قال الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مقابلة أجريت في الآونة الأخيرة إنه لا يريد أن يصبح الجيش الأميركي هو قوة العراق الجوية. لكنه قد لا يكون أمامه خيار آخر.لم تكن لدى العراق سوى قوة جوية وليدة حين انسحبت الولايات المتحدة منه عام 2011. ووافقت واشنطن على تعزيز القوة الجوية العراقية من خلال بيع بغداد 36 مقاتلة إف-16 متطورة متعددة المهام و24 طائرة هليكوبتر أباتشي.لكن مفاوضات التعاقد المطولة والفاصل الزمني الطويل بين طرح الطلب وبدء التسليم إضافة إلى الإجراءات البيروقراطية البطيئة كانت كلها عوامل معرقلة. وبدأت الطائرات العراقية تتدفق على خط الإنتاج بعد أربع سنوات من إبلاغ الكونغرس بالبيع المزمع وفي وقت تخوض فيه بغداد معركة من أجل البقاء في مواجهة متشددين جهاديين.وحتى أغسطس/آب كانت طائرتان فقط من طلبية المقاتلات الإف-16 العراقية التي تبلغ قيمتها 65 مليون دولار هما اللتان تسلمتهما الحكومة الأميركية من شركة لوكهيد مارتن ولم تصل أي منهما العراق. وعملية التسليم متعثرة الآن بسبب مشاكل في الدفع وتدهور في الوضع الأمني الذي يحول دون إتمام العمل المطلوب لإعداد قاعدة بلد الجوية لاستقبال الطائرات.وقال مسؤول دفاعي أميركي طلب عدم نشر اسمه “لا يجري تسليم مقاتلات الإف-16 في هذا الوقت لأن العراقيين لم يدفعوا القسط المستحق ولأن خطة تأمين عملية وضع الطائرات في بلد لم تستكمل بسبب الوضع الأمني بالعراق.”وساعدت الضربات الأميركية هذا الشهر في تقهقر مقاتلي الدولة الإسلامية من مناطق كردية حساسة. وكان مقاتلو التنظيم قد قطعوا رأس الصحفي الأميركي جيمس فولي ردا على تلك الضربات.وأثار بطء تسليم الطائرات الهجومية الأميركية للعراق سخط بعض المسؤولين العراقيين كما أثار تساؤلات حول ما إن كان بمقدور حكومة أوباما أن تتحرك بسرعة أكبر للتعجيل بتسليم طائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية لبغداد في وقت تواجه فيه خطرا متزايدا.كما أثار بطء تسليم مقاتلات الإف-16 انتقاد نوري المالكي الذي استقال من رئاسة الوزراء الأسبوع الماضي وسط استياء واسع من حالة التشرذم السياسي الذي يعانيه العراق وكذلك أثار انتقاد مسؤولين عراقيين آخرين ألقوا باللائمة على البيروقراطية الأميركية المعرقلة وقالوا إن بغداد تنتظر الطائرات على نحو عاجل.ولم يتسن الحصول على تعليقات من مسؤولين عراقيين إذ يستعد رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي لتشكيل حكومة جديدة.لكن أعضاء في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق قالوا إنه من الواضح أن الولايات المتحدة أرادت إبطاء تسليم الطائرات.وقال إسكندر ويتويت نائب رئيس اللجنة إن الأميركيين يريدون تأجيل الصفقة بطريقة أو بأخرى مشيرا إلى أن بغداد دفعت 1.6 مليار دولار حتى نهاية عام 2013 كجزء من صفقة طائرات الإف-16 والتي تتضمن التدريب.
وأضاف أنه في عام 2014 كانت هناك بعض الخلافات وكان هناك تأخير وكانت هناك كتل سياسية تقف في وجه التسلح. وقال إن هذا لا يبرر التأخير لأن الدفعة الأولى كان من المفترض تسليمها في بداية عام 2014.وأعرب حسن جهاد أمين وهو محام عراقي بلجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة تباطأت في تسليم الطائرات خوفا من أن تستخدمها حكومة المالكي التي يهيمن عليها الشيعة على نحو يكرس الانقسامات الطائفية مع السنة.وأضاف “الآن… هناك أمل في تشكيل هذه الحكومة الجديدة التي لا تفرق بين العراقيين ويمكنها خلق أجواء أفضل.”ورغم أن العراق يعاني عجزا في الموازنة قال أمين إنه لا يرى في مسألة الدفع حاجزا كبيرا.ومضى قائلا “العراق لديه أموال ومخصصات وستتم الموافقة على المدفوعات.”
