السجون العراقية مسالخ بشرية وجرائم قتل يومية خارج الدستور والقانون
آخر تحديث:
بغداد/شبكة أخبار العراق- تستمر الفضائح غير الأخلاقية لحكومة المنطقة الخضراء في بغداد، عاما بعد عام، بحق الشعب العراقي، فقد “سرّبت” منظمة هيومن رايتس ووتش، قبل أسابيع، صورا مهينة لسجون العراق في الموصل وضواحيها، مثل سجن “تل كيف” و”الفيصلية” و”تصفيرات”، تبين سوء الأوضاع التي يعاني منها الأبرياء، خصوصا الأطفال الذين تزجّهم سلطات عملية الاحتلال الأميركية ومليشياتها الطائفية المرتبطة بإيران في السجون، من دون توجيه أي تهمة أو بحجة “تشابه أسماء”، الأسطوانة المشروخة الملقاة بصلافة في وجوه عائلات المعتقلين اليائسين من الحصول على أبسط معلومة بشأن مصير أبنائهم وأزواجهم.
اقتصر تقرير “هيومن رايتس” على التحقق من بعض الحقائق المعروفة لدى العراقيين ومنذ زمن طويل، مثل ازدياد أعداد المحتجزين والمعاملة السيئة والحجز الاحتياطي، لكنه ولأول مرة يذكر وجود أطفال كثيرين، إذ أورد رقما صادما، وهو وجود 1051 طفلا، أعمارهم سنتان فما فوق، من مجموع ستة آلاف معتقل. على الرغم من تقريرها هذا، تغضّ المنظمة الدولية النظر عن حقائق خطيرة، ومنها أن حبس الأبرياء في العراق من أكثر من جهة، وتعذيبهم وقتلهم وإخفاءهم، لم تعد حوادث عرضية بسيطة بين حين وآخر، تتبعها إجراءات عقابية، بل هي منهج يومي يبزّ في وحشيته وفظاعاته أهوال سجن أبو غريب تحت الاحتلال الأميركي الذي هزّت فضيحته الرئيس الأميركي في حينه جورج بوش وإدارته آنذاك.
“حبس آلاف من النساء والرجال والأطفال واحتجازهم منذ يونيو في سجون الموصل الثلاثة إجراء متعمد” “أبو غريب”، والتي لا تقل عنها مهانة ومذلة للمحتجزين العراقيين الأبرياء الذين أصبحوا هدفا للمجرمين، يتلذذون بإلقائهم بالآلاف، ويسوموهم أنواع العذاب، وإلا كيف يمكن احتجاز أطفال بأعمار متدنية في ظروف مهينة ولا إنسانية إلى هذا الحد؟ حبس أطفال بهذه الأعمار، وكذا آلاف من الأبرياء، من دون توجيه أي تهمة، يكذّب رواية سلطات حكومة المنطقة الخضراء في اتهامين أساسيين، موجهين للمحتجزين، هما “تشابه الأسماء” وما “يتعلق بالإرهاب”، بدليل ما قالته النائبة وحدة الجميلي نفسها، إن 80% من المتهمين أبرياء، وإن كثيرين ماتوا تحت التعذيب وفي الاعتقال من دون أن توجه لهم تهمة، أو يتم الاستماع لهم أو عرضهم على الجهة القانونية المختصة، وإنه تم انتزاع اعترافات تحت التعذيب، وصدرت أحكام إعدام على هذا الأساس، ووجهت تهديدات بانتهاك الأعراض، وهو ما يؤكده بخجل تقرير هيومن رايتس الذي يشير إلى حالات وفاة يومية، بسبب التعذيب، وحالات إغماء على مدار الساعة، كما يسجل انتشار أمراض خطيرة متروكة من دون علاج، ونقص حاد في الغذاء، وسوء الخدمات الصحية التي يبدو أن الأخيرة لم تنج من صفقات الفساد والسمسرة، بفعل مديري السجون والأحزاب ومليشياتها الذين لم يتركوا مكانا إلا نخروه بمخالب الفساد الشره والسوقي وغير الأخلاقي.
ما هو حكم القانونين العراقيين، القديم والجديد، بخصوص اعترافات البرلمانية وحدة الجميلي، والحقائق التي يثبتها تقرير منظمة هيومن رايتس، سواء في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1966، وما يزال يعمل به، خصوصا المادتين 421 و422، والبند الثاني عشر من المادة التاسعة عشرة من الدستور الصادر سنة 2005، والذي يحظر تماما الحجز. في الباب الثاني من القانون، نقرأ في الجرائم الماسّة بحرية الإنسان وحُرمته: القبض على الأشخاص وخطفهم وحجزهم، يعاقب بالحبس كل من قبض على شخص أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة كانت، من دون أمر من سلطة مختصة، في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين والأنظمة بذلك، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد عن خمسة عشر عاما. ويشمل ذلك من تزيّا بدون حق بزيّ حكومي، أو حمل علامة رسمية مميزة، أو اتصف بصفة كاذبة، أو أبرز أمرا مزوّرا بالقبض، مدّعيا صدوره من سلطةٍ مختصة. كما يشمل أيضا كل ما يصحب الفعل من تهديد بالقتل أو تعذيب بدني أو نفسي. وأيضا إذا زادت مدة القبض أو الحجز أو الحرمان من الحرية عن خمسة عشر يوما. وكان الغرض من الفعل الكسب والانتقام. وتنص المادة 422 على العقاب بالسجن مدة لا تزيد على خمسة عشر عاما، لمن خطف بنفسه أو بواسطة غيره “أنثى” بغير إكراه أو حيلة أو حدثا لم يتم الثامنة عشرة، وعشر سنوات لمن خطف “ذكرا”. أما في حال أدى الاحتجاز والإكراه والتعذيب إلى موت المحتجز أو المخطوف فالعقوبة هي الإعدام.
