بدءًا تتوفر عالميا ومحليا معلومات واسعة تفحص النص بالاعتماد على نظريات التناص والمناصصة لعدد كبير من علماء السرديات, وبحسبها يعرف النصّ السردي بأنّه عبارة عن سرد للأحداث ونقلها من خلال استخدام التصوير، أو اللغة، أو وسائل التعبير الأخرى. ويعدُّ السرد صنفا من أصناف النصوص الأدبيّة التي تحتوي على الحوار والوصف ووحدة الأحداث, وتوافر سلسلة من الأحداث المرتبة بشكل زمني متعاقب ومنطقي، واحتواء النصّ على مغزى ضمني أوصريح . يمكن تلخيص الرؤية الى النص السردي بحسب جنيت , بثلاثة من المظاهر, الرؤية من الخارج، إذ إنّ السارد لا يستطيع أن يتجه إلى أي ضمير، ذلك إن كان السارد يعرف القليل عن شخصيّة الحكاية. والرؤية من الخلف، فيها يكون السارد عارفا بكل شيء عن شخصية الحكاية، كما أن هذه الشخصيات لا تملك أيّ أسرار مخفيّة. وهناك الرؤية المصاحبة، حيث السارد يعرف فقط معرفة مساوية لشخصية الحكاية، كما أنّه لا يتمكّن من إمدادنا بالأحداث المفسرة.
من الواضح ان المقولات المتقدمة هي ملخصات لمنطلقات شبه تعليمية في علوم السرديات الحديثة المعروفة. نُذّكِّر بها للربط العقلاني بين البدئيات العلمية للمعرفة السردية لكون العالم لا يزال في مرحلة البدء التأسيسي لعلوم السرديات, كونها لم تكتسب صفة التقنية العلمية الدقيقة حتى الآن .
اذاً, نفهم بأن النص, أي نص, هو مجموعة جمل لها متجه فني وفكري, ترتبط بعلائق مرجعية مع نصوص سابقة, وعلائق ستقام مع نصوص لاحقة به , يحتوي على علامات لكل من الجملة والكلمة, مشادة على معتمد الاستعمال اللغوي, ومبأرة في رؤية الغايات التي صيغ من أجلها التراصف الجملي . والقص هو نوع من الفنون السردية, وفنيته الجديدة المهمة هي تراصف جملي , أُسميه (لعوب ـ على ما أرى) وتجربة السرد هي تجارب لـ ما بعد القص .
في فهم الدكتورة (لمياء باعشن) في مقالتها بجريدة الجزيرة الالكترونية ما يوجه فرضنا السابق (التراصف السردي اللعوب) , فهي ترى : ” بان التحديث السردي للأشكال النمطية السائدة يضيف مظهراً تجريبياً يتجاوز به القصة الواقعية ويفتح آفاقاً دلالية احتمالية باستخدام الخاصية الميتا سردية لتوليد المعنى وإتاحة مستويات متعددة من التأويل “. وهو ما يؤكد متجهنا (التراصف اللعوب) ـ كونه يرصد تكوين عوالم المتخيل السردي ويفكك قوانين الهيكلية الناظمة له من أجل كشف فوضى الوجود المعاصر وفضح زيف الوعي البشري، وبذلك يهدد هذا الخطاب نظام العالم الخارجي للنص ويفضح عبثه وتشتته.
لا نريد التقيد كلياً بهذه النظرة, إنما ندعو لكسر النمط القصصي بتوجيه عناية النقد الى نصوص لها شرعية وجودها الشبابي الدائمة الحيوية ككتابات محمد خضير, ووارد بدر السالم وجابر خليفة جابر, ومحمد خضير سلطان, وحامد فاضل, وحسين محمد شريف, وسعدي عوض الزيدي, ونزار عبد الستار, وعدنان القره غولي, وسالم حميد, وانمار رحمة الله وآخرين كُثر, فهم يمثلون تاريخ التجديد للمرويات الكبرى والصغرى في مرحلة تخصص بمساحة السرد الواقعة بين فنية الحكاية المخاتلة ومراوغة الرواية اللعوب, وما يرافقهما من جزئيات, كالقص الموجز والقص الروائي والروايات الشفاهية والحكايات الشعبية. ان المشتغل بحقولها سيتجنب جزئيات وتشعبات افعال الروي المختلفة ويتخصص بفنون السرد ذات :(الحدث, الفاعل, الراوي, والشخوص, والنفسانية, الفلسفانية, المدونة, الحكاية, المنظور) .
ان ما تقدم يحفزنا على الدعوة الى دراسة خاصة بنصوص اولئك كونها مصادر ثقافية مهمة تكسر النمط الاجتماعي واللغوي والتراصف السردي النمطي, وكونها تؤشر وعياً مناسبا للتطور الاجتماعي الفكري والسلوكي, فضلًا عن ان النماذج هذه تستهدف تشييد ذائقة متقدمة في رؤيتنا لثيمة القيمة والنفع بالقص. قد يشجع عملُنا آخرين ليلاحقوا نتاج الادباء العراقيين بالفحص النقدي الدقيق لاستجلاء جوانب الخلق والابداع لجيلنا كثروة ستسند خطى المبدعين الشباب. يحدونا الأمل بأن هذا سيسهم في ترصين (الدراسات الثقافية ,الأرشفة , التدوين الابداعي, التصنيف).ولإشاعة الفهم والتبادل المعرفي, على المستوى المحلي والاقليمي, نقترح بعضا من مناول النقد لتنشيط ذاكرة النقد العربي بدور واهمية الكتاب العراقي, منها :
1 ـ تقليل حجم المنشور النصي(الكتاب), وتوجهه نحو ادبية الفلسفة وشعرية الرواية وحيوية الصورة في الشعر والنثر والقص والادب الالكتروني. 2 ـ العناية الشديدة بتهذيب اللغة لتكون فصيحة شعبية, صائبة نحويا وبلاغيا.4 ـ الاحاطة المعرفية بأهم الثورات الشعبية في العراق القديم واستثمار أدبياتها, وهو ما يُمَكِّن نتاج الكتاب ليصير مصدراً من مصادر الدراسات العُليا والتأهيلية في الجامعات العراقية.5 ـ التركيز النقدي على منصات الفائدة العملية في المتابعات المتأنية للأعمال الابداعية اللاحقة, بكونها منصات جمالية تضاهي بتطور قيمها المظاهر والافعال الحضارية بتوقها الفني والانساني.6ـ ان يتجه النقد والنص الابداعي نحو تعرية الواقع الحياتي للناس والعودة به نحو السمو الذوقي بجعل الروح الشعبية محيطا فضائيا يتجاوز الاعمال الرصينة للرواد العراقيين والعرب.
7ـ تمكين القارئ العربي من التواصل الثقافي والابداعي مع الادب العراقي عبر توأمة الجامعات ودور النشر والمؤسسات الاعلامية (عراقيا وعربيا) في الشام ومصر ودول المغرب.