عنوان المقال يبدو من الوهلة الأولى أنه تجني كبير على الحشد الذي كنت وفي كثير من مقالاتي السابقة أسميه بالحشد الوطني باعتباره رمزا وطنيا في محاربة الارهاب الدولي المنظم لاسيما عند احتلال مدينة الموصل عام 2014 . نحن وفي واقع العراق السياسي
المؤلم نحتاج الى مزيد من الايضاح والصبر في طرح أفكارنا التي قد تصيبُ وقد تخطئ ، ننطلق من واجبنا الوطني ومن مفردات عملنا المعارض ضد العملية السياسية الفاشلة أن ننبه الى مكمن الخطر وكيف نتجاوز المحن التي تعصف بالوطن، فمن تأمل حيثيات
ماجرى بعد العام 2003 وكان ملتزما في رؤيته وقراءته بالثوابت الوطنية العليا سيدرك أولا أننا نحرص على مستقبل العراق قبل كل شيء وهو فوق كل الاعتبارات . لقد ارتكبت الاحزاب المؤتلفة في كيانات ذات مصالح مشتركة تتقاطع هنا وتلتقي هناك ، ارتكبت أخطاءا
قاتلة وغبية حين تلقفوا فتوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف بزعامة السيد السيستاني حين دعى الى الجهاد الكفائي وحدد الأمر ضمن صفوف القوات المسلحة فقامت الكيانات السياسية الفاشلة بتطبيق الفتوى ولكن ضمن ميلشيات مسلحة مورس بحقها اسلوبا دنيئا
تمثل بالميزانية التي تحدد عمل وتنظيم تلك الميليشيات فانقسمت ولاءاتها الى أحزاب السلطة الحاكمة ( الدعوة، المجلس الاسلامي الأعلى ، التيار الصدري ) ومعظم تلك الميلشيات استوعبتها ايران وانخرطت بعضها في عمليات عسكرية خارج العراق داخل الأراضي
السورية والايرانية أيضا كماحدث في موضوعة الفيضانات التي تعرضت لها المدن الايرانية قبل شهرين تقريبا وقد تكون كمناورة في التنسيق مع الحرس الثوري الايراني للدفاع عن ولاية الفقيه المعرضة لخطر التحريض الاقليمي والدولي لزعزعة النظام الايراني برمته
خصوصا في المدن التي تشهد اضطرابات او تكون مرشحة بعد ضغوطات العقوبات الاقتصادية الامريكية ومنذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية الدولية بخصوص البرنامج النووي الايراني مع الدول الاوربية المعنية بالملف النووي الايراني . ونتيجة لتداخل وتعارض
المصالح الاقليمية والدولية فقد أصبح وضع الميليشيات المسلحة ( الشيعية ) تحت أنظار التقارير الدولية من حيث المهام او الانتهاكات التي حدثت وتورطت بعض قياداتها في ملفات الفسادين المالي والاداري واستغلال نفوذها وسطوتها داخل المدن سواء المحررة من
تنظيم داعش الارهابي او المدن الشيعية نفسها مماحدى بمحاولة رئيس الحكومة السابق د. حيدر العبادي الى اتخاذ قرار بتنظيم عمل هيئة الحشد الشعبي و بأمرة رئيس الحكومة بنفسه باعتباره القائد العام للقوات المسلحة جاء ذلك وفق الامر الديواني المرقم 91 لعام
2016 وكان قانون هيئة الحشد الشعبي قد طُرح للتصويت عليه بمجلس النواب وأُقر القانون بأغلبية الأصوات، وصادق عليه رئيس جمهورية العراق السابق فؤاد معصوم استناداً إلى أحكام البند (أولا) من المادة (61)، والبند (ثالثاً) من المادة (73)، من الدستور، وفيما
يلي نص قانون الحشد الشعبي
«المادة -1-
أولا: تكون هيئة الحشد (الشعبي) المعاد تشكيلها بموجب الأمر الديواني المرقم (91) في 24 شباط 2016 تشكيلا يتمتع بالشخصية المعنوية ويعد جزءا من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.
ثانيا: يكون ما ورد من مواد بالأمر الديواني (91) جزءا من هذا القانون وهي يكون الحشد الشعبي تشكيلا عسكريا مستقلا وجزءا من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة .
يتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة .
يخضع هذا التشكيل للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي ما عدا شرط العمر والشهادة.
يتم تكييف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل وفق السياقات العسكرية من تراتبية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات.
يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولايسمح بالعمل السياسي في صفوفه.
يتم تنظيم التشكيل العسكري من هيئة الحشد الشعبي بأركانه وألويته ومنتسبيه ممن يلتزمون مما ورد آنفا من توصيف لهذا التشكيل وخلال مدة (3) (ثلاثة أشهر).
تتولى الجهات ذات العلاقة تنفيذ أحكامه .
ثالثا: تتالف قوة الحشد (الشعبي) من مكونات الشعب العراقي وبما يضمن تطبيق المادة (9) من الدستور .
رابعا: يكون إعادة انتشار وتوزيع القوات في المحافظات من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة حصرا.
المادة 2- يتم تعيين قائد الفرقة بموافقة مجلس النواب واستنادا لاحكام المادة 61 / خامساً /ج من الدستور .
المادة 3- تسري احكام هذا القانون على منتسبي التشكيل اعتبارا من تاريخ قرار مجلس الوزراء (307) بتاريخ 11 حزيران 2014.
يُفهمُ من خلال ذلك أن الحشد الشعبي ليس مختصا بالميلشيات الشيعية انما هو من مكونات عراقية أخرى كالسنة والكلدان والتركمان أيضا حيث تقدر عدد فصائل الحشد الشعبي بثمانية وستين فصيلا مثل كتائب بابليون بقيادة ريان الكلداني وفرسان الجبور بقيادة أحمد
الجبوري وحرس نينوى بقيادة أثيل النجيفي ، الا أن غالية الفصائل تعود الى تكوينات شيعية وللأسف فقد انخرط قسم منها في انتهاكات جسيمة اعترف زعيم التيار الصدر بها وسماها باسم الميليشيات الوقحة وقال انها تقوم بعمليات ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين
عراقيين لا ينتمون لتنظيم داعش، وأكد أن مثل هذه الممارسات ستؤدي إلى فشل التقدم والنصر الذي حققه الحشد المطيع للمرجعية والمحب للوطن، ودعا الصدر إلى عزل هذه المليشيات.
اليوم تطالعنا أخبار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بأمر ديواني مختلف تقريبا عن ذلك الامر الديواني للحكومة السابقة والذي يطرح الأمر وكأنه هو من قام بهذا الاجراء حيث يفترض أن تكون صياغته استكمالا لما سبق في الحكومة السابقة وهو اعتبار ذوقي يحترم
من سبقه كشريك له في العملية السياسية . وصياغة الأمر الديواني لمكتب عادل عبد المهدي متروك للمختصين في اللغة العربية وللسادة القراء حيث سأرفق صورة للمرسومين الصادرين من مكتب رئيسي الوزراء السابق والحالي ، لكنني أركز ملاحظاتي في بنود ما ورد.
