قلنا في مقالة سابقة إن معالجة الخلل المقصود في الموازنة التشغيلية والتي يتسبب في تسرب المال العام إلى جيوب الفاسدين سوف يوفر لحكومة الإطار مبلغا من المال لا يقل عن 70 مليار دولار مطروح على الطاولة ثم تساءلنا:
فماذا يا ترى تستطيع الحكومة أن تفعل بهذه الأموال الإضافية على المدى القصير وعلى المدى الطويل؟…هذا ما سوف يكون محور نقاشنا في الجزء السادس من هذه السلسلة.
المشكلة التي أصبحت شبه مرض يخيم على الساسة في العراق إنه يستخفون بقدرة المليار دولار على فعل شيء لذلك تأتي التخصيصات دائما بالمليارات وفي حقيقة الأمر تكون الكلف الحقيقية لا تتعدى ملايين وآخرها قانون الأمن الغذائي سيئ الصيت والذي تم رصد أكثر من 25 مليار دولار له….أموال سائبة سوف تدخل في جيوب الفاسدين دون حسيب أو رقيب…عليه لو كان ساسة الإطار فعلا عازمين على تصحيح المسار وبوجود هذه الأموال الضخمة وبفرض وجود رقابة مشددة على كل دولار يصرف ووجود النية الحقيقية في تصحيح المسار فيمكن للحكومة أن تفعل الكثير، وسوف نورد بعض الأمثلة العملية في هذا السياق:
أولا مشكلة الكهرباء المزمنة يمكن حلها حلا جذريا وإضافة ما لا يقل عن 15 كيكا واط بتكلفة لا تتجاوز 9 مليارات دولار تنفذها شركة سيمنس وهذه الكلفة تمثل توليد وربط بالشبكة الوطنية ويمكن أن نأخذ مصر نموذجا مما سوف تساهم بفتح فرص عمل جديدة لأكثر من 10 آلاف عاطل عن العمل، والجدير بالذكر أن شركة سيمنس نفذت ثلاث محطات توليد كهرباء وربطتها بالشبكة الوطنية بكلفة 8 مليارات دولار فقط وبفترة لا تتجاوز سنة ونصف السنة.
ثانيا حل مشكلة ماء البصرة وإقامة محطة عملاقة لتحلية الماء أو مجموعة من المحطات بتكلفة كلية لا تتجاوز مليار دولار فقط، وتساهم في تشغيل ما لا يقل عن 2000 عاطل عن العمل، وبفترة زمنية لا تتجاوز سنة واحدة فقط…كل هذه السنين وأهل البصرة يعانون من الماء المالح، وهذه مصر فيها أكثر من 90 محطة تحلية مياه لتغذية حيث تم افتتاح في الشهر الماضي 14 محطة تحلية للمياه (تحلية ماء البحر) في محافظات مطروح – محافظة البحر الأحمر – وشمال سيناء – وجنوب سيناء – بورسعيد – الدقهلية – السويس – الإسكندرية) بقدرة إنتاجية كلية تصل إلى 476 ألف متر مكعب في الساعة، علما أن مصر فيها أكثر من 90 محطة تحلية للمياء بطاقة إنتاجية تصل إلى مليون وثلاثمائة ألف متر مكعب من الماء. البصرة آه على البصرة تتحصر على محطة تحلية واحدة للماء ولكن خيمة الفساد تمنع تنفيذها….هذا تَحَدٌ آخر أمام مصداقية حكومة الإطار الجديدة
ثالثا هل تعلم حكومة الإطار الجديدة أنها قادرة على حل مشكلة البطالة في العراق بكلفة لا تتجاوز 12 مليار دولار فقط ليس من خلال التعينات العشوائية كما يتصور البعض ولكن من خلال إقامة مشاريع إنتاجية مختلفة داخل البلد معتمدة على المصادر الأولية المتوفرة وهذه المشاريع هي مشاريع تحقق أرباحا كبيرة في المدى القصير وتسد كلفة إنتاجها وتستوعب الأيدي العاملة وتتمحور المشاريع حول إنتاج المشتقات النفطية بمختلف أنواعها ليصبح العراق خلال فترة أقل من 24 شهرا مصدرا رئيسيا لهذه المنتجات ويوقف استيرادها من الخارج، إضافة إلى المشاريع الكبريتية ومشاريع الفوسفاتية التي تعتمد على الكبريت والفوسفات المتوفرين في العراق وتستوعب أَيدٍ عاملة كثيرة.
رابعا وهل تعلم الحكومة الجديدة أنه بكلفة لا تصل إلى 8 مليارات دولار تستطيع إنجاز ميناء الفاو العملاق المثير للجدل والذي سوف يحقق أرباحا كبيرة للعراق ويستوعب عمالة تصل إلى أكثر من 50 ألفا أما إذا أضيف إليها مبلغ 2 مليار إضافية فيمكن تحديث شبكة السكة الحديدية وجعلها من أسرع شبكات النقل السككي في العالم لنقل البضائع إلى أوربا عبر تركيا ونقل المسافرين بين مختلف المحافظات العراقية وبسرعة تقريبية تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة. وهذه يمكن أن تنجز بفترة لا تتجاوز السنتين.