وينفي مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعمد أي إبطاء في تسليم الطائرات ويقولون إن الولايات المتحدة مرتبطة ببرنامج مبيعات عسكرية خارجية قيمته 15 مليار دولار مع العراق وتعمل على تسريع عملية تسليم المعدات قدر المستطاع.
وقالت شركة لوكهيد مارتن التي يقع مقرها في مدينة بيثيسدا بولاية ماريلاند إن إنتاج الطائرات العراقية سيستكمل في أواخر عام 2017. وهذا الموعد يسبق الإطار الزمني الوارد في إعلان العقد المبدئي بشهور.
بيروقراطية واشنطن
قال لورين تومسون المحلل بمعهد لكسينغتون للأبحاث في واشنطن والذي تربطه علاقات وثيقة مع لوكهيد “تعبير ‘في الموعد المحدد’ بالنسبة لبيروقراطية واشنطن لا يعني الوجود في الوقت المناسب في منطقة الحرب.”
وأضاف أن البيروقراطية الأميركية “ليست جيدة في توفير الأشياء بسرعة للحلفاء الذين يواجهون خطرا… سواء كان الأمر يتعلق بطائرات لأفغانستان أو بطائرات للعراق يجد النظام دوما سببا للتعثر بشكل أو آخر.”
وقال مايكل أوهانلون محلل الدفاع في معهد بروكينغز في واشنطن إن نوعية القوة الجوية التي يسعى العراقيون لشرائها من الولايات المتحدة ستكون أداة مثالية لضرب مقاتلي الدولة الإسلامية الذين يتنقلون في قوافل سيارات عبر المساحات المفتوحة الشاسعة بالبلاد.
وتابع بقوله “إذا أصبح الأمر طارئا -ومن الواضح أنه كذلك- فأعتقد أن هناك سبلا متعددة لتزويدهم بكميات محدودة من القوة الجوية بسرعة إذا قررنا التركيز على الأمر والالتفاف بعض الشيء حول القواعد البيروقراطية المعتادة.”
لا قوة جوية تقريبا
تشير بيانات مؤسسة غلوبال سكيوريتي إلى أن القوة الجوية العراقية في عهد صدام حسين كانت من أقوى القوات الجوية بالمنطقة إذ كانت تضم حوالي ألف طائرة منها طائرات ميغ السوفيتية وميراج الفرنسية. ولحقت بهذه القوة أضرار جسيمة في حرب الخليج الأولى وبعد العقوبات التي فرضت على العراق في أواخر التسعينات.
وبحلول وقت الغزو الأميركي عام 2003 كانت القوة الجوية العراقية تتمثل فيما بين 100 و300 طائرة مقاتلة في الخدمة معظمها لم يجد الصيانة المناسبة وآل إلى مخازن الخردة بعد الصراع.
ويقول محللون يدرسون حجم القوات العسكرية العراقية إن بغداد لديها الآن حوالي 12 طائرة حربية روسية من طراز سوخوي-25 وست طائرات هليكوبتر هجومية روسية الصنع.
والجزء الباقي عبارة عن طائرات هليكوبتر صغيرة ومتوسطة الحجم أميركية وروسية الصنع وطائرات أميركية خفيفة يمكنها حمل عدد من الركاب تستخدم لأغراض الاستطلاع وبعضها يمكنه إطلاق صواريخ هلفاير جو/أرض.
قال بن باري الضابط السابق بالجيش البريطاني والزميل الحالي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن “حين انسحبت الولايات المتحدة.. تركت العراقيين بلا قوة جوية تقريبا… وهذا جعلهم في محنة كبرى.”
وقد أنفقت الولايات المتحدة 20 مليار دولار لبناء قوة عسكرية عراقية قوامها 800 ألف فرد وعولت على قدرة هذه القوة على حفظ السلام حين انسحب الجيش الأميركي في 2011.
