وجهاز الامن الوطني والمخابرات والاستخبارات وقوات سواة والفرقة الذهبية ومكافحة الارهاب. ويبدو ان نزعة “التجييش” تناسلت لتنتج اجيالا مختلفة من الجيوش من صحوات ومجالس انقاذ مرة واسناد مرة اخرى الى الحمايات الشخصية لبعض الشخصيات الوطنية التي بات بعضها اقرب الى الجيوش لانها تتكون من الوية وافواج وسرايا وربايا. والمفارقة ان لكل جيش او فصيل صاحي او نائم فضائييه ممن دخلوا على خط الرواتب فقط حتى ضياع الموصل.
بقي علينا ان نتساءل .. لماذا الحرس الوطني الجديد؟ الاجابة الجاهزة هي انه يراد لكل محافظة حرسها الخاص بها. مهمة هذا الحرس حماية حدود وطن المحافظة. ولو اعدنا قراءة السطر اعلاه قراءة سيميائية كما يقولون في النقد الحديث فاننا حيال ثلاث مفردات لكل منها دال ومدلول هو عبارة عن “طركاعة سودة” كما يقول رولان بارت ونعوم شومسكي وميشيل فوكو وسوسير. فهناك حرس ووطن ومحافظة وحدود. وبما ان الحدود بين المحافظات هي حدود ادارية فان وجود حرس وطني لها رفعها الى مستوى الحدود السيادية بين دولتين. وهذا يعني ان هذا الحرس المراد تشكيله سوف يصبح بالضرورة جيشا وطنيا وهو ما يعني بداية التقسيم شئنا ام ابينا. المفارقة اللافتة الاخرى ان مشروع الحرس الوطني يعده الكثيرون اهم فقرة في وثيقة الاتفاق السياسي. ومن منطلق سيميائي ايضا لكن دون الاستعانة بفوكو او سوسير فانه يراد لهذا الحرس ان يكون حبة “براسيتول” او ربما حتى ابرة تخدير للمصالحة الوطنية. هذه المصالحة التي تنقل بها الدهر من وزارة في حكومة نوري المالكي الاولى الى مستشارية في حكومته الثانية الى نيابة رئاسة الجمهورية لشؤون المصالحة الوطنية. وطالما ان العمل جار لتشكيل هذا الحرس الجديد كجزء من متطلبات المصالحة الوطنية فانه لن يكون بعيدا اليوم الذي نستيقظ فيه صباحا لنجد اننا اصبح لدينا 15 جيش جديد. ولم يعد امامنا حينذاك سوى الاحتفال بدخولنا موسوعة غينيس للارقام القياسية.