العراق…لماذا لا ينتفض الشعب؟

العراق…لماذا لا ينتفض الشعب؟
آخر تحديث:

بقلم:نوري حسين نور الهاشمي

كل من تابع تصريحات وزير المالية العراقي في لقاءه مع الصحفيين مساء يوم السبت الماضي لا بد أن يصل إلى استنتاج واحد إن السيد وزير المالية في وادي وبقية الشعب العراقي في وادي آخر وقد يصفه البعض إنه “خارج التغطية”.

حقيقة كنت اتمنى إن السيد وزير المالية يغرد خارج سرب الحكومة العراقية وإن هناك في الحكومة العراقية من يخالف الوزير في ما ذهب إليه من كلام سوف نتطرق إليه لاحقا ونرد عليه لكن إتضح إن الحكومة العراقية جميعها تغرد خارج السرب، حيث تبين ذلك جليا من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد رئيس الوزراء وأدلى فيه بتصريحات تطابق حرفيا ما ذهب إليه وزير المالية كما ايد هذا التوجه مجموعة من الوزراء الذين حضروا هذا المؤتمر الصحفي مما يعني إن السيد وزير المالية كان قد نجح في أقناع مجلس الوزراء في ما يريد ان يذهب إليه من “إصلاحات”، كما إن السيد رئيس الوزراء اكد ما قاله وزير المالية إن مسودة الموازنة حصلت على دعم ومباركة جميع الكتل السياسية!

لم يقل السيد رئيس الوزراء إن مسودة الموازنة قد حصلت على دعم بعض أو أغلب الكتل السياسية إنما قال جميع الكتل السياسية وأعادها مرتين جميع الكتل السياسية…يعني هذا اللغط الاعلامي عبر الفضائيات حول معارضة بعض الكتل لتوجه الحكومة العراقية في ما جاء في مسودة الموازنة ليس اكثر من سفسطة في فنجان فارغ، ومن يأمل إن البرلمان العراقي الذي يتكون من هذه الكتل السياسية سوف يفعل شيء فهو واهم…

الضرر وقع على الشعب العراقي قبل قيام البرلمان مناقشة مسودة الموازنة وآثار هذا الضرر سوف يبدأ بالظهور تدريجيا وهو يدخل ضمن إستراتيجية التدرج لإذلال الشعب. كل ما سوف يتم في البرلمان هو مناقشة مكاسب كل كتلة من الكتل السياسية ورفع رقم من هنا ونقله إلى هناك وإرضاء هذه الكتلة أو تلك أما الشعب ومعاناته فهو خارج حسابات الحكومة العراقية والكتل السياسية ويكذب من يدعي غير ذلك في الإعلام.

لقد إجتمع القوم ضد الشعب العراقي واجمع القوم على الثأر من الشعب العراقي الذي انتفض في تشرين الماضي وإذلاله وتجويعه..فهم يملكون المال والسلطة والنفوذ ووسائل الإعلام التي تطبل لهم أمام شعب أعزل يبحث عن لقمة عيش شريفة وحتى هذه اللقمة يحاولون إنتزاعها من فمه.

يا سيادة وزير المالية وأصحاب السيادة من الوزراء وياسيادة رئيس مجلس الوزراء وإلى الكتل السياسية جميعا إن مسودة الموازنة المقترحة هي ليست موازنة إصلاحية وبعيدة كل البعد عن الإصلاح وهي ليست موازنة تقشفية وحسن فعل السيد رئيس الوزراء حينما نفى إنها موازنة تقشفية بل إنها موازنة صيغة بطريقة تؤدي إلى تجويع الشعب العراقي والمتضرر الأكبر منها الفقير والطبقات الفقيرة أولا وأخيرا…أنتم نظرتم إلى مبالغ الإستقطاعات فقط وتسوقون في وسائلكم الإعلامية عن هذه المبالغ لكن تذكروا إن تأثير استقطاع 100 دينار من الذي يأخذ 500 دينار غير استقطاع 100 دينار من الذي يأخذ 10 ملايين دينار هذا مثال بسيط جدا ولكننا سوف نفصل ذلك بالأرقام حسب نسب الاستقطاعات التي وردت في مسودة قانون الموازنة وهي:

مخصصات الخطورة 50%، مخصصات الضيافة 20%، المخصصات الاستثنائية 20%، مخصصات الأرزاق 33%، مخصصات الشهادة 50%، مخصصات المقطوعة 40%، المخصصات الخاصة 60%، مخصصات الخدمة الجامعية 60%. هذه ارقام نسب الإستقطاعات التي وردت في مسودة الموازنة المسربة وأكدها وزير المالية…

فقبل البدأ بالعمل في هذه النسب حسب ما تم فهمه من خلال المؤتمر الصحفي للسيد رئيس الوزراء إن الرئاسات الثلاث والوزراء والمستشارين وأعضاء مجلس النواب غير مشمولين بهذه النسب إنما تم الإستعاضة عنها بنسب أخرى مقطوعة هي 40% للرئاسات الثلاث، و30% لبقية المناصب وسوقت هذه النسب على إنها الاعلى وهم أي الرئاسات الثلاث يجب أن يكونوا أول المتآثرين من هذه الموازنة، لكن في حقيقة الأمر لو تم العمل بالنسب الأولى سوف تصل نسب أستقطاعاتهم أعلى بكثير من ال 40% وال 30% وهذه حقائق تثبتها الأرقام لكن إنعدام الشفافية في مسودة الموازنة عن مقدار المبالغ المخصصة للرئاسات الثلاث والوزراء واعضاء مجلس النواب والضبابية التي تشوب هذه المبالغ وما يحيط فيها من هدر كبير للمال العام يجعلنا لا نستطيع ان نورد أرقام دقيقة في هذا المجال. يا سيادة رئيس الوزراء عندما تسوق مسودة الموازنة على إنها موازنه إصلاحية يجب أن تتضمن هذه الموازنة لو كانت إصلاحية كما تقول تفاصيل كاملة بالأرقام عن كل مبلغ يخصص كيف وأين يصرف، لكن إنعدام الشفافية في ما يخص المبالغ التي تصرفها الرئاسات الثلاث والوزراء ومجلس النواب والنثريات بمليارات الدنانير التي تهدر يوميا والكشف بين فترة وأخرى من قبل بعض النواب عن مقدار تخصيصات المنافع الاجتماعية وصرفيات الأثاث وصرفيات الحمايات وصرفيات الوقود تجعلنا نستبعد كل الاستبعاد فرضية كون الموازنة الحالية موازنة إصلاحات…لو كنت رجل تحمل معاناة شعبك وتحاول أن تصلح ما افسده الآخرين فعليك أولا أن تميط اللثام عن أرقامك في مسودة الموازنة المقدمة، غير ذلك فإن كل كلامك عن الإصلاح ما هو إلا كلام مرسل لا يغني ولا يسمن من جوع.

من حق الشعب الذي تريدون تجويعه إن يعرف تفاصيل أرقام موازنه بدقة متناهية، فلو وجدك الشعب إنك تحمل نية الإصلاح الحقيقي تأكد إنه سوف يتبرع لك بما يملك من أجل مسيرة الإصلاح الذي ترددها…وإلى أن تكشف تفاصيل أرقام موازنتك فعذرا أقول إنك تتجه نحو تجويع شعبك بإراده خارجية ربما غابت عنك تفاصيل خيوطها.

