الصراع السياسي في العراق.. كسر عظم أم إعادة تموضع؟
آخر تحديث:
بقلم :سمير داود حنوش
في السابق كان الصراع في العراق يتراوح بين صعود ونزول بمديات محدودة لا تتعدى الخطوط الحمراء التي أحاطها النظام السياسي بالمتصارعين، ونزاع لا يعدو كونه الظفر بأكبر حصة من المغانم والمصالح، لكنه تحول في الآونة الأخيرة إلى صراع إرادات.كان الاختلاف لا يخرج في حقيقته عن الانقضاض على السلطة وإمكانية تراضي الجميع أو تصحيحه في الوقت المناسب، بينما تحول صراعهم اليوم إلى ما يشبه كسر العظم، حيث اختفت قواعد الاشتباك مما يوحي بتصاعد أصوات طبول الحرب وأحداث قد تُسعِّر الصراع بين أطراف العملية السياسية في العراق.لم يكن موت سعد كمبش رئيس ديوان الوقف السني السابق، بعد هروبه أو تهريبه من السجن، البداية لفتح الكثير من الأبواب المغلقة، فقد سبقها صراع “الموازنة” التي تتأرجح بين مُتعجّل في إقرارها وراغب في تأخيرها.
تحت الرماد وميض وجمر يوشك أن يستعر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خصوصاً بعد إيحاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بوجود ابتزاز سياسي رافق إقرار الموازنة المالية في العراق تُمارسه أطراف لم يفصح عنها. إشارة السوداني كانت بعد أن أبلغ وزير داخليته بعدم حضور جلسة البرلمان إلا بعد مفاتحة القائد العام للقوات المسلحة المتمثل بالسوداني وبيان أسباب طلب استدعاء الوزير، وإذا كانت الأسباب مُقنعة فسيكون حضور الوزير مع رئيس الوزراء تحت قبة البرلمان.
استجواب الوزير جاء على خلفية تغييرات في مواقع حكومية ينوي السوداني إجراءها في الأيام القادمة تشمل من بينها قيادات أمنية وعسكرية في محافظة الأنبار قد تطال المحافظ المُقرّب من الحلبوسي.هروب سعد كمبش الذي يُعتبر الصندوق الأسود لبعض الزعامات والأحزاب السياسية ما اعتبره ائتلاف دولة القانون الشريك الأساسي في الإطار التنسيقي بأنه تصفية من قبل شركائه كان من الممكن أن يطيح برؤوس فساد كبيرة.
الحشد الشعبي كان حاضراً في توجيه الاتهام إلى المستفيد من موت كمبش عندما أكد أحد قادته أبوتراب التميمي في تغريدة واصفاً سيناريو الهروب بالغريب ومُختتماً بـ”أفلامكم لأتباعكم”.مشهد سيُعجّل بفتح الباب للحساب السياسي وإعادة تموضع للأحزاب والكتل السياسية بعد تعرّي النظام السياسي وسقوط ورقة التوت التي تستره في نظر الشعب.الصراع في العراق بدأ يأخذ مدى أفقيا وعموديا، فلم يعد النزاع السياسي يقتصر على المكونات في ما بينها بل توغل إلى المكون نفسه، فتحالف السيادة الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وشريكه خميس الخنجر مُهدد بالانفراط، خصوصاً بعد فشل الصلح بين الشريكين رغم الوساطات التركية – القطرية التي وصلت إلى طريق مسدود في تقارب وجهات النظر، مما يؤكد انفراط عقد التحالف وتشظّي البيت السني.
البيت الشيعي لن يكون بمأمن عن التخالف والاختلاف، خصوصاً مع نيّة السوداني إجراء تغيير وزاري مُرتقب يشمل وزارات ومراكز عُليا في البلد قد تثير حفيظة بعض الشركاء في الإطار التنسيقي بين مؤيد ورافض لهذه الخطوة التي أُعطيت لها فترة ستة أشهر لتقييم عمل الوزارات تنتهي خلال الأيام القادمة، ما يعني أن السوداني ربما يُشعل تغييره الذي سيجريه صراعاً محموماً للظفر بأكبر حصة من المصالح وحفيظة البعض، فيما يرغب رئيس الوزراء بإجراء تقييم شامل للأداء كما صرح “لن أُجامل زعيماً أو حزباً بالتعديل الوزاري، ومن يريد أن يرفض فليرفض”، في إشارة إلى وجود رافضين لهذه المحاولة.
ويبقى السؤال عن الغائب الحاضر في المعادلة السياسية، أين مقتدى الصدر من كل ما يحدث؟ قد يكون من المبكر الإجابة أو توضيح الصورة للموقف، لكن الصدر فاجأ الجميع ببيان على مواقع التواصل الاجتماعي واصفاً عام 2023 بعام التغيير بإشارات يمكن وصفها بالمراقب للمشهد السياسي وانتظار ما سيحدث، خصوصاً وأن بعض التسريبات تشير إلى أن الصدر تلقّى إشارات بواسطة مجساته بضرورة أن يكون متفرجاً على مركب السياسة المتلاطم في العراق وانتظار النتائج.
هل يتكرر السيناريو الأفغاني في العراق؟ هذا ما يتسرب إلى أذهان البعض، فأميركا التي حاربت طالبان وأسقطت أفغانستان أدركت في نهاية المطاف أن الذين حاربتهم هم خير من يحكم البلد لذلك استعانت بهم في السلطة مرة أخرى.أميركا لا تحمي إلا مصالحها ولن تُطفئ الورقة إذا احترقت. هو الصيف الساخن الذي ينتظر العراق وشعبه بأحداث ومفاجآت قد تُغير أو تتغير فيه الوجوه.