قاسٍ حزيران على العرب، وخاصة القوميين منهم. هذه كانت حال المؤتمر القومي العربي، الذي عقد خلال اليومين الماضيين، في دورته الرابعة والعشرين في القاهرة، بعد غياب عنها طويل (منذ العام 1997). وفي كل دقيقة كان حزيران يفعل أفاعيله المعتادة مع العرب.
في الصباح كان الصدام بين «القوميين» و«الإسلاميين» على وقع الإيقاع الفائر للحال المصرية. في الظهيرة تمترس قوميون خلف «سايكس – بيكو» في مواجهة نزيف سوريا النافر. وفي الليل وصباح اليوم التالي للافتتاح كان النزاع حول سوريا.
في الجلسة الافتتاحية كان «طبيعيا» ــ بروتوكولياً وإجرائياً ــ أن يحتفي المؤتمرون بـ«الثورة المصرية»، فاختاروا حمدين صباحي ليلقي كلمة افتتاحية. وقال صباحي إن «جميع الفصائل والقوى السياسية تجمعت في ميدان التحرير ضد نظام الحكم المستبد السابق، حيث كانت الثورة صناعة مشتركة، ثم استأثر هذا الفصيل (الإخواني) بالحكم وأطاح كل رفاق الثورة منذ توليه
الحكم، وانفرد بصناعة الدستور، وصياغة قوانين تحقق أهدافه ومطامعه في البلاد، وتمكين إخوانه من مقاليد الحكم».
وبدا أن البعض قد «ابتلع» حديث صباحي الذي يبدو كأنه يتعارض مع «استراتيجية» عمل المؤتمر القومي العربي وخطته المقرة عبر دوراته، والتي تؤكد أن طبيعة المؤتمر السنوي هي أنه «مؤتمر فكري سياسي»، وليس ندوة فكرية، كما أنه ليس مؤتمراً حزبياً يسعى للسلطة، لكنه لم «يبتلع» أن تسمح رئاسة المؤتمر بالحديث لشاب قُدم على أنه «من شباب الثورة المصرية» وتبين في تقديمه لنفسه أنه «المتحدث الرسمي لحملة (تمرد) محمود بدر، التي تجمع توقيعات من المصريين ــ جمعت سبعة ملايين توقيع ــ تطالب الرئيس محمد مرسي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وهكذا، ما إن بدأ بدر الحديث حتى وقف البعض، ليسمع ما يقول، فإذ هو يشن هجوماً حاداً على الرئيس محمد مرسي، ويتوعده فى 30 حزيران بالإسقاط والرحيل. وبدأت أصوات تتعالى اعتراضاً حين تطرّق بدر إلى الرسالة التي وجهها مرسي إلى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، ثم بدأ عدد من أعضاء المؤتمر الخروج من القاعة غاضبين، خصوصاً حين قال بدر: «لا القومي ولا العروبي يوافق على التعامل الإسرائيلي بهذا الشكل، ولا يوافق على صداقة الأميركيين على حساب الأمل الفلسطيني، ولا يتعامل مع الأزمة الأفريقية بالمخالفة لما كان يتعامل به الزعيم عبد الناصر».
وجرى كثر، لكي يتبينوا من هم الغاضبون، فكان الأبرز فيهم عضو المكتب السياسي لحركة حماس أسامة حمدان. عاد حمدان إلى القاعة بعدما انتهي كلام بدر، وطلب الكلمة، فقال «لقد قبلت عضوية المؤتمر منذ العام 1998 لأنه يضمن حرية الرأي والتعبير مع الأدب»، فقاطعته أصوات من القاعة مرتفعة رافضة إشارته إلى «الأدب»، وهتف بعضها «يسقط يسقط حكم المرشد»، «مصر دولة عربية.. مش ولاية وهابية.. ولا إمارة إخوانية».
وانتهت الجلسة بتعليق من أحد المنظمين بأن «ما حدث من اختلاف في الرؤى يعكس الحيوية، خاصة أننا تيارات مختلفة يجمعها البعد القومي، وما حدث كان من شاب لا يعرف الجميع اتجاهاته، خاصة أنه بعد 25 يناير لا نستطيع تحجيم أحد»، مشدداً على أن «المؤتمر ليس ضد أحد وهو يجمع ولا يفرّق».
أما نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان الذي حضر الجلسة الافتتاحية فقد غادر القاعة خلال إلقاء حمدين صباحي كلمته ولم يشارك في أعمال المؤتمر.
وقد جرت محاولات مكثفة لتهدئة الأجواء من قبل عدد من مسؤولي المؤتمر، ولا سيما أمينه العام عبد الملك مخلافي والامين العام الاسبق معن بشور، وكانت نتيجتها قيام وفد من المؤتمر بزيارة مركز «حزب الحرية والعدالة» واللقاء بعدد من قيادييه وفي مقدمهم عصام العريان، حيث جرى البحث في العلاقة بين القوميين والاسلاميين وكيفية معالجة أجواء التشنج. كما عقد لقاء على هامش المؤتمر بين صباحي وحمدان لترطيب الاجواء والتأكيد على ان يبقى النقد في الإطار الموضوعي.
وكان من المقرر ان يقوم وفد من المؤتمر بزيارة الرئيس المصري محمد مرسي، لكن عدداً من أعضاء المؤتمر اعترضوا على ذلك وطالبوا بأن يكون اللقاء حواريا وان يستمع مرسي إلى الملاحظات النقدية، ما أدى الى عدم الاتفاق على الزيارة وإلغاء الموعد.
المواجهة بين بدر وحمدان، وجّهت أجواء المؤتمر نحو كيفية السيطرة على التباينات – الخلافات الظاهرة بقوة. قُرئت فقرات من تقرير «حال الأمة».
المعقبون والمناقشون تجاهلوا التقرير بصورة مجملة، وانتقوا الموضوع السوري، وانقسموا حوله ثلاثة أقسام: قسم اعتبر أن الواجب القومي الآن هو الدفاع عن وحدة كل قطر عربي، وأن الدفاع عن وحدة سوريا في مواجهة الحلف الصهيوني الأميركي دفاع عن الأمة العربية وليس دفاعا عن النظام. وعبر العميد أمين حطيط عن هذا الرأي بقوة، بالاضافة الى سهام الاسعد.
في المقابل، كان الهجوم على النظام في سوريا وحزب الله ضاريا، كما كان الدفاع عنه مستميتا. وبدت كلمات حسن عبد العظيم، الذي وصف نفسه بأنه «قومي ناصري وحدوي» كأنه بحث عن منطقة وسط «عقلانية». وطالب حلفاء النظام وحلفاء المعارضة جميعا بالكف عن دعم الطرفين، وخلص إلى أن «الأمر يتطلب توافقا دوليا – إقليميا – عربيا على إنهاء النزاع المسلح من خلال الذهاب إلى» جنيف 2»، مشددا على أن «الشعب السوري مصمم على إنهاء النظام».
في أصداء الموضوع السوري تناثرت كلمات عن النزاع السني – الشيعي وخطط «الأمبريالية والصهيونية» لإشعاله لتقسيم الدول القطرية المرسومة وفق معاهدة سايكس – بيكو (1916) بين فرنسا وبريطانيا. وجاهر كثيرون بأن الخطر حال وحقيقي، وأن القومية والعروبة الآن تعني الدفاع عن الحدود القطرية الحالية.