لا أحد يعرف من عينَّ زعيم ميليشيا (بدر) الطائفية هادي العامري، قائدا لما يسمى بـ(جبهة ديالى) يحكم ويتحكم بهذه المحافظة العربية الاصيلة، ويشن حملات ابادة جماعية ضد السنة العرب فيها، وهم الاغلبية الساحقة من سكانها، فلم نسمع عن قرار رسمي صدر بتعيينه، ولا نعرف من سمح له باستخدام آليات وعجلات وجرافات وزارة النقل التي كان يشغلها في مطاردة مواطني المحافظة وقتلهم على الهوية والاسم والمنطقة والعشيرة، وتهديم بيوتهم وتجريف مزارعهم وبساتينهم حتى وصل الامر به الى قطع مياه الشرب والسقي عن اكثر من مليون انسان يعيشون في اقضية المقدادية وبعقوبة وبلدروز ومندلي ونواحي المنصورية والسعدية وكنعان وبهرز وعشرات القرى والقصبات، كل الذي عرفناه ان هذا الكائن المكروه ارتدى بدلة عسكرية مرقطة وهو الهارب من الخدمة العسكرية كما تكشف ذلك سجلات دائرة تجنيد ناحية خان بني سعد التي كان ينتمي الى احدى قراها (جيزاني الجول) وراح يوزع ميليشاته التي لا تُحسن غير قنص الابرياء في مراكز مدن المحافظة وطرقها الرئيسية .
ومن يعرف سيرة هادي العامري في العراق حتى هروبه الى ايران في عام 1980 فرارا من الخدمة العسكرية الوطنية ، لا يجد فيها شيئا مثيرا او متميزا سواء في العمل الوظيفي او الاجتماعي او السياسي، فقد كان مجرد مستخدم في مديرية تربية الرصافة ببغداد، ولم يشمله نظام (تبعيث) التعليم في العراق الذي طبق في العام 1978 لانه كان بعثيا بدرجة (نصير) وقد اعترف هو بذلك في حديث لصحيفة عراقية كانت تصدر في دمشق عام 2009، واعترف ايضا انه لم يلاحق أمنياً او يعتقل في يوم من الايام طيلة وجوده في العراق، وينقل عن لاجئين عراقيين اقاموا وعاشوا ونشطوا في ايران طيلة الثمانينات ان اغلب التنظيمات المعارضة تحسس من وصول هادي الى طهران ودارت الشكوك حول هذا الشاب الموظف في حكومة صدام (الطاغوتية) كما كان يسميها الايرانيون، ولا يحتفظ بورقة او وثيقة او مستمسك يثبت انه (مجاهد) شيعي، او انه من اتباع آل البيت او انه اوقف او اعتقل في فترة من الفترات، ووصل الامر بالسلطات الايرانية الى اتخاذ قرار باعتقاله والتحقيق معه، لولا تدخل احد قياديي حزب الدعوة ممن كان هناك ويدعى الحاج مهدي عبد مهدي وهو محاسب سابق في بلدية قضاء الخالص التي تتبعه قرية هادي (جيزاني الجول) ونجح في انتشاله من المصير الذي كان ينتظره وكفله وعمد الى ابعاده عن طهران حيث يكثر القيل والقال والنفاق و(الحرق) بين القيادات الشيعية ونقله الى ارومية المدينة الكردية التي تقع في الشمال الغربي الايراني وكان فيها فصيل من حزب الدعوة يتجسس على قطعات الجيش العراقي المرابطة على الحدود مع ايران.
وحسب شهادات عدد من اللاجئين فان هادي العامري ظل مرتبطا بتنظيمات حزب الدعوة في ايران حتى نهاية عام 1988 ، عندما توقفت الحرب الايرانية العدوانية على العراق واضطر خميني الى تجرع السم ، وبدأ الحزب يشهد سلسلة من الانشقاقات كان اقطابها مهدي آصفي وكاظم حائري من جهة وابراهيم الجعفري ومحمد باقر الناصري والتحق بهما لاحقا جواد المالكي قبل ان يتحول الى (نوري) من جهة اخرى، وتوقف التمويل الايراني، ولم يجد هادي مكانا لدى المنشقين وذهب الى محمد باقر الحكيم يعرض خدماته عليه، فالحقه الاخير ضمن تشكيلات فيلق (بدر) الجناح العسكري الايراني للمجلس الاعلى، وهكذا تدرج حتى اصبح رئيسا له في عام 2002 وهناك تفاصيل بهذا الشأن معززة بالوثائق والارقام والتواريخ وشهادات الشهود نأتي عليها مستقبلا.
ولان محافظة ديالى تجاور ايران وتعد اقرب المحافظات العراقية الى العاصمة بغداد وذات اغلبية سنية عربية سكانية، وتضم اكثر من 550 ألف عسكري بين ضابط وجندي وشرطي من سكانها البالغ عددهم مليون وستمائة وخمسين الف نسمة حسب احصاء وزارة التخطيط 1997، فانها ظلت صامدة وخافت قوات الاحتلال الامريكي من التوجه اليها الا بعد تقويض الدولة العراقية بالكامل وبعد اسبوع من التاسع من ابريل 2003 ، الامر الذي جعلها هدفا مركزيا لايران وميليشياتها الطائفية في ظل تغطية امريكية واضحة.
ورغم المساندة الامريكية والمساعدات الايرانية للاحزاب الشيعية في افتتاح مقرات ونشر ميليشيات في المحافظة خلال الاعوام من (2003 – 2007) الا ان ديالى بقت ثابتة وأبية، وانتجت حركة مقاومة وطنية باسلة، وصلت في عام 2006 الى اقامة استعراضات عسكرية لمقاتليها في بعقوبة والمقدادية وبهرز وهبهب والعظيم وحوض حمرين حتى في الخالص التي تسكنها اقلية شيعية، وهو ما جعل حكومة نوري المالكي وهي في سنتها الاولى تعبيء جهودها الامنية والعسكرية في محاربة أهل ديالى وتشتري ذمم بعض شيوخ عشائر شيعية واغلبهم صنعّهم النظام السابق واغدق عليهم وعدد منهم حملوا شارة (اصدقاء صدام) من كثرة الانواط والاوسمة التي اعطيت لهم بلا وجه حق، وبدأت الفتنة الطائفية تسري في مدن ومناطق المحافظة وانتشرت عمليات المداهمات والاعتقالات والتهجير والعقوبات الجماعية، ورافق تلك الاجراءات حملة واسعة لتعيين عناصر شيعية في مناصب حكومية عالية، وكانت النتيجة ان المحافظة التي تضم 22 دائرة حكومية (عسكرية وامنية وادارية وخدمية) تبوأ رئاسة 21 منها اشخاص انتموا حديثا الى حزب الدعوة والمجلس الاعلى وتيار ابراهيم الجعفري وميليشيات (بدر) ولم يبق من رؤساء الدوائر غير مدير زراعة المحافظة وهو شخصية سنية معروفة بالكفاءة والنزاهة والمهنية، فجاء وزير الزراعة (السني) عزالدين الدولة في عام 2010 واحاله على التقاعد وعين واحدا من اتباع هادي العامري بدلا منه.
ورغم اساليب البطش والتقتيل والتهجير التي اعتمدتها سلطات المالكي طيلة اكثر من ثمانية اعوام لتركيع اهل ديالى ومحاولة تغيير بيئة وطبيعة المحافظة الوطنية والقومية، والسعي لتحويلها الى ولاية شيعية طائفية، الا ان سكانها سموا فوق جراحهم واستبسلوا في الدفاع عن اصالة محافظتهم وحافظوا على سمعتها وتاريخها ومكانتها كمحافظة عراقية عربية عريقة في مواجهة الريح الصفراء القادمة من شرقها وتتصدى لهيمنة المليشيات الوسخة الوافدة عليها، وخلال عام واحد شهدت ديالى سلسلة من المجازر الوحشية ابشعها ما حدث في جامع سارية ببعقوبة وبهرز والمخيسة والكاطون والكبة وشفتة والمقدادية ودلي عباس والندا وكنعان والسعدية والوجيهية وجلولاء ومسجد مصعب بن عمير في حمرين وقرى الخالص، حتى لم تبق بقعة من ارض المحافظة لم تجر فيها سواقي الدم العراقي البريء.
واليوم تتعرض محافظة ديالى الى حملة انتقامية لا مثيل لها يقودها هادي العامري علانية ولا يخفي اغراضها الثأرية وتتمثل في تهجير ثلاثة ارباع سكانها الى خارجها، وهو يذهب الى مركز المحافظة في بعقوبة يوميا ويجتمع مع القيادات العسكرية والامنية والمليشياوية فيها وينسق معها على اخلاء مناطق حوض حمرين وقضاء المقدادية ونواحي جلولاء والسعدية وقرتبة المجاورة لايران، والعظيم وبهرز وهبهب والحديد وخان بني سعد المحاذية للعاصمة بغداد، من سكانها ولا يهمه الى اين يذهبون ويتوجهون؟ المهم عنده افراغ ديالى من اهلها الاصليين، وفي آخر زيارة له الى بعقوبة حثه احدهم ان يتمسك بحقيبة وزارة الداخلية وعدم تخلي (بدر) عنها مهما حصل، فرد (ابو حسن) متعمدا رافعا صوته ليسمعه القريب والبعيد : والله لن أتنازل عن شيئين ما دمت حياً، الداخلية وتشييع ديالى، وضجت قاعات وباحات مديرية شرطة المحافظة التي عقد فيها الاجتماع بالهتاف على الطريقة اياها (علي وياك علي) في اساءة الى الامام العربي القرشي علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه، البريء منهم الى يوم الدين.
هادي العامري يسرح ويمرح في محافظة ديالى يخطط ويهجر ويقتل، وآخر جرائمه اغتيال 15 شابا في بعقوبة وتعليق جثثهم على اعمدة الكهرباء في شارع خريسان، ومنع الاقتراب منهم خشية تصويرهم، وهو في زياراته الى المحافظة يحف به بلا حرج او خجل عدد من ضباط فيلق قدس الايراني، يستمع الى توجيهاتهم ويتبادل الاراء معهم باللغة الفارسية التي يتقنها حتى يخيل لمن يستمع اليه ، انه ربما يكون من سكان اصفهان او همدان..! انه قائد جبهة ديالى – هكذا يصف نفسه – بلا قرار او مرسوم، نصب نفسه بالقوة ولا يستطيع احد ان يفتح فمه.
بعد تشكيل حكومة العبادي الحالية والانتهاء من توزيع المناصب والمغانم، ذهب وفد من شيوخ ووجهاء ومثقفي ديالى الى بغداد، وقابلوا نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري وعرض الوفد عليهم جرائم وانتهاكات هادي العامري وميليشياته في المحافظة موثقة بالاحداث والوقائع فكان جواب المسؤولين الثلاثة (قصف الله أعمارهم) على الشكل التالي : قال لهم النجيفي : إصبروا..انشاء الله يصير خير، واعتذر المطلك لهم وابلغهم ان هادي العامري (غول) لا يستطيع مواجهته، اما سليم الجبوري وهو للعلم من المقدادية المنكوبة بمليشيات العامري وعصائب الخزعلي، فقد دعا اعضاء الوفد الى الهدوء والسكينة وتحمل الاذى وانتظار الفرج..!.
وبعد كل هذه المصائب والكوارث والنكبات ما زال بعض السُـــّنة العرب مخدوع بالنجيفي والمطلك والجبوري، ويتوهم بان هؤلاء (الفرسان) الثلاثة وهم في مواقعهم ومناصبهم، قادرون على كف أذى مليشياوي عميل وأجير اسمه هادي العامري، وانظروا الى صورته المنشورة على شبكة الـ(انترنت) وهو يقبل يد خامنئي الصفوي المجوسي بفرح وسعادة رغم انه وزير في بلد كان اسمه العراق..!