نعود الآن لتحليل كلامكم حول عدم تأثر الطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي وهم الطبقة المشمولة برواتب الحماية الاجتماعية وطبقة الموظفين والكسبة التي لا تتعدى رواتبهم 500 الف لنقول إن قرار خفض القيمة الشرائية للدينار أمام الدولار وجعل سعر التحويل 1450 دينار لكل دولار بدلا من 1181 لكل دولار إي إن نسبة التخفيض بلغت 20% إنعكس مباشرة على السوق المحلية واول من تآثر بها هو الطفل العراقي فمثلا علبة حليب الاطفال سعة 800غم زاد سعرها من 19 الف دينار إلى 25 الف دينار أي بنسبة زيادة قدرها 31% وهذه النسبة في الحقيقة انسحبت على جميع السلع المستورده من أدوية ومواد غذائية مستورده وغيرها ورغم إن البيض غير مستورد فقد إرتفع سعر طبقة البيض من 5000 دينار إلى 8500 دينار أي بنسبة زيادة قدرها 70% وحتى لو فرضنا إن الطبقات الفقيرة تستغني عن جميع المواد الغذائية المستورده ولكنها لا تستطيع أن تستغني عن حليب الاطفال ولا تستطيع أن تستغني عن أدوية الأطفال وكلها مستوردة لذلك الحديث عن عدم تأثر الطبقات الفقيرة ليس أكثر من حديث لا يصمد أمام واقع الأسعار في السوق علما إن هذه التأثير هو تأثير مرتبط فقط بتغيير سعر صرف الدينار، لكن عندما تقر الموازنة التي تتضمن رفع سعر المحروقات فيها بنسبة 20% سوف يؤدي من جديد إلى رفع سعر المنتوجات المستوردة بنسبة 20%-30% مما يؤدي إلى زيادة أسعار جميع السلع المستوردة من جديد والمتأثرين منها هم الاطفال، وبالتحديد أطفال الطبقات الفقيرة، عليه الحديث عن أن وزارة الداخلية تراقب الأسعار وتحاسب التجار الذين يرفعون السلع هذا قد ينطبق الآن على المنتجات العراقية طماطة، بصل، خيار، باذنجان وغيرها ولكن ذلك لفترة محدودة فما أن يرفع سعر المحروقات سوف ينعكس ذلك على هذه المنتجات مباشرة لزيادة تكاليف النقل. والحديث عن إن الطبقات الفقيرة لا تتأثر كلام لا ينسجم مع الحقائق..وعندما يقول وزير المالية إن الفقير لا يتأثر من زيادة سعر المحرقات لانه لا يملك واسطة نقل خاصة يؤكد قولنا السابق إن السيد الوزير خارج التغطية فالطبقات الفقيرة صح لا تملك واسطة نقل لكنها تستعمل وسائط النقل الجماعي التي سوف يزيد سعرها على اقل تقدير 250 دينار أي بنسبة 33%، أصلا يمكننا القول بإن هذه الموازنة موجه بالأخص للأضرار بالفقراء واطفالهم لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وطبقات المجتمع الاخرى.

ما تقدم أعلاه ينعكس على مجمل الشعب العراقي بصورة مباشرة ولكن الطبقة الأكثر تأثرا بها هم الفقراء. الان لنأخذ طبقة الموظفين ونبدأ من الموظف الذي لا يحمل شهادة

يتعين في المرتبة الأولى من الدرجة العاشرة براتب 140 الف دينار مضاف اليها مخصصات حرفة 15% ليصبح بعد حذف الكسور 161 الف دينار سوف يقل راتبه بحدود 12 الف دينار ليصبح 159 الف بقدرة شرائية جديدة تعادل 141 الف. وهذا التأثير ينسحب من يحمل الشهادة الابتدائية والمتوسطة بخط بياني متصاعد.

أما الحاصل على الشهادة الاعدادية فإنه يتعين في المرتبة الاولى من الدرجة الثامنة براتب أسمي قدره 240 الف دينار يضاف إلية مخصصات شهادة 25% ليصبح 300 الف دينار قبل الاستقطاع بعد الاستقطاع تخفض مخصصات الشهادة من 60 الف دينار إلى إلى 30 الف دينار ليصيح راتبة الجديد 270 الف دينار بقدرة شرائية جديدة تعادل 240 الف دينار إي إن راتبه الكلي إنخفض بنسبة 20%.

