الصور الشعرية في قصائد عبد الوهاب البياتي

الصور الشعرية في قصائد عبد الوهاب البياتي
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- إن الصور الشعرية التي تجسدت في قصائد الشاعر عبد الوهاب البياتي جاءت نتيجة تراكمات متعددة استقطبها الشاعر من تجاربه المستمرة والمتجانسة على مستويات متعددة , لذلك نجد تكوين الصورة عند الشاعر تعرضت الى تطور كبير جدا كما تطورت اللغة عنده وعند شعراء الشعر الحر , ورغم وجود الصورة القديمة التي كان يستوحي منها الشاعر القديم بما يتلائم مع بيئته الشعرية , لذلك نجد الشاعر البياتي استند في اقتباس صور جديدة من الموروث الشعبي وخاصة الامثال الشعبية لكي يجعلها بأطر واضحة المعالم يحقق هدفه منها .
هنا صورة جديدة لم يرسمها شاعر بل رسمها فنان , فهي لوحة رائعة وهو يضمن واحدة من قصائده للمثل الشعبي (لا يصلح العطار ما أفسد الدهر) وقصة هذا المثل أنه فى احدى المدن كانت تعيش امرأة تتمتع بمسحة جمال ومع تقدمها فى العمر فقدت الكثير من جمالها. وكان يسكن فى جوار منزلها عطار عرض عليها بعض الاعشاب التى تعيد لها بعضا مما فقدت واستغلها ماديا بدون فائدة تذكر… فقال الشاعر يصف هذه الحالة:
وعجوز تمنت ان تكون صبية وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر
تروح الى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما افسد الدهر
هذا المثل الذي لازال يدور على الالسن بما يحتويه من قيمة حضارية ومدلولات فكرية , بلغة واضحة وسهلة , هنا الشاعر عبد الوهاب البياتي وفي قصيدته (سوق القرية) يقول :
والعائدون من المدينة : يالها وحشا ضرير
صرعاه موتانا , وأجساد النساء
والحالمون الطيبون
وخوار أبقار وبائعة الأساور والعطور
كالخنفساء تدب «قبرتي العزيزة» ياسدوم
لن يصلح العطار ماقد أفسد الدهر الغشوم
الامنيات التي يحلم بها الشاعر جسدها في قصائده بأمل كبير يختمه بضياعه , من خلال قوله وإستعماله لذلك المثل , وكأنه يصور احلام الحالمون بالتجديد قد إنتهى وولى , لانه مهما حاولنا أن نغير من ذلك الواقع فاننا لانستطيع كما لايستطيع العطار بكل مايملكه من أدواته المادية أن يغير شكل الانسان .
بأسلوب المباشر حول الشاعر تلك الصورة من التجسيد المادي المتعلق بعجز الانسان من تغيير حاله بعد ان تجاوزه الزمن , كذلك لايمكن تدارك الازمان لان المواقف إنتهت مع أزمانها البعيدة والمتلاشية .
فالاتحاد الحاصل بين المثل الشعبي وإختياره من قبل الشاعر وبين تناسق اللفظة الموحية حقق صورة واضحة ومنقولة بدقة تفهم , وإن كان فهمها بصورة سطحية أو معمقة متلازم مع الفهم الواسع للفكر الذي يملكه الشاعر عبد الوهاب البياتي .
بل نجد الشاعر في كل قصائده يعد نفسه محورا أساسيا في طرف الصراع الحاصل فيها , بإعتباره إنسان وهو جزء من مملكة الوجود الانساني , فيحس بآلام غيره ويجسدها بطابع حقيقي وكأنها جزء منه , ومن هنا نجد الشاعر أبن لبيئات متعددة , متقلبة بتقلب حياة الشاعر ومعاناته , فهو يسترسل ويعطي لكل بيئة حدودها وفق نسق فني متجانس من احتواء اللفظة , التي كانت واضحة ومجسدة للواقع المختار من قبل الشاعر , فعند إستعمال المثل الشعبي وفق تصور معين بحيث عد إستجابة لسياق نفسي وفني .
وفي إتجاه اخر كان للشؤم المتلازم مع حياة الشاعر أبعاده الفنية المرسومة في أشعاره , فاستعمل المثل الشعبي ( أشأم من غراب) أو غراب البين ,( هذا المثل الذي دار ولازال يدور بين ألسنة العوام إذا احسوا بسوء من شيء معين , فتشاءموا به وتطيروا منه اذ كان لا يعتري منازلهم الا بانوا، فسموه غراب البين.
فهو مثال للشؤم لأنه لا يظهر البين إلا في حال رحل أهل المنطقة لشيء فيه تعب لهم قد يكون البحث عن الطعام في الماضي والأمراض في الزمن الحالي . فرسم الشاعر تلك الصورة في قصيدته (مذكرات رجل مجهول ) فقال :
إني لأخجل أن أعري , هكذا بؤسي , أمام الآخرين
و أن أرى متسولاً , عريان , في أرجاء عالمنا الكبير
و أن أمرغ ذكرياتي في التراب
فنحن , يا مولاي , قوم طيبون
بسطاء , يمنعنا الحياء من الوقوف
أبداً على أبواب قصرك , جائعين
و مات جدي , كالغراب , مع الخريف
كالجرذ , كالصرصور , مات مع الخريف
فدفنته في ظل نخلتنا و باركت الحياة
فنحن , يا مولاي , نحن الكادحين
ننسى , كما تنسى , بأنك دودة في حقل عالمنا الكبير.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *