محمد حسن الساعدي
آراء الخبراء تباينت حول البرنامج الحكومي الذي طرحه السيد العبادي خلال توليه منصب رئاسة الوزراء في الثامن من أيلول 2014 حيث وصفه البعض بالبرنامج الذي يتناسب ووضع العراق بعد مرور ثمان أعوام على حكومة المالكي التي حملت الكثير من الانعطافات ، بل أضرت كثيراً بمجمل العمل السياسي بعد أحداث عام 2003 في حين برزت حقيقة الأوضاع المالية الصعبة التي تواجه حكومة العبادي حيث حذر الكثير من خبراء المال من تعرض وضع البلاد الاقتصادي والمالي إلى أزمة حقيقة انعكست على عدم القدرة في المصادقة على الموازنة وصرف رواتب الموظفين ، والتي ظهرت بعد نفاد الأموال من خزينة الدولة وهو نتاج سوء الإدارة المالية والفساد الكبير في مؤسسات الدولة وضياع المليارات في صفقات وهمية ومشاريع فاشلة أمتلئ بها بنوك ومصارف الدول الخليجية والعربية والأوربية .
في نفس السياق كشفت التقارير أن رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي أستخدم وسيلة منح العطايا للحصول على مكاسب سياسية وانتخابية سواءً له أو لأقاربه وهذا مكّن الكثير من المغمورين الوصول إلى قبة البرلمان ليس لشيء سوى قرابتهم من رئيس الوزراء ، واستخدام المال العام بشكل مخيف حسب ما أشارت الكثير من التقارير التي أكدت أن الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي كلفت مليارات الدنانير ، كي يتمكن لاحقاً من التشبث برئاسة الحكومة ، والحصول على الولاية الثالثة وسط رفض وتذمر الشركاء السياسيين وبسبب السياسة التي انتهجها المالكي والتي أفقدت البلاد مكانتها السياسية والاقتصادية بين بلدان المنطقة ، وسقوط ثلث البلاد بيد التنظيمات الإرهابية ، وما تعانيه من الفوضى والعنف ومخاطر التفكك .
سياسة شراء الذمم التي انتهجها المالكي كشفت ضحالة العقول السياسية التي حكمت العراق منذ عام 2003 ، وبداءة هذه العقول وفشل العملية السياسية ، كما أنها عكست عجزاً حقيقاً للأجهزة التشريعية والرقابية في محاسبة المتجاوزين على المال العام وهذا ما جعل حتى التحالف الوطني يُشار إليه بأصابع الاتهام في عجزه من محاسبة رئيس الوزراء والذي هو مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان .
صعود مثل هذه الشخوص إلى قبة البرلمان والى باقي مؤسسات الدولة العراقية الحساسة شكل انعطافة حقيقية في تاريخ العراق الجديد لما أفرزه من عدم القدرة على ممارسة أي نشاط سياسي لعدم امتلاكهم إي مؤهلات سوى أنهم أقارب رئيس الحكومة ، وبالتالي خلق خللاً واضحاً في النظام السياسي وانهيار تام في الدوائر الإدارية والرقابية للدولة .
اللافت أن هولاء الشخوص استغلوا المال العام والمنصب في توزيع الأموال والأراضي على الفقراء ، لضمان أن المستفيدين سيصوتون للسيد المالكي وضمان بقاءه بالسلطة ، والتي انكشفت فيما بعد أنها سندات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع .
المالكي نجح إلى حد كبير في ضمان صعود المقربين منه إلى البرلمان ، أو مؤسسات الدولة الأخرى ، مقابل استبعاد شخصيات وزعامات كانت مؤثرة داخل حزب الدعوة أو في داخل البرلمان أمثال ( وليد الحلي، وصلاح عبد الرزاق ، وحسن السنيد ، وكمال الساعدي ) وغيرهم ممن كانوا حتى وقت قريب أبرز حلفاء المالكي .
أن الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد هي نتاج هذه السياسات الهوجاء وتقريب الأخوة والأقارب على حساب الكفاءة والنزاهة ، من أجل الحصول على قوة تؤهله البقاء في السلطة وتشكيل كتلة كبيرة في داخل البرلمان تقتري من الثلث .
لهذا ليس من السهل معالجة مثل هذا التمدد على المؤسسات الحكومية كافة من قبل شخصيات مغمورة لا علاقة لها بالعمل السياسي أو الحكومي سوى أنهم أقارب و حمايات رئيس الوزراء .
يبقى على السيد العبادي والذي يملك عوامل النجاح لحكومته والتي أولها الخلفية العلمية والتي ربما تمكنه من العمل بشكل مهني منهجي ، إضافة إلى الخبرة في الشأن الاقتصادي والتي أكتسبها من عمله لدورتين برلمانيتين في اللجنة الاقتصادية ، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى مثل توجهاته في دعم القطاع الخاص وانفتاحه ، ولكن مع كل هذه العوامل سيبقى رهينة الظروف السياسية والأمنية القادمة وما ستفرزه من نتائج خاصة أن هناك ظروف واستحقاقات تحتاج إلى قرارات صعبة وحاسمة ، وهذا ما سيظهر خلال الأشهر والتي ستكون الفيصل في الحكم على ما تم تنفيذه من البرنامج الحكومي المعلن وذلك من خلال التغيير الملموس الذي سيلحظه المواطن دون التعويل على الشعارات المملة والتي جعلت البلاد ساحة حرب للعصابات الإرهابية وسيطرتها على مدن العراق ومؤسساته النفطية الحساسة ومشاريعه الإستراتيجية ، وخسارة العراق مبالغ طائلة ذهبت في جيوب المافيات الحكومية .