برناردشو، الفيلسوف والكاتب الساخر المعروف، حين سئل عن أسس السعادة أجاب: “أسس السعادة خمسة؛ المال، المال، المال، المال، المال”. واستسمحه عذرا هاهنا، على اقتباسي مقولته هذه في مقالي اليوم، ففي عراقنا الجديد، بإمكاننا القول ان أسس النجاح في إدراة البلد وأسّ الحفاظ عليه عشرة؛ “القوة، القوة، القوة… وعاشرا القوة”.
أقول رأيي هذا ونحن في القرن الواحد والعشرين، في عصر ارتقت فيه وسائل العيش وتقنياته الى مايقرب الخيال، حيث استبدلت العضلات وفنونها بالعلوم وتقنياتها. ففي قانون الغاب حيث أجناس الحيوانات كثيرة، تتنوع القدرات العضلية والغريزية فيما بينها في الدفاع عن النفس، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمعها هو عنصر القوة، وبذا يكون البقاء في عالم الحيوان -عادة- للأقوى. أما نحن أبناء آدم، فقد ميزنا الله عن باقي المخلوقات واختصنا بالعديد من النعم، أولها العقل ومايحمله من حنكة وسعة أفق في التفكير والتدبير، والتخطيط لخطواتنا وماتؤول اليه أعمالنا، وبهذا ما عاد البقاء في المجتمع البشري يقتصر على دور الأقوى فقط، لاسيما ونحن في عصر العلم والتكنولوجيا، فحلّت وجوبا أدوار الأصلح والأفلح والأفضل والأكمل والأتقى والأنقى والأفهم والأحكم والأقدر والأجدر، مجتمعة جميعها في آن واحد وآنية واحدة من غير إسقاط أي دور لإحداها، ليكتمل بناء المجتمع ويطّرد تقدمه ورقيه مع الزمن كمّا، ومع باقي المجتمعات نوعا، شرط ان يبقى دور القوة ملازما للأدوار كلها.
اليوم في عراق مابعد 2003 أرى ان جميع الأدوار التي ذكرتها موجودة بشكل كامن داخل كل فرد سوي من أفراده، وبامكانه بذرها على أرض الواقع، شرط ان تكون تلك الأرض خصبة ومهيأة لاستقبالها. باستثناء نفر ليسوا من الصلاح والفلاح بشيء لأنفسهم او لأخوانهم العراقيين او للبلاد. ومن سوء حظ العراقيين عقب تحريره من براثن النظام السابق، ان يكون لهذا النفر منصب ومقعد وحقيبة، وبالتالي تكون لهم كلمة وموقف وقرار. وهم ألد أعداء العراق قلبا وقالبا ومخبرا ومظهرا، حيث يتدرعون بحجج الوطنية والحرص على مصالح البلد، وفي الحقيقة هم يتأبطون له شرورا، فيما هم يرتدون زي الصديق والمحب، وهم كما قال أبو نؤاس:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت
له عن عدو في ثياب صديق
وقطعا هم يتخذون من الحرباء ونهجها نقطة شروع، ينطلقون منها في تحديث أساليب العداء وأدواته وأنواعه، فيستحدثون من فنونه الجديد والغريب، وهنا ينحسر علاجهم فيقتصر على دور القوة فقط، ولن يجدي الكي حينها إن كان آخر الدواء، بل يجب ان يكون أوله.
هو نداء إذن، من العراقيين يضعونه في صناديق الشكاوى، وأولها المركون في باب رئيس الوزراء، أن طهر المناصب العليا من اولئك الأشرار، من أول بادرة سيئة تصدر منهم، قبل تمركزهم في منصبهم واحتكامهم به وتحصنهم تحت دبلوماسيته. فالسيئ من المسؤولين كما اعتدنا يفرغ سمه في جسد العراقيين، وبعد حين يصل اليه العقاب -ان وصل- ويكون إذاك قد اتخذ لنفسه مكانا قصيا في دولة تؤويه، كما آوت الذين من قبله، او يكون قد شد رحاله الى أخرى يحمل جنسيتها ويكن الولاء لها، أكثر من بلده الذي تباكى عليه حين كان معارضا للنظام الحاكم، واستقتل على “خدمته” كما يدعي بعد سقوط النظام.