لنقارن زميلة الحاصل على شهادة إعدادية وهو عضو في مجلس النواب حيث إن راتبه الكلي يصل إلى 40 مليون دينار يتم تخفيضة بنسبة 30% ليصبح راتبه 27 مليون دينار، لكن تأثير تخفيض 60 الف دينار على الموظف براتب 300 الف دينار هو أكثر من تأثير سحب 13 مليون من راتب شخص يستلم 40 مليون واضح إن هناك خلل في تحديد رواتب النواب ومغالاة غير مقبولة، يفترض ان يكون تخفيض رواتب النواب الاسمية أولا بحدود 90% أو لا يتعدى راتبه الاسمي راتب موظف في الدرجة الاولى من سلم الرواتب المرتبة الاولى أي 948 الف دينار هذه هي تمثل الخطوة الاولى في معالجة الهدر في المال العام وبداية الأصلاح.

وعندما نستمر في التدرج بالدرجات الوظيفية والتي كلها أقل من 500 الف دينار وسوف تشملها لنصل إلى حملة شهادة الماجستير حيث يتم تعينه في المرتبة الثالثة من الدرجة السادسة براتب 375 الف يضاف إليها مخصصات شهادة وجامعية ودرجة علمية ليصبح (1087000) مليون وسبع وثمانون الف دينار قبل الاستقطاعات المقترحة أما بعد الاستقطاعات يصبح راتبة 641 الف دينار حيث بلغ مجمل الاستقطاع 445 الف دينار هذا التأثير الاول واصبحت القدرة الشرائية تعادل 570 الف دينار، لا نقول تعمدا لكن واضح إن الاستاذ الجامعي هو المستهدف في قانون الموازنة.

الأن لنقارن زميلة عضو مجلس النواب الحاصل على شهادة الماجستير فإن راتبه الكلي في حدود 60 مليون دينار قبل الاستقطاعات ويصبح بعد الاستقطاعات 42 مليون دينار هنا يكمن الهدر في المال العام. يا وزير المالية عندما تتكلم عن المخصصات اساتذة الجامعات فأنت لا تعرف حقيقة رواتبهم المنخفضة إنما ترى حملة شهادة الماجستير من النواب الوزراء.

كيف يعقل ان يكون رواتب حملة الماجستير في الجامعات العراقية 641 الف بعد الاستقطاعات بينما زملائهم من النواب 42 مليون دينار أو اكثر.

اما حامل شهادة الدكتوراه في الجامعات العراقية يتعين في المرتبة الاولى من الدرجة الخامسة براتب 429 الف دينار وبراتب كلي (1394000) مليون وثلاث مائة واربع وتسعون الف دينار قبل الاستقطاعات، ويصبح بعد الاستقطاعات 822 الف دينار بقدرة شرائية تعادل 732 الف دينار حيث بلغ مقدار تخفيض اساتذة الجامعات من حملة شهادة الدكتور على اقل تقدير 572 الف دينار بنسبة استقطاع حقيقية بلغت 41% وهي أعلى نسبة استقطاع.

أما زميله النائب دكتوراه فراتبه 62.5 مليون دينار عراقي شهريا قبل الاستقطاعات أما بعد الاستقطاعات يصبح حوالي 44 مليون دينار.

واضح إن الضرر الكبير سوف يقع على الاستاذ الجامعي وواضح إن الوزير لا يعرف الرواتب الحقيقية للاستاذ الجامعي إنما يرى فقط طبقة النواب والوزراء ومخصصاتهم التي تصل للملايين. إن مخصصات الخدمة الجامعية التي تلوحون بها دوما ما هي إلا ملاليم بالنسبة للخدمات التي تقدمها هذه الطبقة. المشكلة الحقيقية ليس في شعبك المظلوم يا رئيس الوزراء المشكلة الحقيقية في الحاشية التي تحيط بك من نواب ووزراء ورئاسات إنها تهدر المال العام بدون وازع من ضمير أو خوف على وطن. في ميزانيتك الاصلاحية كما تقول هناك هدر في المال العام يصل إلى 30 مليار دولار فألشعب يعرف كيف يقرأ ويعرب إن الجميع متآمر عليه ولذلك سوف ينتفض قريبا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *