بسم الله الرحمن الرحيم
منذ بداية الخليقة وفجر البشرية بدأ الصراع بين قوى الخير وقوى الشر. صراع مستديم لا يملٌ ولا يجزع منه الطرفان. أحيانا يقوى وأخرى يفتر لكن لا ينتهِ. هذا هو ديدن النفس البشرية ونوازعها المنفلته على مدى العصور. الصراع بين القوتين يتحذ اشكالا متعددة كصراع الإيمان مع الكفر، والعدل مع الظلم، والعلم مع الجهل، والفقر مع الغنى، والحق مع الباطل، والحرية مع الإستبداد. لكن تبقى حالة الصراع بين الحرية والإستبداد هي الأقوى مهما أختلاف الزمان والمكان، ومهما تباينت الشعوب في شرق الأرض ومغاربها. فكلما زاد ضعط الطغاة والمستبدين على الشعوب المقهورة، كلما كبر الأمل في يقظة الشعوب. وكلما أشتد ضغط الطغاة على الناس، كلما إقتربوا من حافة الهاوية. لأن الشعوب ستنهض من كبوتها، وتسير وراء من يضيء لها اقبية الظلام حتى لو كان بيده شرارة صغيرة، لأنهم على ثقة بأن هذه الشرارة سرعان ما تتوهج وتكبر لتتحول إلى كتلة نارية تضيء الدرب كله.
مشكلة الطغاة هي حماقتهم وقصر تفكيرهم! فهم دائما محاطون بحاشية من الدهماء والمتزلفين والمنافقين الذين ينفخون فيهم كالبالون. وهم لا يدركوا بأن البالون لا يستوعب من الهواء أكثر من حجمه. وإستمرار النفخ سيؤدي حتما إلى إنفجاره. وأول المتضررين من فرقعته وشظاياه هم الطغاة أنفسهم والحاشية المحيطة بهم. لكن الزهو المصطنع والكبرياء الفارغة ونزعة التسلط تعمي أبصارهم وتثقل اسماعهم.
غالبا ما يبني الطغاة والمستبدون أبراجهم العاجية من المواد الرائجة في المجتمع كالفقر والجهل والجوع والتخلف والروحانيات والشعوذة، وبإستمرار وجود هذه المواد يمكنهم الإستمرار وإطالة مدة بقائهم في الحكم. لذلك فإن أحرص ما يحرصوا عليه هو إشاعة وترسيخ قيم التخلف الإجتماعي والثقافي وقلع جذور العلم والمعرفة، يعاونهم في مهمتهم الضالة رجال الدين والسحرة والدجالين وسفلة المجتمع. وعندما تتبرعم القوى الوطنية الواعية، وتقوى أغصان النخب الثقافية والإجتماعية بغفلة عن الطغاة، يسارعوا في محاولة يائسة لإستئصالها، ولكن دائما بعد فوات الأوان. لأنها سرعان ما تنمو ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة ومائة حتى يعجز الطغاة ويملوا منها، وأخيرا يتوقفوا للمطالبة بهدنة متطلعين الى المساومة مع من ساموهم شتى صفوف القهر والظلم والعذاب. المساومة بحد ذاتها مرحلة يستفاد منها الطغاة للملمة أوراقهم المتطايرة والمتبعثرة هنا وهناك، كمحاولة أخيرة لإسترجاع قواهم الواهنة. إنها أشبه ما تكون بمحاولة حفاة لجمع الدقيق المتناثر بين الأشواك في يوم عاصف.
إن الأنظمة المستبدة كما هو الحال في إيران والعراق متطبعة على القذارة والسفالة حتى أصبح كل منهما يجسد الآخر ويتجسد به. فهما لا يختلفا عن خنزير دخل ماء عذب ليغتسل، وعندما خرج منه رأى وحلا من القاذورات فحن إليه وتمرغ به مجددا. لكن الأمل يبقى دائما وأبدا معقودا على الجماهير المغلوبة على أمرها مهما إستكانت وصبرت وتأخر نهوضها الحتمي. فكل ما تحتاج إليه هي قيادة حكيمة تأخذ بيدها إلى طريق الثورة وترشدها إلى طريق الخلاص. وطريق الثورة فسيح ومفتوح ومتاح لجميع الشعوب بلا إستثناء، بالرغم من إنه طويل وفيه الكثير من المتاهات والمنعطفات. لكن المرشدين من الطلائع الوطنية والنخب الثقافية يعرفون جميع زواياه ودلائله ومنعطفاته، لذا لا خوف ولا تردد من التوغل فيه فالنتيجة محسومة لصالحهم. وهذه الطلائع المقاومة المجاهدة قد بدأت في حراكها الجماهيري الفاعل في إيران والعراق منذ زمن، وتمكنت من إستقطاب الجماهير الواعية والمثقفة إلى صفها في المرحلة التمهيدية. وتليها المرحلة الأصعب وهي مدٌ طوق النجاة للجماهير الغارقة في مستنقع الأوهام والغفلة والدجل لتنتشله منه، وتضمه بين جوانحها الثورية وتحلق به عاليا.
لقد أخذ الحراك الجماهيري مجراه الحقيقي في إيران والعراق بنفس القوة والإندفاع، وتتصاعد وتائره يوم بعد يوم بشكل مثير. إن النظامين الحاكمين في هذين البلدين المنكوبين بعمائم الشر، هما بلا جدال من أشد الأنظمة في العالم تعسفا وطغيانا وعنصرية وطائفية ووحشية سواء مع شعبيهما أو مع الشعوب الأخرى. لذا فكل منهما ينقل إنبوبة المغذي لبدن الآخر كلما ضعف ووهنت قواه، وبانت عليه علامات الإنحلال والتقهقر. فهذان البلدان يفيضان بالنفط والخيرات التي أسبغها الله عليهما، لكن الأنظمة الحاكمة حولت هذه النعمة الربانية إلى نقمة شيطانية، وإستأثرت بالخيرات والمنافع لنفسها وما زاد منه بذرته في نشر الشرور في كل مكان.
لقد دقت ساعة العمل مؤذنه بإنتهاء زمن عمائم الشر، والتبشير بعهد جديد، فالبقاء دائما للأصلح، والأصلح هو النظام الوطني الذي يكون لسان حال الشعوب المقهورة، والذي يعبر عن تطلعاتها المشروعة نحو التحرر والحياة الكريمة. ففي العراق إنطلقت شرارة الثورة من الأنبار إلى بقية المحافظات وإن تأخرت في محافظات الجنوب لكنها والحمد لله بدأت تومض، وبداية الألف خطوة تبدأ بالخطوة الأولى، ولكنها تتسارع بوتائر عالية وإندفاع أقوى.
وفي إيران فاضت مياه الإستياء والتذمر الشعبي وبلغت الرقاب، وطوق النجاة بيد المجاهدين من قوى المعارضة، تلك النخبة المباركة من ربٌ السماء والمزكاة من الشعب الإيراني، وعلى رأسهم جوهرة تاج المقاومة الوطنية الإيرانية منظمة مجاهدي خلق، مصنع المجاهدين والصابرين، التي شلت نظام الملالي وقلمت براثنه الطويلة، والصابرين في ليبرتي الذي يعانون من بطش النظامين الإيراني والعراقي معا، ما جعل جبين الإنسانية يتصبب عرقا وخجلا من ميوعة الشرعية الدولية وبرودة مشاعرها إتجاههم. وجعلت شعوب العالم الحرة تنظر بعين الإزدراء والتقزز إلى الأمم المتحدة وممثلها السابق الوغد(مارتن كوبلر) في عراق المالكي.
السيدة الرئيسة يوم بعد يوم تثبتون بأنكم على صواب ومخالفيكم على خطأ، يعلو شأنكم وينحدر شأنهم. تتوضح صورتكم الصافية الحقيقية، وتتشوه صورتهم المزيفة. وهذا أمر طبيعي، فصاحب الحق تحصنه السماء وتقيه من الزلل وتثبت أقدامه بقوة. وصاحب الباطل تزلق قدمية في وحل الخطيئة حتى يغوص فيه ويغرق. ويوم بعد يوم تثبت منظمة مجاهدي خلق إنها الأصلح والأكفأ، بل البديل الوحيد لنظام الشر الحاكم في طهران. وليست تلك أمنية الشعب الإيراني فحسب، بل هي أمنية جميع شعوب العالم الحرة والمحبة للسلام، سيما دول الجوار المتضررة من هذا النظام العفن الذي يقود حافلة إيران من المقعد الخلفي في طريق المتاهات.
السيدة الرئيسة! إن برنامج إستراتيجية النقاط العشرة التي طرحت من قبلكم في تجمع المائة ألف مقاوم (تجمع من أجل الحرية في باريس) حول رؤية المنظمة إلى إيران المستقبل، كان بحق البلسم الشافي لمعالجة كل الأوبئة التي خلفها نظام الملالي الحاكم. لأنه مبني على رؤية واقعية ومخلصة وتشخيص مهني صحيح لمشاكل إيران الداخلية والخارجية. كان البرنامج مريحا للعالم أجمع، ولدول الجوار بشكل عام، وللشعب الإيراني بشكل خاص. لأنه يشكل ويضمن بناء مشروع حيوي وفاعل يصب إجمالا في تثبيت مفهوم دولة المؤسسات، ويتجانس مع مخرجات الديمقراطية كالتعددية الحزبية، وترسيخ الحريات الأساسية، وتعزيز حقوق الإنسان، وتفعيل مساهمة المرأة في النشاط الإقتصادي، وحماية البيئة، وتعزيز السلم والأمن الدولي، والقضاء على جميع مظاهر التخلف من جوع وفقر وجهل ومرض. كما إنه يحقق العدالة الإجتماعية للشعب الإيراني، فجميع المواطنين متساوين في الحقوق بغض النظر عن العرق و اللون و العقيدة و اللغة أو الثقافة و الانتماء. ويسمح بتشييد صرح بنيوي عالي يتناغم مع إرتفاع مستوى الروح الوطنية، ويلقح الشعب الإيراني ضد الأوبئة الإجتماعية التي نشرها نظام الملالي بين الشعب الإيراني. حيث اسس عقيدته الإستبدادية بوحي الدين المزيف. فأساء لنفسه وأساء للدين أيضا.
إن نمو حاجتنا العقلانية تتطلب رؤية ديمقراطية ناضجة وواعية تزيح عنا وطأة رجال الدين وضغوطهم على رقابنا، وبنفس الوقت تحرر السياسة من رجال الدين المنافقين، وتحرر الدين من رجال السياسة المنافقين. وهذا ما جاء في إعلان الإستراتيجية الجديدة في باريس وهو بحق( إعلان نهضة إيران).
السيدة الرئيس رجوي! إسمحي ليُ أن اتشرف بأن أكون اول من يهنئك بالنصر القريب، وإن كانت هذه الخطوة متقدمة قليلا عن أوانها، فإن مبعثها الثقة بقيادتكم وحكمتكم، والإيمان بقدرة شعبكم العظيم الذي سينفجر بركانا هائجا يكتسح كل عمائم الشر، ومن يقف عثرة في طريق نهضته وتقدمه. ومبعثها أيضا الإيمان بالحق، لأنكم على حق، والحق يعلو ولا يُعلى عليه. وفي طهران القادمة الخالية من الشياطبن المعممة،سأقدم لم التهاني وأنت في موقعك الجديدة رئيس لإيران الحرة المسالمة، الخالية من اسلحة التدمير الشامل، وعمائم التدمير الهائل. وإن ناظره لقريب… وقريب جدا.
