إن هناك ما يمكن اعتبارُه فهماً أمريكياً نخبويا وشعبيا عاما يعتبر اتفاقيتيْ التطبيع الأخيرتين بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين حلقتين في مسلسل الجهود الأمريكية لعزل إيران وردعها والتقليل من قدرتها على القيام بأية أعمال إرهابية استفزازية في الخليج العربي أو في المنطقة.
فبإقدام البحرين والإمارات العربية المتحدة على إقامة علاقات كاملة مع الدولة اليهودية يصل عدد الدول العربية التي تعترف بشرعية إسرائيل إلى أربع دول، بمصر (1979)، والأردن (1994)، وستلتحق بها دول عربية أخرى عن قريب، مثلما وعدهم الرئيس الأمريكي ترمب.
ولكن الديمقراطيين المعارضين له في كل شيء يقوم به، صالحا وأو طالحا، يقللون من أهمية الاتفاقيتين، ويُنكرون كونهما إنجازاً مهما ينعكس على الوضع الإنتخابي ويُكسبه نقاطا إضافية ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن، كما يرفضون اعتبارهما صفقتيْ سلام، لأن إسرائيل لم تكن في حالة حرب مع الإمارات العربية المتحدة أو البحرين، ويشيرون في ذلك إلى أن دولا في الخليجالعربي كانت تقيم علاقات هادئة مع إسرائيليين منذ عقود.
إلا أن أمريكيين آخرين، وأغلبهم جمهوريون، يخالفونهم الرأي، ويقولون بأن إضفاء الطابع الحكومي الرسمي العلني على تلك العلاقات يبعث برسالة قوية مفادها أن المنطقة تتغير، وأن الباب أصبح مفتوحا لولادة وضع جديد في الشرق الأوسط، بعد أن تنضم دول عربية أخرى إلى مسيرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقد تكون سلطنة عمان والسودان هي التالية، وربما المغرب، وأخير المملكة العربية السعودية، وهذا ما يجعل ترمب رجل الصفقات التاريخية التي تسجل له، حتى وإن خسر في الانتخابات القادمة.
وتذهب صحف أمريكية مهمة إلى القول بأن الذي أخرج هذه الدول العربية من حالة العداء القومي الوجودي السابق مع إسرائيل إلى حالة الارتياح ثم التوقيع معها على التطبيع الكامل هو الحاجة المشتركة بين إدارة ترامبوالدول العربية الصديقة لأمريكا والمتفاهمة معها ومع إسرائيل إلى تشكيل تحالف إقليمي قوي يكفي لمواجهة المخاطر الجدية التي يشكلها السلوك العدواني للنظام الإيراني، ولخطر المنظمات والتجمعات الدينية المتطرفة الأخرى على أمن المنطقة، وخاصة على أمن دول الخليجأكثر من غيرها.
ورغم أن الحافز المهم الذي قدمته أمريكا وإسرائيل للدولتين الخليجيتين لكي توقعا على هاتين الاتفاقيتين هو (وعدٌ) من إسرائيل بالتراجع عن خطط كانت مدعومة من قبل إدارة ترامب لضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية إلا أن الفلسطينيين لم يثقوا بهذا الوعد، واعترض كثيرون منهم بشدة على الاتفاقيتين.
ولكن إذا ما توالت الاعترافات بإسرائيل ومنها دول مهمة تعتبر أهمَّ الداعمين والممولين للسلطة الفلسطينية وحماس، بالإضافة إلى وجود مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين العاملين في دول الخليج، فقد يضغط ذلك، في النهاية، على الجانب الفلسطيني ويدفع به إلى العودة إلى محادثات السلام.
خصوصا وأن تشابك اقتصاديات الشرق الأوسط قد يدفع بإسرائيل إلى تفضيل التعايش السلمي والاعتراف بدولة فلسطينية، وهو ما سيوفر فرصة حقيقية لإقامة سلام طويل الأمد.
