آخر تحديث:
بقلم:مالك الحافظ- كاتب وباحث سوري
تأتي الزيارة الخارجية الأولى لعلي لاريجاني، أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، إلى بغداد وبيروت في لحظة تزداد فيها مؤشرات إعادة فرز موازين القوى في المشرق العربي. من حيث الشكل، يمكن النظر إلى هذه الجولة باعتبارها محاولة لإظهار الحضور، لكن من حيث الجوهر، تعكس الزيارة انشغال طهران بإعادة ترتيب مواقعها في ساحات نفوذ باتت أكثر هشاشة وأقل قابلية للضبط.
في بغداد، تبدو أهداف لاريجاني مرتبطة بالدرجة الأولى بملف الحشد الشعبي وما يمثله من ذراع عسكرية وسياسية لإيران. غير أن السياق العراقي الراهن يختلف عن سنوات ما بعد 2014، حيث لم يعد الإجماع الشيعي على دور الحشد قائماً، وتزايدت الأصوات، سواء من داخل القوى الشيعية أو من الكتل السنية، التي ترى في استمرار تمدده تهديداً لبنية الدولة.
زيارة لاريجاني، بهذا المعنى، ليست تأسيساً لجديد بقدر ما هي محاولة لمنع اهتزاز وضع قائم. وفي ظل مؤشرات التوتر مع واشنطن وضغوط داخلية على الحكومة العراقية، يصبح الحفاظ على صيغة النفوذ الحالية أكثر صعوبة، خاصة أن بغداد تتحرك أحياناً في اتجاهات متعارضة مع مصالح طهران، سواء في مجال الطاقة أو في ملفات الانفتاح الإقليمي.
أما في بيروت، فتتزامن الزيارة مع قرارات رسمية لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يضع إيران أمام معضلة في واحدة من أهم ساحات نفوذها غير الرسمي. الجدل اللبناني حول هذا القرار لم يعد مقتصراً على الخطاب السياسي، بل بدأ يتخذ مسارات إجرائية، ما يعني أن قدرة طهران على تعطيل المسار أصبحت مرتبطة بمدى قدرتها على التأثير في حسابات القوى المحلية، وليس بمجرد الضغط السياسي.
هنا، تظهر الزيارة كمحاولة لتأجيل الحسم أو إدخال الملف في بازار تفاوضي أوسع، سواء عبر إطالة أمد القرارات، أو ربطها بملفات تفاوضية أكبر، خصوصاً في ظل تزايد الإشارات عن عودة القنوات الخلفية بين طهران وواشنطن.
تسعى إيران من خلال هذه الزيارة إلى إرسال رسائل خارجية تؤكد قدرتها على المبادرة والحركة في الإقليم، إلا أن هذا الخطاب الخارجي يتناقض مع واقع داخلي ضاغط، تتداخل فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذا التباين بين صورة الخارج وحقائق الداخل يكشف عن أن جزءاً من الحراك الدبلوماسي الإيراني يهدف إلى تعويض الفجوات الداخلية عبر عرض مظاهر الحضور والنفوذ في الساحات الخارجية، وهو تكتيك شائع لدى القوى التي تواجه تحديات شرعية داخلية.
إذا كان الهدف المعلن هو التعاون الإقليمي وتجنب الفوضى، فإن القراءة الأعمق تشير إلى أن الزيارة تتحرك في بيئة إقليمية تغيرت معطياتها: عراق يبحث عن توازنات جديدة، لبنان يقترب من استحقاقات سياسية وأمنية حساسة، ومشهد إقليمي يشهد إعادة صياغة تحالفات في ضوء ملفات الطاقة والحدود والأمن البحري.






