وكلمة اخيرة للمجاهدين الصابرين في ليبرتي الذين لم يشهد التأريخ القديم والمعاصر بسوء حال مثل حالهم، فقد تحالف المُضيف مع قطاع الطرق على قتل وسرقة وتعذيب ضيوفه. ما هكذا علمنا ديننا الحنيف، ولا أجدادنا زرعوا فينا هذه الخصلة المعيبة. لا والله! فهؤلاء الأوغاد ليسوا من أحفاد أولئك الأمجاد، بل هم أحفاد لأبي لهب وأبي رغال وكل سفلة التأريخ على مرٌ العصور. ويبقى عارهم ملازما لهم كظلهم يتوارثه أبناءهم واحفادهم.
إن حكومة قطاع الطرق التي سرقت ثروات العراق لم تكتفِ أو تشبع نهمها من السحت الحرام، فمدت أياديها القذرة لتسرق منكم المولدات والعجلات وإنتهت بفضيحة سرقة أعمدة الكهرباء! يا للعار ويا للعار والف عار! لكن ثقوا يا آل ليبرتي إنها ليست سرقة بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي تعبير عن حالة الإخفاق والتعثر التي تمر بها حكومة المالكي وأسياده في طهران. فهؤلاء الحكام أشبه بلص يسرق أمه ويعطي ما يسرقه لجماعته اللصوص، فلا الله يسامحه، ولا أمه تغفر له، ولا اللصوص يشكروه على فعله.
صبرا يا آل ليبرتي! فإن الله معكم، والعراقيين الشرفاء الغيارى معكم، وجماهير شعبكم الأبي معكم، وعيون رئيستكم المنتخبة التي لا تغفل عنكم لحظة واحدة! وهيهات أن تغفل! فهنيئا لكم بقيادتها وحكمتها وتفانيها لخدمة قضيتكم العادلة. إنها ترمي شباكها كل يوم بعقل ودراية لتتصيد لكم الفرص الطيبة، في سبيل الخروج بكم سالمين من وكر الشيطان. تعمل بثقة وهدوء وصبر دون أن تسمح لليأس أن يقترب منها. فقد أغلقت الأبواب جميعها أمام تيارات القنوط والإحباط والإنكسار، وفتحت النوافذ أمام شعاع الثبات والصمود والنصر.
صبرا يا آل ليبرتي! فإن مأوى أمواتكم الجنة ومأوى أحياءكم الغد السعيد بإذنه تعالى. ستكونوا عبرة ليس لشعبكم، وإنما للعالم بأجمعه الذي يرنو بزهو وإعجاب إلى صبركم الجميل، ويسجع من عزيمتكم الصلبة قصيدة بطوليه عصماء، ويلحنها انشودة حماسية تتغنى بها الأجيال القادمة. وبقدر ما يستمتع بها الإحرار من جهة، بقدر ما تقلق مضاجع الطغاة من جهة أخرى. حتى لو سدوا أذانهم بحجر صماء وليس بقطن فإنها ستخترقها وتدوي فيها. فصوت الحق وصداه شديدا النفاذ، ولا يمكن أن يهفتا.
خذوا يا آل ليبرتي شهيق المجد من صبركم وقوة تحملكم، وإطلقوا على الطغاة زفير الذل والعار. وبعون الله سيعيد الشعب العراقي والإيراني الشياطين التي فلتت من القمقم في غفلة من الزمن الى قمقمها المظلم الرطب، وتحكم إغلاقة بشدة وترميه في يم اللاعودة.
صبرا يا آل ليبرتي! بثباتكم ستنفلق دهاليز الظلام بقبس من النور الساطع، وتتقلص المسافات بين غصنكم اليانع الرطب وجذع منظمتكم الثابت المتجذر. عندئذ تندمل الجروح، وتشبع النفوس من عبير الوطن القريب البعيد، ونسيم الحرية الزكي. وستكون خاتمة المسك كلمة وداع من العراقيين الشرفاء الغيارى ” معذرة يا آل ليبرتي! فمنا من يخطأ ومنكم من يسامح”.
علي الكاش