العراق الحر قادم والنظام الطائفي إلى زوال

العراق الحر قادم والنظام الطائفي إلى زوال
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

من حق العراقيين أن يأملوا في أن يكون غدهم أفضل من أمسهم ليغادروا وهم “الزمن الجميل”. كل الأزمنة التي عاشها العراقيون لم تكن جميلة. “ما مر عام والعراق ليس فيه جوع” حسب شاعرهم بدر شاكر السياب.ولكن صناعة الأمل تنطوي على الكثير من الكذب. فالوضع البشري شائك ومعقد بحيث يتحمل الشيء ونقيضه. كانت الديمقراطية واحدة من أعظم الأكاذيب التي واجهها العراقيون بحناجر خالية من الصراخ. لقد تعبوا من الصراخ. ذلك شعب عاش حياته كلها وهو يمشي في مسيرات نظمتها الأحزاب التي ذبح بعضها البعض الآخر من أجل غنيمة لا تُرى. كان الوطن هو ذلك الغنيمة.

أليس هناك مستقبل؟

علينا أن نجرب أن لا نكون متشائمين. تلك ليست دعوة إلى التفاؤل. ولكن الرهان على الشعب العراقي لا يمكن أن يكون خاسرا. سبق للملك فيصل الأول أن وصفه بأنه شعب صعب. ولم يكن ذلك ذكاء منه. كان الحجاج بن يوسف الثقفي مبعوث بني أمية قد اكتشف ذلك قبله. ما فعله الشعب العراقي عبر العشرين سنة الماضية لا يمكن الاستهانة به. كانت هناك حربان على مدينة صغيرة اسمها الفلوجة شنهما الجيش الأميركي عام 2004 وكانت هناك تظاهرات سلمية مليونية اجتاحت مدن العراق عام 2019 بذل الإعلام العالمي كل قواه من أجل حجبها.

تعاون عراقيون مع المحتل الأميركي. ذلك صحيح. تباهى عراقيون بخدمة الهيمنة الإيرانية. ذلك صحيح. نهب عراقيون ثروة الشعب العراقي التي وضعها المحتل الأميركي بين أيدي المتعاونين معه. ذلك صحيح. هناك اليوم فئة من العراقيين تعيش بطريقة باذخة فيما يقع أكثر من ثلاثين في المئة من الشعب تحت خط الفقر. ذلك صحيح. صحيح أيضا أن هناك عراقيين يعيشون خارج العراق ولم يعملوا يوما فيه يتمتعون برواتب شهرية باعتبارهم متقاعدين جهاديين. العراق في حالة فوضى. كان نوري المالكي مسؤولا عن الجزء الأعظم منها. فالرجل اجتهد يوم كان رئيسا للحكومة لولايتين فأصدر قوانين استباحت ثروة العراق بطريقة ثأرية. يعرف العراقيون أن ثروتهم قد تم التصرف بها كما لو أنها صارت جزءا من أملاك الأحزاب الإسلامية.

العراق هو أشبه بالرهينة التي ينتظر أبناؤها لحظة الإفراج عنها. تلك لحظة ستحل برغم كل مظاهر الانفتاح التي يحاول النظام من خلالها أن يؤجلها، ولكن كل ذلك لن يستمر لأنه يخالف قوانين العصر إلا إذا شاء العراقيون أن يعيشوا في العصور المظلمة. وهو ما لا تفعله الشعوب الحية والشعب العراقي منها. فبعد أن فشل النظام الطائفي الذي فرضه المحتل الأميركي في بناء دولة على أنقاض الدولة التي هدمتها دباباته سيكون سقوطه حتميا، لا لفشله في بناء دولة فحسب بل وأيضا لأنه مشروع فساد دائم، وهو ما يعني أن باب الفقر سيكون مفتوحا على مصراعيه لاستقبال حشود جديدة.

بعد عشرين سنة من الإعلان عن قيام العراق الجديد لم تتضح صورته إلا باعتباره دولة رثة يديرها زعماء الأحزاب وأقرباؤهم وأتباعهم من الجهلة والأميين. فمن وزير يقدم دعاية لمطعم تبين أنه يملكه إلى سفير يرقص بثوب النوم في حفلة عامة مرورا بالحقائب الدبلوماسية المحشوة بالملايين من الدولارات التي تتم مصادرتها في مطارات العالم صار العراق حكاية تدعو إلى الرثاء والقرف في الوقت نفسه.

وليس من الحكمة القول إن النظام السياسي الحاكم في العراق سيختفي غدا، غير أنه سيزول بسبب عجزه عن تلبية متطلبات العصر. فهو نظام معزول عن محيطه وعن العالم الخارجي إضافة إلى أن شعبيته قائمة على أسس طائفية متخلفة فشلت في أن تمد جذورها إلى العمق، لا لشيء إلا لأنها لا تستجيب لمتطلبات العيش المباشر، بل هي مجرد شعائر لا تُسمن ولا تغني من جوع.

من المؤكد أن الأحزاب نجحت في تطبيع الفساد ضمن دائرة نفوذها التي تخترق الدولة فكانت النتيجة قيام دولة فاسدة. ولكن ذلك لا يعني بالتأكيد تمدد الفساد عموديا ليصل إلى الثوابت الاجتماعية والوطنية. لا يزال العراقيون صعبي المراس، حريصين على وطنيتهم وحذرين في التعامل مع منطلقات الدولة الدينية التي يحاول النظام الانتقال بالعراق إليها.

ولأن العراقيين يدركون أن النظام السياسي الذي يحكمهم ضعيف وأن الحماية الأميركية بقناعها الإيراني مصدر قوته الوحيد، فإنهم يأملون أن تنهي المتغيرات على الساحة الإقليمية ذلك الحلف الخبيث الذي لم يُقم إلا من أجل تدمير بلادهم ونسف مستقبلهم والقضاء على أسباب قوتهم.العراق هو أشبه بالرهينة التي ينتظر أبناؤها لحظة الإفراج عنها. تلك لحظة ستحل برغم كل مظاهر الانفتاح التي يحاول النظام من خلالها أن يؤجلها.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *