بغداد/ شبكة أخبار العراق- عززت الشركات الصينية من تموقعها في السوق العراقية وخاصة في مجال الطاقة بعد تتالي الشراكات في هذا المضمار منذ انضمام بغداد إلى مبادرة طريق الحرير قبل ثلاث سنوات ما جعل البلد النفطي الوجهة الأولى للاستثمارات القادمة من بكين بالشرق الأوسط. وسعت بكين من استثماراتها في العراق من بوابة الطاقة بعدما أبرم تحالف من الشركات الصينية الأربعاء اتفاقا مع شركة كويت إنرجي في البصرة بشأن مشروع منشأة لمعالجة الغاز الطبيعي. وقالت الشركة الصينية للهندسة (سي.أي.أم.سي) في بيان إن تحالفا من الشركات تقوده “وقع عقدا بقيمة 412 مليون دولار”” مع الشركة العراقية وهي فرع لشركة الأم الكويتية التي تأسست في عام 2005 “لتطوير المشروع”. ولم تذكر بدقة موعد بدء تنفيذه. وهذه الشراكة تأتي بعد عدة أسابيع من توقيع وزارة النفط العراقية عقدا مع سينوبك الصينية لتطوير وإنتاج الغاز في حقل المنصورية شرق بغداد بطاقة إنتاج تبلغ 300 مليون قدم مكعب يوميا، وهو يعد ثاني أكبر حقل في البلاد بعد حقل عكاس في محافظة الأنبار.ويضم الحقل، الذي يقع في محافظة ديالى، مخزونا غازيا يتجاوز 4500 تريليون قدم مكعب على مساحة 150 كيلومترا مربعا، وهو ثاني أكبر حقل للغاز الطبيعي في البلاد بعد حقل عكاس في محافظة الأنبار. ووفقا للإحصائيات الرسمية، فإن الاحتياطي الغازي للعراق يبلغ قرابة 132 تريليون قدم مكعب قياسي، ولكنه لم تتم الاستفادة منه بالشكل الأمثل حتى اليوم.
وتعتبر هاتان الشراكتان دليلا ملموسا على مدى اهتمام الصينيين بالاستثمار في السوق العراقية مهما كانت ظروف أو طبيعة مناخ الأعمال بهدف تحقيق أهدافهم. ويرى محللون أن طموحات بغداد بمشاركة الصين بشكل واسع في نهضة اقتصادية شاملة يبدو أنها تحقق نجاحا رغم ضعف الاستقرار الأمني وانتشار الفساد، إضافة إلى التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران، والذي تنعكس تداعياته على الساحة العراقية. وبينما يسعى العراق لتعزيز استثمارات حقول الغاز والتي قد تمنحها استقلالية بعيدا عن الإمدادات الإيرانية لإنتاج الطاقة الكهربائية وكمصدر رئيس للصناعات البتروكيمياوية والتكريرية الأخرى، تعمل الصين على تجسيد مبادرة طريق الحرير الجديد واقعيا. ويأتي التحول العراقي المتسارع نحو بكين بينما تتسابق فيه دول كثيرة نحو النموذج الصيني، الذي يعد بمشاريع عملاقة للبنية التحتية دون أجندات سياسية مثلما هو الحال مع تجارب سابقة مع الدول الأوروبية، لم تحقق وعودها الكبيرة. وتستغل الصين تردد الشركات الغربية للاستثمار في العراق بسبب الوضع السياسي والأمني الهش، ونجحت في عقد اتفاقيات شراكة واسعة شملت البنية التحتية ومشاريع الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات الصينية في العراق وصلت إلى حوالي 20 مليار دولار بنهاية 2019 أي قبل الجائحة. ولا توجد معلومات حول حجمها الآن. ومنذ 2003 شهد البلد النفطي ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية نموا كبيرا لمشاركة الشركات الصينية في مشاريعه حيث تستثمر في تطوير الحقول النفطية وأبرزها حقل حلفاية ومجموعة حقول ميسان وحقل الأحدب وشرقي بغداد. كما تقوم الشركات الصينية بدور أساسي في مد خطوط الأنابيب النفطية، فضلا عن أنها تستورد يوميا ما يصل إلى 800 ألف برميل من النفط الخام العراقي. وبالإضافة إلى ذلك يتعاون البلدان لبناء مطار ومحطة طاقة شمسية ومشاريع أخرى.
