كيف يجري الحديث عن تطور النص الحديث، ولا يملك المتحدث رؤية منهجية عن تطور الحياة ؟، هذه اشكالية النقد الذي يعتمد سؤالًا منفتحًا على العلاقة بين النص والحياة، ولأنه سؤال مفتوح يمكن اضافة ما يستجد إليه كلما شعر النقد ضرورة منهجية لذلك. فمثلا لايمكن الحديث عن النص دون مكوناته الأولية التي قد لا تظهر في متنه، إنما تظهر في تأويله وتفسيرة، وغالبًا ما يؤخذ النص بحذافيره كما لو كان كتلة حجرية يبحث الناقد عن مكان يضعها فيه، ثم يدلل من خلال المكان على علاقاته بالمجتمع والنفس والعلم والمثيولوجيا، في حين أن سؤال النقد الحديث يجد أولًا هذه المرجعيات قبل أن يحلل النص كي يتمكن من ايجاد الصلات المرئية وغير المرئية بين النص ومكوناته التي اسست له أرضية قبل الكتابة واثناء الكتابة.
ولدينا أمثلة كثيرة من الآداب العراقية والعالمية، أنها قرئت أول الأمر بمعزل عن مرجعياتها، ثم اكتشف انه لايمكن ان يستقيم عودها وتدخل ميادين الشاهد إلا إذا عرفت تلك المرجعيات قبل بدء عملية النقد، نحن للآن نقرأ روايات وقصصا واشعار أدبائنا التي اُنتجت في السبعين سنة الأخيرة، لنجد أنّها خضعت لرؤية نقدية أحادية خاصة في الميدان الأكاديمي، لكنها في النقد الثقافي وجدت انها تمتلك أرضية مضمرة لمكونات أسس لها ما يمكنه أن يديمها خارح سنوات ظهورها، فالكثير من قصائد السياب والبريكان وأدونيس وغيرهم عولجت بطرائق نقدية عادية فوجد الناقذ فيها ما يسد تصوره المنهجي التقليدي، ولكن دراسة الدكتوراحسان عباس مثلا عن السياب ودراسة الدكتور عبد الاله احد عن القصة العراقية، ودراسة الدكتورعلي عباس علون عن الشعر العراقي، ودراسة الدكتورة سهير القملوي عن الف ليلة وليلة، اختطت طرائق نقد حديثة عندما كشفت عن الأوليات التي أسست الرؤية الثقافية لهذه الحقول، كما لو كانت المرجعيات التربة التي كانت المنبت الأساسي لثمارها. نحن في القرن الواحد والعشرين وأمامنا حقول فلسفية ونقدية وتشريحية عديدة وغنية بمادتها وحقولها، لا يمكن للناقد أن يتعامل مع النصوص ،أيّا كانت النصوص بالطريقة التقليدية التي كانت سائدة في مجمل الدراسات النقدية.
فالمعرفة لا تخص موضوع النقد، بل أداة النقد. لأن الحقول المعرفية تتغلغل في أي نص بغض النظر عن جودته او ضعفه، فأي نص هو مفيد من حيث انه بني على أسس يمكنها أن تؤشر إلى طرائق تأليف مختلفة الرؤى، لا يُكشف عن جودتها وديمومة حضورها المناهج النقدية التقليدية، لابد للناقد من أن تكون له رؤية حديثة تحاذي رؤية النص وتفرض مسارتها ضمن مسارات النص دون أن تعلو عليه أو تكون أدنى منه، لأن طرائق النقد الحديثة ماعادت حكم قيمة فقط، بل أداة للكشف عن الحقول المضمرة في النص، والتي أشار إليها المؤلف بدراية أوعفو التأليف، ففي هذه البقع المجهولة؛ وغالبا ما تكون محددة باربعة حقول، لابد للناقد أن يتعامل معها حتى لو كان حضورها ثانويًا. هذه الحقول هي: الجذر المثيولوجي لكل ظاهرة تأليفية أو موضوعية، والبعد المعرفي الذي أُنيط بالنص أن يتبناه ويوضحه، الافق المستقبلي للرؤية التي تضمنتها النصوص.
وأخيرًا الأفق التأويلي الذي هو من شان القارئ. هذه الحقول الأربعة لم تكن موجودة في النقد القديم، اعني نقدنا قبل عشر سنوات أو اكثر، لكنها، وبمعونة المدارس الحديثة أصبحت هذه الحقول ميادينًا للفلسفة وللتصورات الكونية، حين وضعت النص في المركز من الإتصال الثقافي، بعدما كان النص ملحقًا إمّا باديولوجية ما، او بمؤلف أوبمنطقة أو بفئة.