لا توجد قوة تضاهي الفساد في تدمير الشعوب والبلدان قديما وحديثا، ما أن يبتلي به إنسان أو دولة أو مجتمع حتى يكون قد حكم على نفسه بالفناء والاستئصال بمرور الزمن، فالتدمير أحد تعريفات كلمة الفساد في أصلها اللاتيني“Corruptus” وهي النعت الماضي من “Corrumpere”التي تعني بدورها “أفسد ورشا ودمّر”، أي أن الفساد بذاته مهلك ومدمّر، وقد حذر منه الأنبياء والمصلحون، وتصدوا له على مر العصور والأزمان، وخاضوا ضده حروبا ونزاعات مريرة، ذكره الله في القرآن وجعله محورا أساسيا للصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر والنور والظلام، وحث الإنسان على اتخاذ موقف مسؤول ضده سواء بالقوة أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، وما يصطلح عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالقرآن يذكر أنواع الفساد المختلفة؛ الفساد السياسي والاقتصادي والعقدي والأخلاقي.. بالتفصيل، وذلك من خلال سرد قصص الأمم الغابرة التي امّحت واندثرت من الوجود بسبب الفساد رغم تقدمها الحضاري، ولكي نتدبر ونتعظ ولا نلقى نفس مصيرها الأسود.
ويعد الشرك بالله من أخطر أنواع الفساد ثم يليه فساد الأخلاق الاجتماعي (قوم لوط) والفساد المالي (قوم شعيب) والفساد السياسي والإنساني والاقتصادي الذي كان يمارسه فرعون وهامان وقارون، وما كانوا يقترفونه من جرائم التطهير العرقي ضد الإسرائيليين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أصحاب الأخدود الذين تعرضوا لسياسة التطهير الديني. وكذلك فساد الميليشيات المهيمنة على قوم ثمود “وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ”. تسع ميليشيات يتحكمون بمفاصل دولة “ثمود” التي تشبه اليوم العراق الى حد كبير، مع فارق أن الميلشيات الطائفية التي تحكم قبضتها على مفاصل الدولة العراقية ومؤسساتها المؤثرة (الحكومة والبرلمان والمالية والنفط والكهرباء) يزيد عددها عن 70 رهطا ميليشياويا منضويا داخل هيئة الحشد الشعبي.
خلاصة القول أن الإسلام لم يدع جانبا مظلما متمثلا بالفساد، أو مشرقا إصلاحيا من حياة الإنسان إلا وعالجه وبينه بدقة وحاربه بالتفصيل وكل على حدة وبيّن خطورته على المجتمع ومستقبل الإنسانية، فالكذب وإخلاف الوعد، وخيانة الأمانة، والنفاق، والرشوة والمحسوبية، والاختلاس (نهب المال العام)، وقول الزور والقضاء المسيّس، وعدم النزاهة والخسّة والخيانة والتبعية، والقائد اللص والحاج المرتشي، والشيخ الدجال والحكم الطائفي (غير الرشيد) و.. غيرها الكثير من ظواهر الفساد القاتلة متفشية في عمق المجتمع العراقي ومؤسساته المفصلية. والغريب العجيب أن من يقود منظومة الفساد هذه ويديرها ويوجهها هي الأحزاب والقوى التي تدعي الانتساب للإسلام!
العراق أمام خطر داهم وكارثة مدمرة لا تقل عن الكوارث التي أصابت البلدان والأقوام السابقة التي ذكرها الله في القرآن، بسبب تقنين الفساد وتفشيه في كل مجالات الحياة، حتى تحول العراق الى بؤرة للفساد في المنطقة وحاضنة لتفقيس المفسدين.. كل الحكومات “الإسلامية” التي تعاقبت على الحكم في البلاد منذ 2003 أضافت شيئا جديدا من الفساد إلى الدولة، حتى حولتها إلى أفشل وأسوأ وأفسد دولة في العالم، وفق معايير الدولية المعتمدة، وتراكمت فيها كل أنواع الفساد الذي استأصل الله بسببه الأقوام الغابرين.كان من الممكن ألا يتطور الأمر في العراق إلى هذا المنزلق الخطير من التردي السياسي والاقتصادي، وتتهاوى عملته أمام الدولار بهذا الشكل المخيف الذي سينعكس سلبا على المجتمع والدولة، لو أن مقتدى الصدر حامل لواء الإصلاح والتصحيح لم ينسحب من البرلمان بالصورة المخزية التي شاهدناها، تاركا الجمل بما حمل لعدوّه المزعوم نوري المالكي، ولم يغدر بحليفيه السيادة والديمقراطي الكردستاني.