وانضم العراقيون في ايلول 2019 إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تسعى لإحياء طريق الحريق التاريخي، وتركز على مشاريع استراتيجية لربط المسارات التجارية البحرية والبرية في نحو 65 بلدا. وفي الشهر التالي من العام ذاته وقع البلدان اتفاقية متعددة الجوانب في ختام مباحثات بين وفدين في بكين، برئاسة عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء العراقي آنذاك، ورئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ. وتتضمن الاتفاقية مبادلة عائدات النفط بتنفيذ مشاريع في العراق، عبر فتح حساب ائتماني في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط البالغة 100 ألف برميل يوميا من أجل صرفها للشركات الصينية التي تنفذ تلك المشاريع. وتمتد الاتفاقية لعشرين عاما، وتركز على مشاريع البنى التحتية مثل المستشفيات والطرق والكهرباء والصرف الصحي والمدارس، ويتم تحديدها من خلال وزارة التخطيط، بالتنسيق مع مجلس الوزراء. وتعد مبادرة الحزام التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2013 وتتألف من حزمة واسعة من مشاريع التنمية والاستثمار تمتد من شرق آسيا مرورا بالشرق الأوسط إلى أوروبا، إحدى أهم أدوات القوة الناعمة التي تراهن عليها بكين لتعزيز نفوذها عالميا.
وتثير هذه المبادرة قلق الأميركيين وحلفائها الغربيين على نحو متزايد، لاسيما وأن هذه المبادرة تشكل إغراء كبيرا للعديد من الدول التي تسعى للاستفادة قدر الإمكان من التكنولوجيا الصينية ومن تعزيز العلاقات مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويشكل العراق إحدى أهم المحطات التي يمر عبرها طريق الحرير الجديد، وهو ما يفسر التركيز الصيني الكبير على تعزيز العلاقات والروابط مع بغداد والتي تجاوزت في السنوات الأخيرة البعد الاقتصادي لتشمل جوانب مختلفة. وأظهرت دراسة حديثة أجراها مركز التمويل الأخضر والتنمية بجامعة فودان في شنغهاي الصينية أن العراق حل في المرتبة الأولى في ما يخص عقود البناء في إطار المبادرة خلال العام 2021، تلته صربيا في المرتبة الثانية وإندونيسيا في المرتبة الثالثة. وأصبح العراق، الذي أنهت فيه الولايات المتحدة عملياتها العسكرية العام الماضي، ثالث أكبر شريك في المبادرة بمشاريع الطاقة بعد باكستان وروسيا. وبشكل إجمالي، بلغت استثمارات الصين في 144 دولة تشملها المبادرة 59.5 مليار دولار في العام الماضي، دون تغيير كبير عن 60.5 مليار دولار عام 2020. لكن اللافت أن الاستثمارات في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط زادت العام الماضي بنسبة بلغت 360 في المئة، والمشروعات الإنشائية بنسبة 116 في المئة، على أساس سنوي. ونسبت وكالة رويترز إلى كريستوف نيدوبيل وانغ مدير مركز قوله إن “الباحثين تفاجأوا بالحجم الكبير للاستثمارات الصينية بمنطقة الشرق الأوسط والدول العربية”. وأضاف “كنا نعتقد أن التركيز سيكون أكثر بكثير على جنوب شرق آسيا، بما في ذلك البنية التحتية، لكنه في الواقع كان مدفوعا بشكل خاص نحو العراق، ويشهد تحوّلا قويا نحو أفريقيا ودول الشرق الأوسط”.