لكن هذا لم يحدث.
فقد استولى مقاتلو الدولة الإسلامية على معدات عسكرية أميركية الصنع بملايين الدولارات من الجيش العراقي الذي انهار أمام أول هجوم للجهاديين.
وإخفاق الولايات المتحدة في ترك قوة جوية يعتد بها أو إيجاد سبل لمساعدة بغداد على تعزيز قوتها سريعا لا يجعل أمامها بدائل كثيرة لمد يد العون للعراق إلى أن يصبح بمقدور بغداد تأمين قوتها الجوية رغم تأكيدات الإدارة بأن استخدام القوة الجوية الأميركية سيكون محدودا.
وقال الأميرال جون كيربي السكرتير الإعلامي بالبنتاغون للصحفيين “نحن مستعدون لمعاونتهم والتنسيق إلى حد ما معهم لكن كما قال الرئيس.. لن نصبح القوة الجوية العراقية.”
تهديدات المتشددين
كان بناء قوة جوية يمكنها السيطرة على المجال الجوي العراقي مشروعا قائما منذ فترة طويلة. وأبلغ البنتاغون الكونغرس أول مرة بخطط بيع مقاتلات إف-16 للعراق في سبتمبر أيلول 2010 لكن العقد الخاص ببيع أول 18 طائرة لم يوقع إلا في ديسمبر/كانون الأول 2011. وتم توقيع عقد الثماني عشرة طائرة الأخرى في أبريل/نيسان 2013.
وحلقت أول طائرة عراقية في مايو/آيار الماضي وتم عرضها في مراسم احتفالية على السفير العراقي في أوائل يونيو/حزيران في مصنع لوكهيد في فورت وورث بولاية تكساس.
وحتى في الوقت الذي كانت أول طائرات تخرج فيه من خط التجميع كان مقاتلو الدولة الإسلامية يجتاحون شمال غرب العراق ويتقدمون صوب بغداد على نحو يهدد قاعدة بلد الجوية الواقعة على بعد 80 كيلومترا إلى الشمال من المدينة.
وأجلت لوكهيد نحو 25 من موظفيها الذين كانوا يعملون مع القوات الجوية العراقية تمهيدا لوصول الطائرات والمساعدة في التدريب على تشغيلها. وقال مسؤول دفاعي ثان إن قرار العراق والشركات المتعاقدة على سحب العاملين من بلد يعني أن العمل اللازم بالقاعدة لم يكتمل بعد.
وكان المسؤولون في يونيو/حزيران يتوقعون نقل أربع مقاتلات إف-16 إلى العراق بحلول نهاية العام. لكن مسؤول الدفاع الثاني قال إن من المتوقع تسليم طائرتين منها للعراق ربما الخريف المقبل.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه “لا أريدكم أن تظنوا أن الوضع الأمني هو الشيء الوحيد. الوضع الأمني أحد العوامل لكن هناك أمورا أخرى” مشيرا إلى أن “الدفع كان قضية مثارة لفترة من الوقت حتى قبل أن يصبح الوضع الأمني عاملا من العوامل.”
وقال مسؤولو دفاع إنه لا يزال من السابق لأوانه حتى التحدث عن موعد لتسليم طائرات أباتشي الهجومية التي تنتجها شركة بوينغ.
وكان البنتاغون قد أبلغ الكونغرس أول مرة بأمر الصفقة المزمعة في يناير/كانون الثاني. وهي تقضي بأن يستأجر العراق ست طائرات هليكوبتر مؤقتا ويشتري 24 طائرة أخرى في السنوات القادمة.
وقال ستيفن بوتشي الضابط السابق بقوات الجيش الخاصة الذي يرأس مركز السياسة الخارجية بمؤسسة هريتدج في واشنطن إن عملية المبيعات العسكرية الخارجية “قلما اتسمت بالسرعة أو الكفاءة”.
وأضاف “هي لا تمثل أولوية بشكل عام ما لم يكن هناك طارئ يتدخل فيه شخص ما ويسرع من تحريك المسألة داخل النظام.”