وقد نشرت صحيفة أمريكية معتدلة مهمة هي (ديترويت نيوز) رأيا يقترب من الولع بنظرية المؤامرة المنتفشي بين كثيرين من الكتاب والصحفيين العرب، ففسرت ما جرى في واشنطن أخيرا بين إسرائيل ودولتين عربييتين بأنهالحلقة الأخيرة من مخطط أمريكي إسرائيلي صهيوني طويل النفَس والمدى ابتدأ تنفيذُه من نصف قرنٍ أو يزيد،وكان يهدف إلى أمرين،
الأول جرُّ أكبر عدد من الدول العربية إلى الاحتماء بأمريكا،والقبول الضمني بالتحالف مع إسرائيل، لمواجهة خطر كبير خارجي يتهددها.
والثاني إلحاقُ أكبر خسائر ممكنة بالدين الإسلامي، نفسه، وتوسيع دائرة العرب الملحدين أو ضعيفي الالتزام الديني وذلك لتجريد الأنظمة والحركات والمنظمات الإسلامية، وخاصة الجهادية منها، من حواضنها الشعبية،وبالتالي القضاء عليها، من داخلها، وعلى مراحل متتابعة.
وتضيف الصحيفة الأمريكية فتقول إن ذلك تَمثل بدعم الخميني، وغض الطرْف عن تصديره العنف إلى جيرانه العرب، وخاصة إلى دول الخليج العربية، وأهمُها وأولها المملكة العربية السعودية.
وقد كانت الجزء الأهم في ذلك المخطط هو تسهيل احتلالنظام الخميني للعراق ثم سوريا ولبنان، وتشجيع أنصاره وأعوانه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين على ارتكاب أقصى ما يمكن من جرائم الاعتداءوالظلم والتهديد والإذلال والتخريب في العواصم العربيةالتي يباهي باحتلالها.
كما دعموا، سرأ أو علانية، تنظيماتٍ دينيةً أخرى متطرفة، كالقاعدة وداعش والإخوان المسلمين، ودفعوا بها، بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، إلى القيام بأبشع عمليات الذبحوالتدميير والحرق والتفجير والتهجير بحق أكبر عدد ممكن من مواطنين مسلمين.
وما يعزز ذلك صدورُ تقرير أميركي يرصد أسباب انخفاض نسبة التدين في صفوف الشباب العراقيين، حيث أكد أن ممارسات الأحزاب الاسلامية هي أهم تلك الأسباب والدوافع.
ويقول التقرير الذي نشره موقع (المونيتور) في 22 أيلول 2020) إن “العراقيين الذين يحضرون صلاة الجمعة قد انخفض من 60 في المائة إلى 33 في غضون 5 سنوات، إضافة إلى تراجع الثقة بالأحزاب الإسلامية من 35 في المائة إلى 20، منذ 2013 وحتى 2018“.
ووفقا لشبكة الباروميتر العربي فإن نسبة العرب الذين يصفون أنفسهم بأنهم (غير متدينين) قد ارتفعت من 8 في المائة عام 2013 إلى 51 في المائة عام 2018.
وعلى هذا يصبح كلام الصحيفة الأمريكية أقرب إلى حقيقةًوأكثر أهلية لتصديقه. فقد قدم النظام الإيراني لأمريكا وإسرائيل، عمليا وواقعيا، أكبر خدمة، وحقق لهما أهدافا كانت بعيدة المنال وصعبة التحقيق.
ولكن الصحيفة الأمريكية تنصح قراءها الأمريكيين، وربما العرب والمسلمين، وتقول لهم “لا تتوقعوا أن تتخلى أمريكا وإسرائيل عن إيران، وعن دورها التدميري في المنطقة،بسهولة، انما قد يحصل خصام معها إذا ما وصلت جسارة النظام الايراني إلى الحد الذي يصبح خطرا حقيقيا على مصالحهما العليا. ولذا فإننا نرى الأمريكيين الجمهوريين والديمقراطيين، ومعهم الإسرائيليون، يتمنون لو يستطيعون ترويض النظام الايراني، كي يبقى في حدوده الحالية المزعجة ولكن غير غير المؤذية، وألا يُضطرَّهم، على مضض، إلى إسقاطه والتخلص منه والعودة إلى البحث عن مسمار شرٍ آخر يدقّونه في قلب المنطقة، من جديد.