توالت ردود الفعل حول قرار عبداللطيف رشيد المعيّن من قبل الإطار الشيعي كرئيس للجمهورية العراقية، بسحبه المرسوم الجمهوري الخاص بالبطريرك لويس ساكو الذي تمّ انتخابه “بطريركا على الكنيسة الكلدانية في سينودس الكنيسة بروما خلفا للبطريرك المستقيل عمانوئيل الثالث دلي في 1 فبراير 2013. وتم تعيينه عضوا في المجلس الاقتصادي الفاتيكاني في 4 يناير 2022”. والبطريرك ساكو حاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة البابوية في روما وشهادة دكتوراه ثانية من جامعة السوربون، كما حصل على شهادة الماجستير في الفقه الإسلامي، ومن الضروري التأكيد على أنّه لم يشتر شهادتي الدكتوراه وشهادة الماجستير من جامعة أهلية لبنانية بأموال منهوبة من أبناء شعبنا العراقي، ولا بأموال الوقف المسيحي.
البطريرك ساكو رجل دين غزير المعرفة، فهو صاحب عشرين مؤلفّا في مجالي اللاهوت والدين علاوة على أكثر من ستمئة مقالة وبحث. كما حصل البطريرك لليوم على عدّة أوسمة، منها وسام القدّيس أسطيفان عن حقوق الإنسان من ألمانيا. ولو أضفنا مواقف البطريرك الوطنية إلى علمه وأوسمته، فإننا سنكون أمام شخصية دينية وطنية تعمل من موقعها على خدمة وطننا وشعبنا بكل أطيافه.
أن يتجاوز الرئيس المعيّن من أقليّة برلمانية خسرت الانتخابات الأخيرة بفارق كبير، قبل أن تشكّل الحكومة التي عيّنته رئيسا للبلاد وفقا لمبدأ المحاصصة على عرف تاريخي معمول به منذ العهد العباسي إلى اليوم، أمر خطير وتجاوز على شخصيّة معيّنة من قبل المركز الرئيسي لمسيحيي العالم، لكن الأخطر بما يمثلّه من إهانة لهذا الرمز الديني هو أن يُصدر ما يسمّى بالقضاء العراقي قرارا بمثول البطريرك أمام قاضي محكمة تحقيق الكرخ على خلفية شكوى تقدّم بها الميليشياوي ريان الكلداني. وهذا يدل على انهيار القضاء وتبعيته لإملاءات الحشد الشعبي الذي ينتمي إليه فصيل ريان الكلداني.
احتكار الساحة السياسية على مستوى الشارع بقوّة السلاح، وتشكيل عصابات لأخذ الإتاوات والرشاوى والهيمنة على المنافذ الحدودية والسيطرة على مزاد العملة وتجارة المخدرات وحماية دور الدعارة والقمار وغيرها وصولا إلى مصادرة عقارات المواطنين، هو جزء من مهام الميليشيات والتي أصبحت شرعية بعد فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي. لكن، والتنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة مع تقدم كبير في قوة الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية التي وجّهت وتوجّه ضربات مميتة لهذا التنظيم الإرهابي، فإنّ الفتوى اليوم بحاجة إلى مراجعة من قبل من أطلقها رحمة بالشعب العراقي ولتحريره من هيمنة هذه الميليشيات بسحب الصفة الشرعية عنها، أي حل الحشد الشعبي الذي تغوّل سياسيا واقتصاديا وماليا، وأصبح دولة “شرعية” داخل جسم الدولة غير الشرعية.
إنّ تنظيم بابيلون الذي يحتكر تمثيل المكوّن الكلداني في البرلمان العراقي، هو جزء من تنظيم ميليشياوي تلاقت أهدافه وطموحاته في النهب والسرقة ومصادرة أملاك المسيحيين في مناطق سكناهم، مع أهداف وطموحات الميليشيات الأخرى بالبلاد. وبالتالي فإنّ انضمامه إلى الحشد الشعبي يمنحه الصفة الشرعية وفقا للقانون العراقي. ومثلما تشكل الميليشيات الإسلامية خطرا على النسيج الاجتماعي لطائفيتها، فإنّ ميليشيات بابيلون تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي المسيحي، الذي وجد نفسه اليوم أمام جريمة منح السطوة السياسية بعد العسكرية للتنظيم من قبل “الدولة” العراقية.
إنّ الدستور العراقي يضمن الحقوق الدينية لجميع الأديان والطوائف بالبلاد، ومسيحيو العراق أحرار في عبادتهم واحترامهم لنيافة البطريرك ساكو أو غيره ممّن يعيّن من قبل الكنيسة، وهم كذلك أحرار في انتخاب ممثليهم للبرلمان العراقي، وعدم قبولهم وصاية بابيلون وميليشياتها المرتبطة بالحشد الشعبي.
على القوى الوطنية العراقية والمراجع الدينية التي سيأتي دورها لاحقا بشكل أو بآخر لعزلها بقرارات قراقوشية، أن تقف ومعها جماهير شعبنا إلى جانب مسيحيي العراق بمطالبهم بالعدول عن قرار عزل الكاردينال ساكو، والضغط على ما يسمى بمجلس القضاء العراقي الأعلى لسحب الدعوى المقامة ضد نيافته وتقديم الاعتذار الرسمي له.