الأمر الأول أن الحشد الشعبي تتجاوز قوة سلطاته مايتمتع به عادل عبد المهدي لاعتبار مهم يتعلق بتغلغل النفوذ الايراني وفق مقتضيات الأمن القومي الايراني ولن يصدر اي قرار أو تعليمات من أية جهة عراقية إن لم يؤخذ الأذن والإشارة الخضراء من الجهة المسؤولة
عن المليشيات المسلحة. الأمر الثاني تقول مقدمة الامر الديواني المذكور وهي غير موجودة أصلا في الامر الديواني السابق لحكومة العبادي ( وضماناً لتحصين قواته اي الحشد الشعبي داخلياً وخارجياً ومراعاة لانسيابية عمل تلك القوات ) يُفهم من ذلك الاعتراف والتسليم
والإبقاء على عمل قوات الحشد خارجيا اي خارج حدود العراق فكيف يُدمج الحشد بالقوات العسكرية النظامية وله مشاركة خارجية ؟ أليس هذا انتهاك لسيادة الدول وماذا يعني خارجيا ؟ يقصد سوريا مثلا؟. الامر الثالث ماورد في النقطة الثانية من الامر الديواني تقول نصاً
( كما يحمل أفرادها الرتب العسكرية المعمول بها في القوات المسلحة ) هل نسينا ماترتب من نتائج سلبية على مهنية وزارة الدفاع وملفات الفسادين المالي والاداري بسبب مايُعرف بضباط الدمج وفق المحاصصة الحزبية عند اعادة بناء وزارتي الداخلية والدفاع ؟ وماهي
معايير منح تلك الرتب لمنتسبي الحشد الشعبي ؟ ومن يقرر ذلك؟. لن أطيل الحديث عن الحشد الشعبي الذي أراه خنجرا في خاصرة الوطن نظرا لما أسلفتُ ومع الأحداث التي وقعت منذ التصعيد في المواقف بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية خلال الشهر المنصرم
في منطقة الخليج العربي ومنها اطلاق الصواريخ على شركات امريكية في البصرة والمنطقة الخضراء ببغداد وقرب قاعدة عسكرية امريكية في الرمادي كلها مؤشرات على تهديد مصالح العراق الوطنية لحساب مصلحة الامن القومي الايراني، وقد تؤثر سلبا على محاربة
الارهاب الدولي المنظم الذي مازال بنشط بين الحين والآخر ويستجمع مناصريه . إن سلوكا كهذا يشتت الجهود ويضيع حقوق الدماء الزكية التي دافعت عن العراق وحررته من تنظيم مايُعرف بالدولة الاسلامية لداعش . ومن حرصنا ومحاولة لفت الأنظار الى البحث عن
حلول أخرى لحل مشكلة الحشد الشعبي فاننا في مركز عراق المستقبل للدراسات والبحوث التنموية نقدم مقترحاتنا بهذا الصدد آملين من المعنيين الضغط لاتخاذ اجراءات بديلة .
المقترحات /
أولا / أصحاب الشهادات وتخصصاتها يتم استيعابهم في شركات وطنية تابعة للحكومة مباشرة تسمى بالمؤسسة الوطنية لاعادة الاعمار ، مهمتها تنفيذ خطة اعمار المدن المتضررة من حرب التحرير من تنظيم داعش خلال العمليات العسكرية من العام 2014 . هؤلاء
المختصون توكل لهم مسؤوليات ادارية وفنية تدخل ضمن اعادة الاعمار. أو يتم ادخالهم في دورات تأهيلية للضباط في صفوف القوات المسلحة في حال رغبتهم التطوع كضباط وفي مختلف صنوف الجيش ومكافحة الارهاب.
ثانيا / أفراد الميليشيات ممن لايملكون شهادات علمية يتم تخييرهم بين الانخراط في صفوف جهاز مكافحة الارهاب حسب التعميم الاداري السابق لحكومة حيدر العبادي أو العمل في المؤسسة الوطنية لاعادة الاعمار ويتم أدخالهم في دورات تخصصية حسب مشاريع
البناء المقترحة.
ثالثا / الافراد الراغبين في تكملة دراستهم تعطى لهم الفرصة مع عملهم في الفقرة الثانية . وتفتح مدارس خاصة لهم بالتنسيق مع وزارتي التربية والدفاع والمؤسسة الوطنية لاعادة الاعمار.
رابعا / الأشخاص الراغبين في فتح أعمال حرة لهم تتولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية منحهم قروضا تشجيعية لفتح شركات صغيرة خاصة شرط أن يقدموا دراسة حول مشروعهم يستوفي شروط منح القروض الاستثمارية وتوضع تلك الشروط من المختصين في المجال
الاقتصادي . بهذه الطريقة يتم استيعاب مقاتلي الحشد الشعبي استيعابا عادلا تضمن حقوقهم وتُبدد المخاوف ونضمن عدم اكتراثهم بأجندة من يستغلون الفراغ والبطالة وفق أجندة غير وطنية.