بالحقيقة لا نريد أن نسهب في ما تستطيع حكومة الإطار التنسيقي إنجازه على فترات قصيرة وفي فترات عمرها الدستوري، وساسة الإطار يعرفون جيدا قدراتهم لو صدقت النية عندهم وتوفر عنصر إنكار الذات وبالنتيجة سوف يكون ساسة الإطار المستفيدين من سياستهم الإصلاحية الجديدة، لكننا يجب أن ننبه ساسة الإطار وهم أكثر وعيا منا أن هناك جهات سياسية سوف تحاول بشتى الطرق عرقلة السياسة الإصلاحية الجديدة وإفشالها، لذلك عنصر توظيف القوة لدى ساسة الإطار مهم جدا، وتوظيف هذه القوة ليس بالضرورة المقصود فيها الضرب بيد من حديد، لكن بقليل من الذكاء يمكن توظيفها توظيفاً ناعماً لتحقيق الأهداف المرجوة في توفير الخدمات المباشرة للشعب، والشعب لا ينتظر كثيرا لكي يحصد ثمار سياسة الإطار الإصلاحية الجديدة مع وجود العناصر التي تهيج الشارع ضدهم وخصوصا الشارع الشيعي، لذلك من أولى أولويات الحكومة القادمة هو كبت جماح هذه الجهات التي تُثير الفوضى وأيضا هنا لا نعني بالتصدي لهذه الجهات بالقوة ولكن هنا يجب أن توظف إمكانات الدولة ومن أهمها القدرة المالية لها لإسكات هذه الجهات لا بل سوف يشهد الشارع تحولا كبيرا في تأييد السياسة الإصلاحية لحكومة للإطار المتوقعة. ولعل من مرتكزات دعم الشعب الذي بات ضرورة قصوى هو معالجة الخلل في القدرة الشرائية للمواطن بعد تغير سعر صرف الدولار، لذلك لو خصصت الدولة مبلغا لا يتجاوز 6 مليارات دولار كدعم مباشر لشريحة الموظفين المشمولين بجدول رواتب موظفي الدولة في قانون الخدمة المدنية حصرا والرعاية الاجتماعية والمتقاعدين المشمولين بقانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 حصرا منحة شهرية تسمى منحة غلاء المعيشة مقدارها 25% من الرواتب الاسمية تصرف للموظفين والرعاية الاجتماعية والمتقاعدين من الشهر الأول لبدأ الحكومة الجديدة مزاولة عملها لحدث فارق كبير وردة فعل إيجابية لدى عموم قطاعات المجتمع…قد يقول قائل لماذا حصرا هذه الشرائح دون غيرها؟ نقول لأن غيرها مباشرة غطت الفارق من خلال رفع أسعار كل شيء حتى أن نسبة أرباحهم قد زادت ولم تقل فأصحاب المهن رفعوا أجورهم أكثر من نسبة انخفاض سعر صرف الدينار…اما ذوي الدخل المحدود هم ما كانوا المستهدفين في تغيير سعر الصرف.
إذا أحسن الإطار التنسيقي اختيار برنامج حكومي إصلاحي قابل للتنفيذ وينعكس على الشارع إيجابياً، يبقى هناك مشكلة في اختيار اسم رئيس مجلس الوزراء، لكن يخطأ ساسة الإطار التنسيقي لو ذهب بعيدا في هذا الاختيار.
المراقب للساحة السياسية في العراق بعد انسحاب التيار من السلطة التشريعية يلاحظ هناك حالة من الرعب والخوف تعيشه الأحزاب السياسية من طرح اسم السيد المالكي مجددا كرئيس لمجلس الوزراء وهذه الحملات التي تشنها وسائل إعلام رخيصة تحت مسميات مختلفة منها إن السيد المالكي وجه غير مقبول إقليما، وأنه غير مقبول من البارتي، وغير مقبول من هذا الحزب أو ذلك، كلها ناتجة عن الكوابيس التي تراودهم والخوف من مجرد ذكر اسم السيد المالكي المحترم…السيد المالكي رغم كل حملات التسقيط هذه يبقى يحظى بأكثر مقبولية من باقي وجوه الساسة جميعا وساسة الإطار بصورة خاصة، وخصوصا في العاصمة بغداد. كما أن السيد المالكي هو من أكثر الساسة خبرة ومعرفة في مواطن الخلل في إدارة الدولة لذلك يكاد يكون هو الاسم البارز والأول المؤهل لمعالجة كل الإخفاقات السابقة والرجل أعترف بهذه الإخفاقات مرات عديدة….لذلك فإن الرجل هو الأقدر على إدارة الدولة في مرحلة إصلاح المسار، وعلى ساسة الإطار التنسيقي أن يتحلوا بالشجاعة الكافية وعدم الالتفات لكل الأصوات النشاز وترشيح السيد المالكي لرئاسة مجلس الوزراء في المرحلة القادمة ويكون ترشيحهم هذا ثابتا لا رجعه فيه…إن حالة الرعب الذي تعيشه بقية الأحزاب من السيد المالكي لأنهم واثقون على أن هذا الرجل سوف يكتسح الشارع في أية انتخابات قادمة في حالة تنفيذ برامجه الإصلاحية وقضى على الفساد في الدولة العراقية وأعاد عقارب الساعة إلى مسارها الصحيح…فإذا كان الإطار التنسيقي يلعب مع البَعابِعُ فلدى الإطار بُعبُع كبير اسمه المالكي قادر على إلتهام بقية البَعابِعُ.