بحسب اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان، هناك ثمانية وعشرون ألف محتجز، ومثلهم “متهمون” لم يوجه إليهم اتهام، ولم يتم تحقيق معهم. ويمكن الجزم بسهولة بأن الأعداد الحقيقية أكثر من ذلك بكثير، من دون تعداد من قتل ومن اختفى ومن مات تحت التعذيب.
في كل مرة، يطالب فيها الشعب العراقي بمحاسبة مسؤول عن جريمة، وعن فساد، يواجه بجملة أعطونا الدليل! وهذه أدلة في تقرير “هيومن رايتس ووتش” وصورها التي نشرتها أجهزة الإعلام العربية والغربية، فهل ستقوم وزارة العدل بواجبها القانوني، أم أنها، كما يقول أحد أعضاء المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، لا ترد على أي طلب، ولا أي
“ما يحصل في سجون العراق كافة، وليس فقط في الموصل، ومنذ ستة عشر عاما، هو جرائم حرب، ويمكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية” استفسار، على الرغم من مطالباتنا المتكرّرة ومطالبات جمعيات المجتمع المدني. وزارة اللاعدل هذه تمنع، حتى المحامين من مقابلة موكليهم، بل إنها تمنع زيارة النواب أنفسهم.
حبس آلاف من النساء والرجال والأطفال واحتجازهم، منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، في سجون الموصل الثلاثة، إجراء متعمد مع سبق الإصرار، لأن تقرير “هيومن رايتس” يفيد بأن الحبس الاحتياطي فيها أصبح القاعدة، وليس الاستثناء، لكنه يمتد في سجون حكومة الخضراء إلى سنوات وسنوات. ولا يمكن تفسير حبس الأبرياء في الموصل إلا بالعقاب الجماعي للأبرياء في هذه المدينة الشهيدة، فمن لم يمت من سكانها بقصف الرافال الفرنسية الذي هدم المدينة على رؤوس أهلها بحجة القضاء على مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تقوم المليشيات بحبسه وتعذيبه وقتله في السجن، من دون استثناء بين رجل وامرأة وطفل. هذه هي الحقيقة التي لا تتجرأ المنظمة الدولية على كتابتها تواطؤا، ولو تعلق الأمر بدولة أخرى لرأينا ما تفعله “هيومن رايتس”.
ما يحصل في سجون العراق كافة، وليس فقط في الموصل، ومنذ ستة عشر عاما، هو جرائم حرب، ويمكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية، لو نجح فريق من المحامين في الحصول على الوثائق المطلوبة لإدانة المجرمين الذين ينفذون كل هذه الجرائم التي هي استمرار للعمل بالمادة 4 إرهاب سيئة الصيت، تفوق مجرموها على عتاة ضباط وجنود ومليشيات النازية الألمانية التي، على الرغم من إجرامها وفظائعها، كانت محكومة بقانون. ويوضح تقرير منظمة هيومن رايتس وتقرير لجنة حقوق الإنسان البرلمانية والمفوضية، وصورهما، وجود سجناء وتعذيب في عدة وزارات، ولدى المليشيات والأحزاب. وهذه وثائق إدانة، ليس فقط لوزارة العدل وسجونها الخارجة عن القانون، بل لوزارة الداخلية والأحزاب والمليشيات، بل تتعدى إلى القائد العام للقوات المسلحة نفسه الذي يفتخر بمهام قوات حكومته المختلفة التي يشهد أهل الموصل وسجونها على جرائم حربهم، خدمة للمشروع الأميركي الإيراني لتدمير العراق وإبادة شعبه.
يوما بعد يوم وعاما بعد عام وفضيحة بعد فضيحة، هذه الجرائم مستمرة، وعن عمد ومع سبق الإصرار، بتهديم العراق، بقتل ممنهج للعراقيين. لقد حولت حكومة المنطقة الخضراء العراق كله إلى سجن خارج القانون، بل إلى معسكرات تعذيب وإبادة شاملة في الهواء، وبغطاء دولي. ولن يتم إيقاف جرائم الدمار الشامل هذه إلا بوحدة أبناء شعبنا ونضالهم، لتحقيق هدف تخليص العراق وإعادته إلى أهله.